لانقسام في مصر: مَوتُ الأمة
تاريخ النشر: 25/12/12 | 0:10إن ما يجري في مصر حالياً. هو المَوتُ البطيءُ لهذهِ الأمة عربياً وإسلامياً. وأن الاصطفافات قد بدأت تبرز ملامحها. في الكثير من الأمور سواءً دينياً أو سياسياً. أو حتى النَهَج في الحياة الاجتماعية. ويبدوا أنه قد يشتد في الأيام القادمة. وأول قطرتهِ، أن يَقتلَ المصريّ أخاه المصري. بهذه البشاعة وبهذا الحقد الرهيب فبدأ هذا الأمر في بداية الثورة 25 يناير 2011 سقوط مئات القتلى وألاف الجرحى من المتظاهرين والثائرين على إسقاط نظام مبارك. وبَعد أن سقط مبارك وقاد الجيش دفة الحُكم خلفاً لَهُ فحدثت مجزرة في الأستاد الرياضي في الأسكندرية التي راح ضَحيَّتها أكثر من 80 قتيل وعشرات الجرحى. بعد أن قام مئات من البلطجية للنظام السابق بهذا العمل المشين: تستمر مثل هذه الحالات في كل أنحاء مصر: ولتستمر الفوضى على هذا النحو.
وتأتي الانتخابات ويكون التنافس في النهاية لهذه الانتخابات بين أحمد شفيق من النظام السابق ومرشح الأخوان الدكتور محمد مرسي فأحتار ناخبي الوسط مع من يقفون وينتخبون. ففضل قسم منهم أن ينتخب الدكتور مرسي مرشح الاخوان. بعد أن راى وفضل الدكتور مرسي (أهون السيئين). وكان فوز مرسي بنسبة ضئيلة جداً 1.5 بالمئة على شفيق لتكون هذه الفرصة الأولى للأخوان المسلمين منذ ثمانين عاماً ليفوزون بالحكم.
فكانت البداية في تونس. ثم إنتقلت هذه الفرحة الى مصر. ومصر بحجمها وقيادتها للأمة العربية كعنصراً قوياً ومؤثراً في الأمة الإسلامية. لم يصدق الأخوان أن هذا الأمر قد تحقق. وأنهم الآن أصبحوا يمسكون زمام الأمور ويتحكمون في مصائر الناس، فنجحوا أن يكون المجلس التشريعي في أيديهم ومن ثم التنفيذي. وبدأت المحاسبة والتصفيات. بالانقضاضِ على كل ما هو مؤثرً في المجتمع. فكان أول شيء. الجيش بتغيير قيادته بقياداتٍ تابعة للأخوان ومن ثم انتقل الأمر للسلطة الرابعة وهي الإعلام. بالتطبيق على كل من يقول كلمة مغايرة لنَهج الأخوان. وكل ذلك تحت اسم الديموقراطية فجاء دور القضاء . أن أصدر الدكتور مرسي، المرسوم المعروف بالسيطرة حتى على دور القضاء النزيه. والسيطرة عليه كاملاً.. وراح أبعد في ذلك بإقامةِ اللجنة التأسيسية للدستور. الذي كان أكثر أعضاءها من الأخوان والسلفيين ليُفصِّلوا الأخوان والسلفيين دستوراً على مقاسهم وذهب السيد مرسي إلى أبعد من ذلك مكابراً أن طرح الدستور للتصويت عليه. وهذا شيء بديهي أن من يجلسُ على كرسي السلطة يستطيع أن يزوَّر كما يشاء وكما كان في النظام السابق لمبارك.
وبدأت النتائج تُعلن حتى قبل إغلاق الصناديق أن نعم على الدستور نالت ما بين 55% إلى 57%. مما دفع بالكثيرين من المصوتين إلى العودة إلى منازلهم دون أن يصوتوا أضف على ذلك أن كل الأماكن التي يعرف الأخوان أن ليس لهم فيها نصيب وافر منعوا المصوتين من التصويت وأعادوا الناس أدراجهم إلى بيوتهم وهذا حسب قول المنظمات الأهلية المدنية والمجتمعية لحقوق الإنسان، وأن هذه النتيجة هي نتيجة مزورة دون أدنى شك: ليتضح الانقسام. بين المصريين. ويزيد الخصام بل أقول جازماً. إذا لم يتعقل الإخوان وعلى رأسهم الدكتور مرسي ويأخذون بعين الاعتبار هذه الشرائح الواسعة في الشعب المصري أن لهُم رأيٌ مغاير عن نهج الأخوان ولهم حقوقٌ لا يستطيع أحدٌ من تجاهلها أقولها وبصراحة أن الأخوان بتصرفهم هذا قد أسسوا أرضيةً لحربٍ أهلية وقسموا الشعب المصري إلى قسمين: وأماتوا روح الديمقراطية التي من أجلها الشعب المصري بدأ ثورته ضد نظام مبارك دون ان يشارك الإخوان في البداية. وعندما رأوا أن الثورة أخذت طريقها إلى النجاح والنصر دخلوا مشاركين. فتارة كانوا يغازلون العسكر وتارة شبابُ الثورة والثوار وقد ساعدهم في ذلك أنهم حركة منظمة وأفرادها ملتزمون بها وحين يؤمرُ أفرادها للقيام بعمل ما يهبون لتنفيذه دون سؤال أو حرج.
إن مصر اليوم تعيش على صفيح ساخن. وأن الخوف الذي كان يخيمُ على الشعب المصري. قد تبدد مع أولِ يومٍ من انطلاقةِ الثورة في 25 يناير 2011. وأن الشعب المصري لن يستطيع لا الدكتور مرسي ولا الأخوان أن يحكموه بالحديد والنار. ولن يستطيع الأخوان فرض ارادتهم على الشعب المصري في كل الأحوال مهما كان تنظيمهم من القوة والمال الذي ينهَمرُ عليهم من كل مكان!!!
1. يجب علينا أن نفرق ما بين الشريعة والدين والأخوان فكل الشعب المصري إن لم يكن بأغلبه متديناً. متمسكاً بالشريعة الإسلامية وأن الشعار الذي رفعه الأخوان وعنوانه الشريعة. شعارً فيه الحق ولكنه يراد بهِ الباطل لأنهم يريدون الحكم ولا غير الحُكم؟ لذا أقول مقدماً نصيحتي للأخوان المسلمين في مصر وغيرُ مصر أن كل نقطة دمِ تراق في هذه الفتن التي تجتاح عالمنا العربي إن كان في تونس أو ليبيا أو اليمن أو سورية أو لبنان أو الصومال باسم الدين والإسلام. فيتحملُ هذه الدماء الذين يرفعون هذا الشعار وأقول لهم أنهم خالفوا الله ورسوله (فكانت دعوتهم لأنفسهم وليست لله) لأن الله يأمرنا وهذا واضحٌ في هذه الآية ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)). [النحل:125.
2. إني أرى مع حزني الشديد أن الفتن التي أخبرنا عنها الصادق الصدوق نبي هذه الأمة وقدوتها (r). فتننٌ كقطع الليل المظلم يصبح الواحد منا مؤمناً ويمسي كافراً. فإذا رأيت شُحاً مطاع وهوىً متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأية فعليك بخويصة نفسك فألزم بيتك وأبكي على خطيئتك إن ما هو قادمً علينا شديد وكل هذا الصراع باسم الدين هو كذبٌ على الله وعلى هذا الدين لأن هذا الصراع القائم الآن ليس من أجل إعلاء كلمة الله والدين بل من أجل الدنيا وسلطانها وجاهها ومالها.. وما دون ذلك هو افتراءٌ على الله عز وجل وعلى رسوله. مع عَلِم هؤلاء الذين يرفعون هذا الشعار بقول رسولنا الكريم (الدنيا نتنة وطلابها كلاب) وقول الله عز وجل في الحديث القدسي (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة لما أسقى منها كافراً شِربةَ ماء). ويُحكم أتسفكون الدماء وتقتلون الأبرياء أهذا كله لابتغاء مرضات الله!! أيها الجهلة السفهاء أيقبل الله أن تقتل نفساً بريئةً وهو القادر على كل شيء لو شاء لهداها. حقّاً أنكم قتلة. وما من شيء يبنى على القتل وسفكِ الدماء فهو زائل، كما وأهله كذلك، وأصحابه وقودُ النار (وقودها الناس والحجارة) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وهذا جزاؤهم الحق والله على ما نقول وكيل.
والله ولي التوفيق
بقلم:الشيخ عبدلله نمر بدير