الأمانة
تاريخ النشر: 13/04/15 | 5:49الأمانة ضد الخيانة وهي صفة جميلة، حثّ عليها الدين وأمر بها, فالإنسان الأمين محبوبٌ عند الله وعند الناس، قال تعالى “إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا” (الأحزاب:72)
ولقد أوجب الله علينا ولُقّب نبينا صلى الله عليه وسلم بالأمين، هو قدوتنا في حفظ الأمانة والتخلق بها ومن الأمانة أن نصون حواسنا من الحرام وأن لا نعتدي على حقوق الآخرين بأن نحفظ الودائع والأمانات، ولنتذكر دائمًا أن من لا أمانه له لا دين له، وأن الأمانة والرحم يقفان يوم القيامة على جنبتي الصراط يمينًا وشمالًا، لعظم أمرهما وكُبر موقعهما ليطالبا من يريد الجواز بحقهما.
وقد أمر الشارع بحفظ الأمانة وأدائها وذم الخيانة وحذّر منها بقوله عز وجل “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها” (النساء:58)
ذكر ابن كثير رحمه الله: “إنها عامة في جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، وهي نوعان: حقوق الله تعالى من صلاةٍ وصيامٍ وغيرهما وحقوق العباد كالودائع وغيرها.”
والأمانة مع ثقلها إلا أنها ليست مستحيلة، بل تتوج بها عباد الله الصالحين، حتى وصفهم الله تعالى “والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” (المؤمنون:8)
إنها الأمانة مقياس العمل الجاد الناجح حينما تقترن بالقوة “إن خير من استأجرت القوي الأمين”.
إنها الأمانة التي كان يودع بها النبي أصحابه وجيوشه فيقول لهم : “أستودعُ الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم” (رواه أبو داوود)
إنها الأمانة التي ينال صاحبها شرف محبة الله ورسوله له. قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: “من سره أن يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدث وليؤدي أمانته إذا ائتمن” (رواه البيهقي)
فالدين والتمسك به أمانة، ونعم الله علينا أمانة فيجب حفظها واستعمالها وفق ما يرضي الله.
والولد أمانة فيجب حفظه ورعايته وتربيته كما يحب الله ويرضى.
وحفظًا لهذ الأمانة العظيمة قامت مؤسسة حراء برعاية الناشئة على حب الدين وحفظ كلام الله رب العالمين والعمل به بنشر مشروع القرآن العظيم في كل مدننا وقرانا, لجميع الأجيال والمراحل, للصغير والكبير, للأبناء والأجداد, للطلاب والمربين, ولجميع شرائح المجتمع.
وقامت من خلال مراكزها التربوية بتسليط الضوء على تنزيل القرآن الكريم على أرض الواقع ونشر الفضيلة والأخلاق ومحاربة الرذيلة والفساد، فكان ضمن مناهج هذه المؤسسة العظيمة تعليم الأخلاق وترغيب بل حث الطلاب على الإلتزام بها حتى يكون أبناؤنا مصاحف تدب على الأرض.
فكان من هذه الدروس العظيمة “خُلقُ الأمانة” خاطبت من خلاله الأهل الكرام على متابعة أبنائهم وضمهم لمراكز حراء، البيت الدافئ, حيث يطمئن الأولياء على تربية أبنائهم وليكونوا بذلك خير أمناء على أولادهم امتثالًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يغفل على إعطاء التوجيهات والدروس والنصائح لمن يحتاج إلى ذلك (يا غلام إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك..) والذي قال (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأةُ راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته..) رواه البخاري
وقدوتنا في هذا الخُلق سيد الخلقِ وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم، حيث تولى الله تربيته وتأديبه فكان أكمل الناس خُلقًا وأعظمهم أدبًا وأرجحهم عقلًا وقد اشتهر صلى الله عليه وسلم بين أهل مكة قبل الاسلام بالاستقامة والصدقِ والأمانة، فلقبوه بالصادق الأمين.
فها هو الأمين يخاف أن يأكل طمرةً ساقطةً على فراشه بعدما يرفعها ليأكلها فيخشى أن تكون من الصدقةِ فيدعها.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بمكة أحدٌ عنده شيء يخاف عليه إلا وضعه عنده لما يُعلم من صدقه وأمانته..
ولما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليالٍ وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس.
وهذه من أروع الصور في أمانة الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث أن الكفار كانوا يعادونه ويؤذونه ودبروا مؤامرة لقتله ومع ذلك أعاد الأمانات إلى أهلها.
وصدق الشاعر لما قال:
أدِّ الأمانة راجيًا من ربنا كل الثواب … من خاف أيُّ أمانةٍ حصد الهلاك مع الخراب
فالله يمتحنُ العبادِ والخائنون لهم حساب … أما الأمين هو الذي دومًا يفضله الصحاب
فيا أبناء حراء ويا مربي حراء عليكم بالأمانة في تعلمكم وتعليمكم فأنتم على أمانةٍ كبيرة وثقيلة، عجزت عنها وأبت أن تحملها الأرض والسموات والجبال وحملتها أنت، لأن الله يعلم أنك تطيق ذلك وأنك أهلٌ لها بإذنه تعالى، فكان الرُسل أمناء الله على وحيه وحمل هذه الراية كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة, فهم أمناء في تبليغ هذا الدين، وهل أعظمُ من أمانة تعليم القرآن الكريم الذين هم خير الناس، فخيركم من تعلم القرآن وعلمه.