عازفة ناي فلسطينية تفوز بفرصة نادرة في ألمانيا
تاريخ النشر: 30/12/12 | 3:58للوهلة الأولى تبدو داليا مكركر كأي طالبة في ألمانيا، لكن الفتاة الفلسطينية ذات العشرين ربيعاً، التي تفضل اسم “سول”، تحمل قصة مبهرة، إذ كانت تعيش في بلدة بيت جالا بالضفة الغربية قبل شهرين. ورغم عدم تلقيها لأي دروس في الموسيقى الكلاسيكية، إلا أنها حصلت على مقعد من أربعة مقاعد مخصصة لدراسة عزف الناي في جامعة كارلسروه للموسيقى.
وحول نجاحها في ذلك تقول مكركر: “إنه حلم وتحقق”، لاسيما وأنه قبل ست سنوات فقط لم تكن داليا تعرف ما هو الناي أصلاً. لكن ذلك لم يمنعها من حضور دروس مجانية لتعليم عزف الناي في مدرستها، بسبب تصميمها على إتقان العزف على آلة موسيقية.
وبعد هذه الدروس، وقعت داليا مكركر في حب الناي وشجاه، فهو فتح أمامها نافذة للهروب من واقع الحياة القاسي في الضفة الغربية. وتضيف مكركر أنه “عندما كانت القنابل تتساقط، كنت أكره حياتي لدرجة أنني كنت أعزف الناي اثنتي عشر ساعة متواصلة في اليوم، لأنني لم أكن أريد مواجهة الواقع. لم أكن مهتمة بما أعزفه، وكنت أعزف حتى أنهار من التعب”.
تعيش مكركر في بيت جالا مع والديها وأشقائها الخمسة، وإيجاد مكان في المنزل للعزف بهدوء كان أحد المشاكل التي واجهتها، مما اضطرها أحياناً إلى اللجوء إلى خزان مياه فارغ على سطح المنزل، وتقول حول ذلك: “لقد كان هناك صدى كبير، إلا أنني كنت أستمتع بذلك”.
كما واجهت داليا صعوبات في إيجاد مدرس للناي، وهي وظيفة نادرة في فلسطين التي لا يحتوي تراثها الفني على الكثير من الموسيقى الكلاسيكية. وبعد أن تم شطب الدروس المجانية في مدرستها، تلقت داليا بعد الدروس من مدرسين أوروبيين يعملون مع مؤسسة بارنبويم-سعيد.
وبعد ذلك، تمكنت داليا مكركر من العثور على مدرس إسرائيلي مستعد لإعطائها دروس في الناي مجاناً. لكن عندما أصبحت مكركر في سن الثامنة عشر، لم يعد مسموحاً لها بالسفر إلى القدس على الجانب الآخر من الجدار الفاصل. إلا أن ذلك لم يمنع مدرسها الإسرائيلي، رعنان إيلون، من السفر إلى بيت جالا من أجل تدريس داليا.
وتتابع عازفة الناي الفلسطينية بالقول: “أعتقد أنه كان يؤمن بي … كنت سعيدة بتلقي الدروس، وهو (إيلون) كان فرصتي الوحيدة لمواصلتها”. لكن مدرس الناي الإسرائيلي لم يكن الوحيد الذي ساعد داليا مكركر، فقبل عام كانت أستاذة ألمانية قد أعطتها دروساً في عزف الناي، وتمكنت من جلبها إلى ألمانيا من أجل إعطائها فرصة لتحويل حلمها إلى حقيقة.
وتقول ريناته غرايس أرمين، المحاضرة في جامعة كارلسروه، إنها قابلت “داليا قبل سنة، وكنت وقتها مبهورة لأنها تمكنت من عزف المقطع الأول لمقطوعة الناي المنفرد ليوهان سباستيان باخ، وعرفت وقتها أن هناك شخصاً يريد أن يقول شيئاً من خلال هذه الآلة الموسيقية”.
وبعد أن تأكدت من إمكانية حصولها على مقعد في الجامعة الألمانية، عادت مكركر إلى فلسطين مرة أخرى وبدأت بالتحضير لاختبار القبول في المعهد الموسيقي. وفي ذات الوقت، قام مستشارها الألماني (الذي يفضل أن يبقى مجهولاً) بتنظيم التمويل اللازم لتغطية تكاليف سفر داليا إلى ألمانيا من أجل التقدم لاختبار القبول.
وعندما تلقت “سول” خبر حصولها على أحد المقاعد الأربعة من بين حوالي مائة متقدم ومتقدمة، لم تكد تصدق ذلك، وتتذكر بالقول: “لقد بكينا وضحكنا وصرخنا وركضنا، وقمت بالاتصال بالجميع وإرسال رسائل بريد إلكتروني للجميع”.
كما قدمت الجامعة لمكركر منحة بقيمة 800 يورو شهرياً، وبدون هذه المنحة لم يكن ممكناً للشابة الفلسطينية الدراسة في ألمانيا. كما أن عليها أيضاً إعادة التقدم لاختبار السمع، الذي فشلت في اجتيازه في يوليو/ تموز الماضي، إذ إنها لم تضطر من قبل لتسمية النغمات الموسيقية طوال فترة تعلمها للعزف.
وحالياً، تعترف داليا مكركر بأن دروسها المفضلة في الجامعة هي عزف الناي والتحليل الموسيقي، وذلك لأنها تساعدها “على فهم جذور المقطوعة” الموسيقية. وعندما تمسك “سول” بالناي للعزف، فإنها تعترف بأنها محظوظة بالدراسة في ألمانيا، إلا أنها لا تنوي البقاء هنا، “لأنني أحب فلسطين”، رغم الوضع السياسي الصعب. ولكن قبل عودتها، ترغب داليا مكركر في تعلم كل ما يمكنها تعلمه عن الموسيقى.