دراسة لديوان غروب الآمال للشاعرة ثريا بشي
تاريخ النشر: 16/04/15 | 17:54مقدِّمة : هذه دراسة ٌ موجزة ٌ تتناولُ بعضَ القصائدِ من ديوان الشَّاعرةِ ” ثريَّا بشير” من قرية الفريديس – قضاء عكا، وهذا الديوان باكورة ُ إنتاجها الشِّعري ولكنَّ شاعرتنا قد كتبت الكثير من القصائد بعدَ صدور ديوانها وتلكَ القصائد تفوقُ قصائد ديوانها هذا من حيث المستوى والأسلوب والتجديد.
الديوان يقعُ في 80 صفحة من الحجم المتوسط الصَّغير ولم يأتِ اسمُهُ ” غروب الآمال ” على سبيل الصُّدفة بل هو إسمٌ ملائمٌ ومُعبِّرٌ وَمُطابقٌ لمواضيع القصائد التي بداخلِهِ.
مدخلٌ : إنَّ الحزنَ العميقَ الهادىءَ هو المُهيمنُ على شعرها فلو تصفحنا معظمَ شعرها نلمحُ طابَعَ الحزن والكآبة المستمرَّة والأمل الضائع الغارب عن كنهِ الحقيقةِ ومرفإ الإطمئنان والسَّكينةِ…. شعرُها إنسانيٌّ وجدانيٌّ شفَّافٌ يعكسُ لنا واقعَ الإنسان المُكافح الدَّؤوب الذي يخوضُ خضمَّ الحياةِ بتحدٍّ وإصرار ولكنَّهُ سرعان ما يُصابُ بالإحباطِ والخيبةِ وَتتبدَّدُ طموحاتُهُ وتتحطَّمُ آمالهُ على صخرةِ القدر الغشوم.
في قصيدةِ ( “صمت “- صفحة 10 ) تتساءَلُ بلهفةٍ وبحيرةٍ لماذا الآلامُ تلاحقها والحيرة ُ العابثة ُ تهزأ بأفراحِها وتشمتُ بآمالِها المفجوعة، والقدرُ يقفُ لها بالمرصادِ ساخرًا منها، تقول :
( ” أم هُوَ القدرُ يقفُ ساخرًا منِِّي
أم هيَ الآلامُ تقفُ متربِّصَة ً بي خلفَ كلِّ بابِ أملْ //
لماذا هذهِ الحيرة العابثة ؟ ألتهزأ بأفراحي ؟ //
أم لتشمَتَ بآمالي المفجوعه //
صَدًى لسؤالي…. لا جوابْ //
هدوءٌ… صمت… صمت… صمتْ ” ).
إنَّ أحزانهَا المتوهِّجَة َ المشتعلة في قمّضةِ ثورانِها المأساويِّ تتجلَّى بشكل أوضح في قصيدة ( ” تائهة ” – صفحة 73 )، تقولُ :
( ” عُودَا للقلبِ الدَّميم المجرح
عُودَا إليَّ ولا تتركاني
ثمَّ تقولُ : ( ” لبسَت الدُّنيا ردَاءَهَا الأسودْ //
فسهرَ النجمُ وتعوَّدَ أن يراني
أبكي ألمي… أندُبُ حَضِّي
وتقولُ في القصيدةِ أيضًا :
( ” ماذا أندُبُ يا قلبُ بَعْدْ
قد يعجزُ عن وصفِ المأتمِ لساني
بحثتُ عن أوتارٍ لعودي
بحثتُ عن كلماتٍ لألحاني
فلم أجدْ سوى السَّرابْ
أينَ أيَّامُ الحُبِّ العُذريّ
وما بكَ غيَّرتهُ يا زماني
إلى أن تقولُ 🙁 شقاءٌ لا يتحمَّلهُ الحَجَرْ
شقاءٌ لا تُبدعُهُ أيدي شيطان..// ” )…. إلخ.
مع كلِّ الأحزان التي تحياها الشَّاعرة ُ والمُنعكسة تلقائيًّا في شعرها نجدُ لها بعضَ القصائد النابضة بالحياةِ والامل والتفاؤُل فمهما عصفَ بها اليأسُ يبقى بصيصُ الأمل موجودًا في داخلِها…فلا بُدَّ لتلكَ السِّنين القاحلة العجاف أن تتمخَّضَ وسينبثقُ من تحتِ رمالِهَا وركامِها أيَّامٌ جميلة ٌ مشرقة بالسَّعادةِ.. إنَّ القيودَ الثقيلة َ سوفَ تزولُ وستشرقُ الحياة ُ وستسطعُ الآمالُ من جديد.
ونحنُ نلمحُ أيضًا نبرة َ التحدِّي والمقاومة للواقع الأثيم موجودة ً في بعض قصائِدها كقصيدة ( ” أينَ الوُعود ” – صفحة 70 )، تقولُ فيها :
( ” تحرَّكي… تكلَّمي… أجيبي
لا تقفي هكذا في جُمودِ
لقد أحبَبْتُكِ يومًا أسرتِ قلبي
تهوَّرت بدونِ حُدودِ
كسَّرتِ تقاليدي هدَّمتِ أركانَ الجميع ِ
وتعاليتِِ.. تعاليتِ على كلِّ القيودِ ” ).
ونقولُ في القصيدةِ أيضًا :
( ” وأينَ آمالي… أينَ احلامي
وإلى أينَ تاهَت الوُعُودْ
إختفت جميعُها.. تلاشت وغدَرَتْ… قتلتْ كلَّ العُهودْ
تصوَّرتُكَ حياة َ حُبٍّ وحنان //
إنتظرتُ الأملَ ما بينَ اليومَ والأمسْ
وبقيت لي أحلامٌ بالياسمين والورودْ
كلُّ الواقع يُهدِّمُ أحلامي
وقلبي يبالغُ في الصُّمودْ
تبًّا لكَ يا قلبي تبًّا
رضيتَ لي بالألم ما كنتُ أرضى بالإهانةِ
لولا المكتوب لولا المَوْعُودْ
غريبة ٌ أنتِ يا دنيا وغريبٌ عجيبٌ هذا الوجودْ
فلماذا أجري وراءَ الأمل المفقودْ
فأعيشُ حياتي في وهم ٍ
في سرابٍ في عذابٍ وشرودْ
ضيَّعتَ احلامي دَمَّرتَ آمالي
هَدَّمتني يا قلبُ فهدرتَ جميعَ الجهودْ وفي آخر القصيدة تسلِّمُ أمورَها إلى الخالق فتقولُ مُخاطبة ً نفسَهَا بكلماتٍ فلسفيَّة :
( ” ما الحيا ؟ ما الدُّنيا
ما الأمل ؟ ما سرُّ هذا الوجودْ
أفيها النهاية ؟ أفيها الذكرى ؟
أفيها فناءٌ ؟… أفيها خلودْ ؟
أسائلُ نفسي.. أنا… فكري
أعذبُ ذاتي ولا أجد رُدوُدْ
فسلَّمتُ أمري للهِ
سلّمتهُ لباري وأنتظرُ ذلكَ اليوم المَوعودْ ” ).
هنالكَ بعضُ القصائد لثريَّا تتجلَّى فيها الإشراقة ُ الجميلة ُ والحياة ُ النابضة ُ بالحُبِّ والدِّفءِ والسِّحر…تغني في هذه القصائد للحبِّ.. للأمل.. للسَّعادةِ..ونجدُ قصائدها رقيقة ً شفافة ً فتنقلنا إلى جوٍّ رومانسيٍّ حالمٍ، يجتمعُ في شعرها عناصرُ متناقضة كالأمل واليأس والسَّعادة والعذاب والفرح والحزن والكفاح والإستسلام..والحياة والموت.. إلخ. فهي تذكرنا بالشَّاعرةِ الفلسطينيَّة الكبيرة ” فدوى طوقان “، تقولُ ثريَّا :
( “أريدُ أن أساهرَهُ
أريدُ ان أرافقهُ أن أكونَ حبيبتهُ
أهٍ يا بدري المتوِّل //
آه يا بدري الخجل
يا ياسمينتي انتْ
تلتقي عينايَ بكَ ليلا وترسمُ لمخيِّلتي نهارًا
أنتَ العالمُ بأسراري يا مشعل آمالي ” ).
وتقولُ أيضا : في قصيدة (” القيد ” – صفحة 24 ) :
( ” عشقتُ السجن // لأنكِ أنتَ لقلبي السَّجَّانْ
حينها طارت الكلماتُ منِّي وخابَ في اللحن ظنِّي
تمزَّقت أوتارُ عودي ولم تعُدْ تسمعُ اللحنَ منِّي ” ).
هنالكَ الكثيرُ من الكلمات الجميلة العذبة المموسقة التي يزدحمُ بها قاموس ثريَّا الشِّعري مثل : يا مياه صحرائي، يا قمريَّة سجني، يا كعبة آلامي، يا إبتسامة عبوسي، يا مشرق أحلامي، يا مشعل الأطلال.. وكما نلمسُ من بين هذه الكلمات الجميلة الرَّنانة بعضَ…بعضَ التَّعابير الأدبيَّة والإستعارات البلاغيَّة الحلوة الجديدة المبتكرة.
إنَّ ثريَّا في شعرها تتطرَّقُ إلى قضايا إجتماعيَّة عديدة وهي بدورها ترفضُ التقاليد البالية السلبيَّة السيِّئة التي يتبناها المجتمعُ وتدعو إلى للتحرُّر والإنطلاق… وهنالك فرقٌ كبيرٌ جدًّ بين التَّحرُّر والإنطلاق الحضاري والإجتماعي وبين الإنحلال الأخلاقي والإجتماعي، ولكن وللأسف قسم كبيرٌ من مجتمعنا الشَّرقي لا يستطيعُ أن يميِّزُ بين هذا وذاك. ما زالَ مجتمعُنا الشَّرقي يرزخُ في قيود الرَّجعيَّة والتخلُّفِ والإنحطاطِ الفكري الموروث منذ العصر القديم إلى يومنا هذا…مجتمعُنا ينظرُ إلى الفتاة كأنَّها ضلعٌ قاصر سجبُ ان يُسدلُ دونها الحجاب وتعاملُ بقسوةٍ وشدَّةٍ ولا يحقُّ لها أن تقرِّرُ مصيرَها وحياتها وتصنع مستقبلها بيديها، بل فالأهلُ هم المسؤولون عنها في كلِّ شيىءٍ وهم الذين يُقرِّرُونَ ماذا تصنعُ وماذا تفعلُ في جميع الأمور الحياتيَّةِ واليوميَّةِ وما هي إلاَّ دمية متحركة في أيديهم تسيرُ حسبَ آرائِهم وأهوائِهم ونزواتهم السَّاديَّة السقيمة. إنَّ المجتمعَ الشَّرقي معظمهُ وبشكل عام لا يسمحُ للفتاةِ بالخروج من البيت وبالعمل والتنزُّه وبخوض معترك الحياة.. إلخ..وكما لا يسمحُ بالعلاقاتِ بين الشَّباب والفتيات بأيِّ شكل من الأشكال حتى لو كانت هذه العلاقات مُجرَّدَ صداقةٍ إنسانيَّة وزمالة في الدراسة أو العمل. وفي مجتمعنا كثيرًأ ما يحدثُ علاقاتُ حُبٍّ بين شابٍّ وفتاةٍ ويصدفُ أن يكونَ هذا الشَّاب أو ذاكَ نذلا وجبانا فيتخلَّى عن فتاتِهِ ويهجرُها بعدَ علاقةٍ حميمةٍ.. ودائمًا محتمعُنا العربي في مثل هذه المواقفِ والقضايا يقفُ ضدَّ الفتاة بشكلٍ عشوائيٍّ أرعن فيُشهِّرُ بها ويُحطِّمُهَا معمويًّا كيانا ونفسا فتغدو أحدوثة ً وَسُخرية الجميع، ولكنَّ المجتمعَ لا يهمسُ ببنت شفةٍ عن ذلك الشَّاب الذي كانَ يُبادلُها الحبَّ الكاذب والمزيَّف ( من قِبَلِهِ ) وهي بمشاعرها الرَّقيقة والبريئة وبوجدانها الأبيض كانت تصدِّقهُ. إنَّ الشَّاعرة َ ثريَّا تنظرُ إلى الشَّاب الشَّرقي نظرة ً سوداويَّة وسلبيَّة ً في هذه المواقف والقضايا، فالشَّباب الشرقيُّون أو بالأحرى قسمٌ كبيرٌ منهم متخلِّفون إجتماعيًّا وأخلاقيًّا ومتجرِّدون من القيم الإنسانيَّة فهخدفهُم هو ملاحقة الفتيات والضحك على مشاعرهم الرَّقيقة والتسلِّي عليهنَّ بالكلام المعسول وإنشاء علاقة معهم لينالوا مآربَهم الدنيئة ومن ثمَّ يتخلّثون عنهم بكلِّ هدوء وبساطةٍ ولا يهتمُّونَ لكرامةِ فتياتِعهم وكبريائهنَّ الذي كان مثلا رائعًا ما بعدهُ حدود، ولا يحترمونَ على الأقل تلكَ الفترة الجميلة القصيرة التي قضوها معهنَّ.. فهذا وللأسف كثيرًا ما يحدثُ في مجتمعنا.. لقد تطرَّقت ثريَّا إلى هذا الموضوع الهام في أكثر من قصيدة فمثلا في قصيدةِ (” قصَّة حب “- صفحة 27 ) تتحدَّثُ بإسهاب عن هذا الموضوع. والقصيدة سأنشرُ نصَّها الكامل،وهي :
( ” دخلت سجنَ حُبِّكَ وانقضى الأمرْ
أحَبَّتكَ بمشاعرها… بقبلِها… بذاتِها
وَبخُطى مُؤمنةٍ وقلبٍ خاشع ٍ مُطمئِنٍّ
وَصَلَّت لكَ جميعَ الصَّلواتْ
وَسَبَّحَت باسمِكَ بجميع اللغاتْ
رغمَ عنادِهَا… رغمَ رفضِهَا…
رغمَ مبادِئِها أحبَّتك
أحبَّتكَ بجميع اللغات ْ
أحبَّتكَ بجميع الأجناس // أحبَّتكَ بجميع الأديان //
وَعَمَّدتهَا بعطرِ أحلامِكْ
فترهَّبَت بأحلام السَّعادَهْ
تطهَّرَت بثرَى عباراتِكْ
وَصَلَّت على فراش ِ ادِّعاءاتِكْ
ولم يعُدْ باستِطاعتِها التَّحَرُّر
وأصبحتَ في دَمِها… وبعدَ فترةٍ
صُلِبَتْ على جدران ِ فجيعتِهَا
وَتسَتَّرَت بثيابِ غدركْ
واحتضرَت بخنجرِ شَرفِهَا
والآنَ تسألُ أينَ هي ؟؟
نسَيْتَ عذابَهَا ؟؟
نسيتَ أنَّها تمزَّقتْ على عتبةِ العاداتِ والتقاليدْ
نسيتَ أنَّهَا احتضَرَتْ في ساحةِ الشَّرفِ والتَّعاويذ ْ
أرادَت ان تخلقَ منكَ شيئا // أرادَت ان تُغيِّرَ منكَ شيئا
أرادَتْ أن تزرعَ فيكَ شيئا جديدًا لشرقِنا
أرادَتْ أن تثورْ
أرادَتْ أن يصرُخَ دَمُهَا المَهدُورْ
أرادَتْ أن تحتجَّ أخشابُ تابوتِهَا
أرادَتْ أن تثورَ الحُفرة ُ المَحدودَه
آملتْ أن يصرخَ الثَّرَى الشَّرقيُّ المُختلِطُ بدم الشِّرقيِّين
أرادَتْ أن تفعلَ ولو الشَّيءَ القليل
كانَ موتُها هادِئا
كفجيعتِكْ
كخديعَتِكْ
حلمَت بتنفسِ الصّعداءِ… للصِّدقْ
ولكن… أنا لستُ خائفهْ
فهيَ ستثورُ يومًا بإيمانِها // ستتغلَّبُ على احتضارها
ستصرخُ بأعلى صوتِها
ستنادي الصِّدقَ والإنسانيَّهْ
وسترجعُ لنا بإرادتِها…
وترسمُ لنا مستقبلا غيرَ مستقبلها
إنَّما أسفي الشَّديد.. إنَّ العالمَ يتغيَّر
حتى الشَّرف يتغيَّرْ
كلُّ شيىءٍ… كلُّ شيىءٍ يتغيَّرْ
وأنتَ تبقى جرثومة ً شرقيَّة ً
ستبقى شرقيًّا طفيليًّا
وَيْحَكَ.. كم أنتَ أنانيٌّ أيُّهَا الشَّرقيّْ ” ).
إنَّ هذا الموضوع يتجلَّى بوضوحٍ أكثر في قصائد : ( ( ” وداع يا ألم ” – صفحة 52 ) و ( ” الأطلال ” – صفحة 60 ).. وهاتان القصيدتان طويلتان جدًّا ولعلَّهُما من أجمل قصائد الديوان، سأختار بعضَ المقاطع منهما :
( ” تناجَينا… تهامَسنا // كانَ كلامُنا همسًا ونداءْ
بقيَ على عهدِهِ بالإنتظار يُناجي وَيُقدِّمُ لي العزاءْ
وتقولُ : ( أتذكرُ أيُّهَا القمرُ تلكَ الليله
حينَ خلعَ عنِّي ذاكَ الرِّداءْ
رداءَ الخجلِ.. رداءَ التَّرَدُّدِ.. رداءَ الحياءْ
أصبحتُ مُلكهُ وطوعِ امرهِ
أعطيتهُ كلَّ شيىءٍ بسخاءٍ
خانَ عهدي ولم يُقدِّرَ حُبِّي
وضاعَت أيَّامُ اللقاءْ ” ).
وفي قصيدة ” الأطلال ” تقول :
( ” لا تستطيع أن تحبَّني بعدَ أن أضعتني
بعدَ أن دمَّرتني
سوفَ لا يأتي ذلكَ اليومُ وأكونُ فيهِ كالعاشقة الحقيرَهْ
لأرتمي تحتَ قدميكَ كاليتيمةِ الفقيرَهْ
وفي نهايةِ القصيدةِ تقولُ :
( ” ضاعَ كلُّ شيىءْ
ضاعَ الماضي.. ضاعَ الحُلمُ.. وضاعتِ الآمال
فجميعُ مَن مثلكَ هُم أنذالٌ.. أنذالْ
يسلبُونَ قلوبَ البريئاتْ //
يرسمونَ خططا قذرَهْ
وتبقى قلوبهنَّ جريحة ً دامياتْ
سأذكرُ حُبَّكَ يومًا
سأذكرُ أيضًا تلكَ الآمالْ…
سأعيشُ حاضري ومستقبلي
لأغنِّي وَأرَدِّدُ ذلكَ اللمَوَّالْ
بأنَّ الحقيرَ سيبقى حقيرًا
والنذلُ نذلاً
مهما تعدَّدت وتبدَّلت الأجيالْ
فحُبُّكَ أصبحَ ماضيًا
أصبحَ ذكرى
تُغنَّى على الأطلالْ ” ).
في ديوان ثريَّا لا نجدُ قصائدَ وطنيَّة أو سياسيَّة وإنَّما كلُّها تدورُ حولَ الوصف والوجدانيَّات والمواضيع الشَّكليَّة، ولكن قد تصادفنا بعضُ الكلمات والعيارات التي رمزُ إلى الأرض والوطن وإلى معاناةِ الإنسان الفلسطيني، مثال على ذلك قصيدتِها ( ” من وحي القضيَّة ” ) تقولُ فيها :
( ” يأخذني الشَّوقُ إلى الحُرِّيَّهْ
فأسافرُ في قطار الأحلام
وأراكِ تمرحينَ بجنَّةِ الرَّيحانْ
يُناديني الشَّوقُ بُنيَّتِي
وتهيمُ روحي مع الأهلِ والخلاَّنْ
ويهيمُ فكري لطفولتِك
فأذكرُ يومَ عدتُ إليكِ في فرح ٍ
فامتدَّتْ أيدٍ غادرَة فصرختُ
وبكيتُ ويومَهَا أنتِزعَ القلبانْ
فأنا هنا بعيدٌ… بُعْدَ الأفق
وأخطُّ لكِ رسالتي من خلفِ القضبان
فأنتِ سرُّ وجودي… ولأجلِكِ
أحتملُ ابنتاهُ الذلَّ والحرمانْ ” ).
وهذا لا يعنمي أنَّ الشَّاعرة َ لا تكتب شعرًا وطنيًّا بل على العكس فلها مجموعة ٌ من القصائد تعالجُ قضايا سياسيَّة إنسانيَّة عديدة، كما كانَ للإنتفاضةِ دورٌ كبيرٌ وبعدٌ واسعٌ في شعرِها.
إنَّ قصائدَها الأخيرةَ لم تنشر ومن حقِّها أن ترى النورَ عَمَّا قريب.
كلمة ٌ أخيرة ٌ عن الديوان : إنَّ جميعَ قصائد الديوان نثريَّة ( غير موزونة ) ولكن فيها موسيقى داخليَّة ملموسة.. فنتأملُ للشَّاعرةِ ثريَّا في القريب أن تكتبَ قصائدَ موزونة ً ولا أطلبُ منها أن تكتبَ شعرًا كلاسيكيًّا تقليديًّا على النمط القديم، بل بإمكانِها كتابةِ شعر التفعيلة وهو شعر موزون ولكنّهُ متحرِّرُ من روتين القاقية والتكلُّف.. وبهذا تضيفُ إلى شعرها حُلَّة ً جديدة ً وبهاءً وجمالًا فوقَ جمال.
وأخيرً : أتمنَّى للشَّاعرةِ ثريَّا التوفيقَ والنجاح في عالم الكتابة والشعر وأتمنَّى لها المزيد من العطاء والإبداع..ونحنُ في إنتظار ديوان آخر جديد لها سيكون قفزة كبيرة وإشراقة جديدة مفرحة في فردوس الشعر الوطني الإنساني المُلتزم.
بقلم: حاتم جوعيه