كن مبدعاً مع والديك
تاريخ النشر: 22/04/15 | 14:18ينطلق نور البر من محيَّاك وأنت في تأهُّب لضبط برنامج البر مع والديك؛ بل ربما لست تضبطه لأنك تعطيهما من غير توقيت أو برمجة آلية لأجندة عملك أو دراستك، فأنت تعي جيدًا أنك مهما قدَّمت لهما من عون وعطاء فلست تكفيهما فضلهما.
حين تستفتح يومك بخدمتهما أولاً، تكون قد خدمت نفسك من الأجر والدعاء منهما أن يحفظك الله ويرعاك، والأجود منك أن تجلس وتحاكيهما وتقص طرائف ونكتًا هي من إبداعك؛ لأنك تريد القرب أكثر لتُلين تعب الهرم لهما.
أنت بتدبيرك لوقتك منظِّم ومنتظم معهما، تكون قد وفرت على نفسك عناء الحياة، أتدري أن دعاءهما يُسهل عليك مشاق الدرب، وينجيك من المخاطر والصعاب، وما شق عليك من التحصيل الدراسي أو العملي.
ثق أنك ببرِّك لوالديك تسمو إلى أعلى مرتبة يريدها الله لك، هي مرتبة الرضا، فرضا الله من رضا الوالدين، ثم فرص الحياة الناجحة والموفَّقة التي تأتيك وتحتار لمصدرها وكيف وصلت بين يديك، عليك أن تعي جيدًا أن دعوة والديك – وعلى الأخص أمك – هي من يسحب بساط الشر من تحت قدميك ويؤلِّف الناس من حولك، وتتسابق أيادي الخير عليك لتخدمك مثلما خدمتها.
هل تعلم أن أوسط أبواب الجنة هي برُّك بوالدك بعد برِّك بأمك، أنت ذكي وماهر إن خدمتهما بانشراح صدر منك، أنت عظيم وتكبر في أعين أولادك وأصدقائك وجيرانك لما يسمعون بسيرتك المضيافة في بر الوالدين.
سعيد أنت حينما تكابد في الحياة مبتدئًا ببرك بوالديك.
منتصر أنت حينما تسهر الليل على والديك أو أحدهما حينما يكون مريضًا، وتقتص من راحتك لتؤنس كبره في ملمس ظريف لأناملك مع أنامله.
أي جمال هذا الذي لبسته في وجهك؟!.
وأي طهارة روح هذه التي اكتسبتها مع الأيام؟!.
صدقًا ما أروعك في هدوئك وتحمُّلك وصبرك، ولو أنه واجب من غير حساب، لكنك اخترت طريق الجنة بخدمتهما.
لو لم أجرِّب طعم البر لما كتبت عن أروع عطاء، تذوّق من نكهته وستفهم أن الحياة بدون خدمتهما لا طعم لها، حتى لو كانت لك أسرة وخصَّصت من اهتمامك الأَوْلي لوالديك، فلن تشقى في حياتك.
وحينما لا تقول لهما أف ولا تنهرهما، تكون قد كبتَّ أنفاس الشيطان وضيقت الخناق عليه في أن تتوقف عن إبداعك لهما، ويجب أن تعي جيدًا أن بر الوالدين يجب أن تحدوه تلك التلقائية والإكثار من صحبتهما.
فليس أن تقدم لهما مأكلاً أو مشربًا وتظن أنك وفيت، بالعكس البر أعمق بكثير مما نتصور، إنه ذاك الإيثار من وقتك وصحتك وراحتك، إنها تلك السكينة التي ترسلها من نظرات عينيك في حنوٍّ منك وأنت تحضن فيهما شيخوخة أعجزتهما على أن يتذكراك وأنت صغير تلاعب الطفولة، حنو منهما وعطف عليك.
أليس الآن دورك لتردَّ الجميل بأضعاف ما لاقيت؟.
أليس الأوان قد آن لتعطي دروسًا لأولادك حتى يكبروا على خلقك الرفيع، وتلقى نفس الاهتمام والمعاملة في كبرك؟.
وحتى تلقى ذاك الصنيع يجب عليك أن تبدع وبإخلاص وتفانٍ، حتى تشعر أنك مرتاح ولم تقصر بحقهما.
صدقًا نعمة الوالدين نعمة لا يعوضها أحد، وليس بالإمكان استبدال عطف الأم بعطف شخص آخر.
إنها مدرسة، ومصدر راحة، وحياة، ومتعة، وتوفيق، ونجاح، وانتصار، وكل ما تطمح إليه من روعة.
الأم هي أول من يفرح بك ولك وبنجاحك.
الأم هي أول من يتحيَّر في تأخرك أو مرضك أو إخفاقك في شيء.
الأم هي من تتقدم لتضحي لأجلك قبل أي شخص آخر.
الأم هي من تستيقظ ليلاً وتترك النوم لتدعو لك.
الأب هو من يريد أن يصنع شبهه فيك، ويريد أن تحمل المشعل عنه، وتمثِّل العائلة والسمعة الطيبة، وتكمل الدرب الموسوم بالانضباط وحب الله وحب الوطن وحب فعل الخير والإتقان في العمل.
ألا يكفيك هذا الخير منهما لتبدع؟.
سل عن الدنيا وعن ظلِّها؛ فإن في الجنة ظلاًّ ظليلاً، وإن في الجنة لَلرَّوحَ والريحان والراحة والسلسبيل،من دخل الجنة نال الرضا مما تمنى واستطاب المقيل.
نعم، عليك وعليَّ وعلينا جميعًا أن نقدم تضحيات جسام للوالدين، إن كنا فعلاً نسعى لمرضاة الله، وإن كنا فعلاً نريدها حياة كريمة وعيشًا هنيًّا وجنة نعيم.
لا تضيِّع فرصة الظفر بالجنة وهي تحت أقدام أمك قريبة منك، وإني متيقنة أن كل من وفِّق في حياته ووصل مراتب عليا من النجاح في الدراسة والانتصار على الصعاب حتمًا خلفه دعوات والديه، دمت مبدعًا.