من أحكام الوضوء
تاريخ النشر: 22/04/15 | 9:54يقول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) الآية ; فهذه الآية الكريمة أوجبت الوضوء للصلاة، وبينت الأعضاء التي يجب غسلها أو مسحها في الوضوء، وحددت مواقع الوضوء منها، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم صفة الوضوء بقوله وبفعله بيانا كافيا.
اعلم أيها المسلم ! أن للوضوء شروطا وفروضا وسننا، فالشروط والفروض لا بد منها حسب الإمكان ; ليكون الوضوء صحيحا، وأما السنن ; فهي مكملات الوضوء، وفيها زيادة أجر، وتركها لا يمنع صحة الوضوء:
فالشروط هي:
– الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية ; فلا يصح الوضوء من كافر، ولا من مجنون، ولا من صغير لا يميزه، ولا ممن لم ينو الوضوء ; بأن نوى تبردا، أو غسل أعضاءه ليزيل عنها نجاسة أو وسخا.
– ويشترط للوضوء أيضا أن يكون الماء طهورا كما سبق، فإن كان نجسا ; لم يجزئه. ويشترط للوضوء أيضا أن يكون الماء مباحا، فإن كان مغصوبا أو تحصل عليه بغير طريق شرعي ; لم يصح الوضوء به.
– وكذلك يشترط للوضوء أن يسبقه استنجاء أو استجمار على ما سبق تفصيله.
– ويشترط للوضوء أيضا إزالة ما يمنع وصول الماء إلى الجلد ; فلا بد للمتوضئ أن يزيل ما على أعضاء الوضوء من طين أو عجين أو شمع أو وسخ متراكم أو أصباغ سميكة ; ليجري الماء على جلد العضو مباشرة من غير حائل.
وأما فروض الوضوء – وهي أعضاؤه – ; فهي ستة:
أحدها: غسل الوجه بكامله، ومنه المضمضة والاستنشاق، فمن غسل وجهه وترك المضمضة والاستنشاق أو أحدهما ; لم يصح وضوءه، لأن الفم والأنف من الوجه، والله تعالى يقول: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فأمر بغسل الوجه كله، فمن ترك شيئا منه ; لم يكن ممتثلا أمر الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق.
الثاني: غسل اليدين مع المرفقين، لقوله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ أي: مع المرافق ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الماء على مرفقيه، وفي حديث آخر: غسل يديه حتى أشرع في العضد مما يدل على دخول المرفقين في المغسول.
والثالث: مسح الرأس كله، ومنه الأذنان ; لقوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وقال صلى الله عليه وسلم: الأذنان من الرأس رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما ; فلا يجزئ مسح بعض الرأس.
والرابع: غسل الرجلين مع الكعبين، لقوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ و ( إلى ) بمعنى ( مع )، وذلك للأحاديث الواردة في صفة الوضوء ; فإنها تدل على دخول الكعبين في المغسول.
والخامس: الترتيب ; بأن يغسل الوجه أولا، ثم اليدين، ثم يمسح الرأس، ثم يغسل رجليه ; لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ والنبي صلى الله عليه وسلم رتب الوضوء على هذه الكيفية، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به رواه أبو داود وغيره.
السادس: الموالاة، وهي أن يكون غسل الأعضاء المذكورة متواليا، بحيث لا يفصل بين غسل عضو وغسل العضو الذي قبله، بل يتابع غسل الأعضاء الواحد تلو الآخر حسب الإمكان.
هذه فروض الوضوء التي لا بد منها فيه على وفق ما ذكره الله في كتابه.
وقد اختلف العلماء في حكم التسمية في ابتداء الوضوء هل هي واجبة أو سنة ؟ فهي عند الجميع مشروعة، ولا ينبغي تركها، وصفتها أن يقول: بسم الله، وإن زاد: الرحمن الرحيم، فلا بأس.
والحكمة – والله أعلم – في اختصاص هذه الأعضاء الأربعة بالوضوء، لأنها أسرع ما يتحرك من البدن، لاكتساب الذنوب، فكان في تطهير ظاهرها تنبيه على تطهير باطنها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم كلما غسل عضوا منها ; حط عنه كل خطيئة أصابها بذلك العضو، وأنها تخرج خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء.
ثم أرشد صلى الله عليه وسلم بعد غسل هذه الأعضاء إلى تجديد الإيمان بالشهادتين، إشارة إلى الجمع بين الطهارتين الحسية والمعنوية. فالحسية تكون بالماء على الصفة التي بينها الله في كتابه من غسل هذه الأعضاء، والمعنوية تكون بالشهادتين اللتين تطهران من الشرك.
وقد قال تعالى في آخر آية الوضوء: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وهكذا – أيها المسلم – شرع الله لك الوضوء ; ليطهرك به من خطاياك، وليتم به نعمته عليك.
وتأمل افتتاح آية الوضوء بهذا النداء الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فقد وجه سبحانه الخطاب إلى من يتصف بالإيمان; لأنه هو الذي يصغي لأوامر الله، وينتفع بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
وما زاد عما ذكر في صفة الوضوء ; فهو مستحب: من فعله ; فله زيادة أجر، ومن تركه ; فلا حرج عليه..
ومن ثم سمى الفقهاء تلك الأفعال: سنن الوضوء أي: مستحباته ; فسنن الوضوء هي:
أولا: السواك، وتقدم بيان فضيلته وكيفيته، ومحله عند المضمضة، ليحصل به والمضمضة تنظيف الفم لاستقبال العبادة والتهيؤ لتلاوة القرآن ومناجاة الله عز وجل.
ثانياً: غسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء قبل غسل الوجه ; لورود الأحاديث به، ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء، ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء.
ثالثاً: البداءة بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه ; لورود البداءة بهما في الأحاديث، ويبالغ فيها إن كان غير صائم، ومعنى المبالغة في المضمضة: إدارة الماء في جميع فمه، وفي الاستنشاق: جذب الماء إلى أقصى أنفه.
رابعاً: ومن سنن الوضوء تخليل اللحية الكثيفة بالماء حتى يبلغ داخلها، وتخليل أصابع اليدين والرجلين.
خامساً: التيامن، وهو البدء باليمنى من اليدين والرجلين قبل اليسرى.
سادساً: الزيادة على الغسلة الواحدة إلى ثلاث غسلات في غسل الوجه واليدين والرجلين.
هذه شروط الوضوء وفروضه وسننه، يجدر بك أن تتعلمها وتحرص على تطبيقها في كل وضوء، ليكون وضوءك مستكملا للصفة المشروعة، لتحوز على الثواب. ونسأل الله لنا ولك المزيد من العلم النافع والعمل الصالح.
صفة الوضوء
بعد أن عرفت شرائط الوضوء وفرائضه وسننه على ما سبق بيانه، كأنك تطلعت إلى بيان صفة الوضوء التي تطبق فيها تلك الأحكام، وهي صفة الوضوء الكامل المشتمل على الفروض والسنن مستوحاة من نصوص الشرع; لتعمل على تطبيقها إن شاء الله ; فصفة الوضوء:
– أن ينوي الوضوء لما يشرع له الوضوء من صلاة ونحوها.
– ثم يقول: بسم الله.
– ثم يغسل كفيه ثلاث مرات.
– ثم يتمضمض ثلاث مرات، ويستنشق ثلاث مرات، وينثر الماء من أنفه بيساره.
– ويغسل وجهه ثلاث مرات، وحد الوجه طولا من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن، واللحيان عظمان في أسفل الوجه: أحدهما من جهة اليمين، والثاني من جهة اليسار، والذقن مجمعهما، وشعر اللحية من الوجه ; فيجب عسله، ولو طال، فإن كانت اللحية خفيفة الشعر ; وجب غسل باطنها وظاهرها، وإن كانت كثيفة ( أي: ساترة للجلد ) ; وجب غسل ظاهرها، ويستحب تخليل باطنها كما تقدم، وحد الوجه عرضا من الأذن إلى الأذن، والأذنان من الرأس ; فيمسحان معه كما تقدم.
– ثم يغسل يديه مع المرفقين ثلاث مرات، وحد اليد هنا: من رءوس الأصابع مع الأظافر إلى أول العضد، ولا بد أن يزيل ما علق باليدين قبل الغسل من عجين وطين وصبغ كثيف على الأظافر حتى يتبلغ بماء الوضوء.
– ثم يمسح كل رأسه وأذنيه مرة واحدة بماء جديد غير البلل الباقي من غسل يديه، وصفة مسح الرأس أن يضع يديه مبلولتين بالماء على مقدم رأسه، ويمرهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يدخل أصبعيه السبابتين في خرقي أذنيه، ويمسح ظاهرهما بإبهاميه.
– ثم يغسل رجليه ثلاث مرات مع الكعبين، والكعبان: هما العظمان الناتئان في أسفل الساق.
ومن كان مقطوع اليد أو الرجل ; فإنه يغسل ما بقي من الذراع أو الرجل، فإن قطع من مفصل المرفق ; غسل رأس العضد، وإن قطع من الكعب، غسل طرف الساق ; لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر ; فأتوا منه ما استطعتم فإذا غسل بقية المفروض ; فقد أتى بما استطاع.
ثم بعد الفراغ من الوضوء على الصفة التي ذكرنا، يقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأدعية في هذه الحالة، ومن ذلك: أشهد لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
والمناسبة في الإتيان بهذا الذكر والدعاء بعد الوضوء: أنه لما كان الوضوء طهارة للظاهر ; ناسب ذكر طهارة الباطن ; بالتوحيد والتوبة، وهما أعظم المطهرات، فإذا اجتمع له الطهوران ; طهور الظاهر بالوضوء، وطهور الباطن بالتوحيد والتوبة ; صلح للدخول على الله، والوقوف بين يديه، ومناجاته.
ولا بأس أن ينشف المتوضئ أعضاءه من ماء الوضوء بمسحه بخرقة ونحوها.
ثم اعلم أيها المسلم: أنه يجب إسباغ الوضوء وهو إتمامه باستكمالالأعضاء وتعميم كل عضو بالماء، ولا يترك منه شيئا لم يصبه الماء: فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ترك موضع ظفر على قدمه ; فقال له: ارجع، فأحسن وضوءك.
وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ; أنه رأى رجلا يصلي وفي بعض قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء ; فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم: ويل للأعقاب من النار وذلك لأنه قد يحصل التساهل في تعاهدهما ; فلا يصل إليهما الماء، أو تبقى فيهما بقية لا يعمها الماء ; فيعذبان بالنار بسبب ذلك.
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ; فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ثم يمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين.
ثم اعلم أيها المسلم أنه ليس معنى إسباغ الوضوء كثرة صب الماء، بل معناه تعميم العضو بجريان الماء عليه كله، وأما كثرة صب الماء ; فهذا إسراف منهي عنه، بل قد يكثر صب الماء ولا يتطهر الطهارة الواجبة، وإذا حصل إسباغ الوضوء مع تقليل الماء، فهذا هو المشروع: فقد ثبت في ” الصحيحين ” ; أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في الماء ; فقد مر صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يتوضأ ; فقال: ما هذا السرف ؟، فقال: أفي الوضوء إسراف ؟ ! فقال: نعم، ولو كنت على نهر جار رواه أحمد وابن ماجه، وله شواهد، والسرف ضد القصد.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يكون في أمته من يتعدى في الطهور، والسرف في صب الماء – مع أنه يضيع الماء من غير فائدة – يوقع في مفاسد أخرى:
منها: أنه قد يعتمد على كثرة الماء ; فلا يتعاهد وصول الماء إلى أعضائه ; فربما تبقى بقية لم يصلها الماء، ولا يدري عنها، فيبقى وضوؤه ناقصا، فيصلي بغير طهارة.
ومنها: الخوف عليه من الغلو في العبادة ; فإن الوضوء عبادة، والعبادة إذا دخلها الغلو ; فسدت.
ومنها: أنه قد يحدث له الوسواس في الطهارة بسبب الإسراف في صب الماء.
والخير كله في الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
فعليك أيها المسلم بالحرص على أن يكون وضوءك وجميع عباداتك على الوجه المشروع، من غير إفراط ولا تفريط ; فكلا طرفي الأمور ذميم، وخير الأمور أوسطها، والمتساهل في العبادة ينتقصها، والغالي فيها يزيد عليها ما ليس منها، والمستن فيها بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يوفيها حقها.