” وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً “
تاريخ النشر: 21/04/15 | 10:47تتفاوت درجة تفاعل المسلمين مع القرآن بصورة واضحة للعيان، فبينما تجد مسلمًا – وهذه هي الصورة المثالية – يقرأ القرآن مرتِّلاً آياته، متدبرًا معانيَه، عاملاً بأحكامه، فإنك أيضًا تجد من المسلمين كثيرًا ممن يشملهم قولُه تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].
والمسلم الحق يؤمن بكل حرف جاء في القرآن، إيمانًا ينبني عليه عمل، فمثلاً: إذا قرأ عن النار صدَّق الآية، وانبنى على ذلك: خوفُه من النار، والعمل على الهروب منها.
وإنه من الآيات التي ينبغي لكل مسلم أن يتوقف كثيرًا عند قراءتها: آية: ﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 95] من أواخر سورة مريم.
تلك الآية تضمنت الشمولَ لكل الصنف البشري في لفظ “كلهم”، والفعل المقام به، وهو الإتيان والحضور، وجاءت الهاء ضميرًا غائبًا معبِّرًا عن لفظ الجلال؛ ليوضِّح وِجهةَ الفعل، والزمن: يوم القيامة، والحالة التي سيأتون بها في ذلك الزمن: هي الفردية.
والحقيقة أن معظم الناس يلتفتون في هذه الآية إلى معنى البعث يوم القيامة، وهو معنًى الالتفات إليه أصلٌ، ولكنهم يَغفُلون عن باقي معنى الآية، وهو لفظ “فردًا”؛ حيث إن البعث يوم القيامة للحساب أمام الله سيكون بصورة فردية، لن يأتيَ أحدٌ مع قبيلته، أو مع أبناء عصره، أو مع رفقائه، الكل سيأتي فردًا، مجردًا من العزوة والصداقة، ليس في رفقته إلا عملُه الذي عمِله في الدنيا.
فكونك أيها الإنسان سُتحاسَب وحدَك يوم القيامة، هذا دافعٌ إلى أن تستعد لهذا الموقف أيَّما استعداد؛ لأنه موقف حساب، ولأنه موقف فردي دون مساعدة فلان أو علان، وهذا مما يورث الإخلاص وصدق التوجه، لا يغرنَّك تعايشُك في بيئة صراع بين حق وباطل، أو بيئة جهاد أو رفقة صالحين، كل هذا جميل، ولكنك ستُحاسب يوم القيامة عما قدمتَ أنت، وما فعلت أنت، وعلى إخلاصك أنت، وعلى اجتهادك أنت، وعلى فعلك أنت، البيئة المحيطة تساعدك على الطاعة ومناصرة الحق.
ولعلنا لذلك نجد آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تحثُّنا على صحبة الصالحين، ومرافقة الأخيار، ولكنَّ صحبةَ الصالحين هي من باب التحفيز والتشجيع لك على فعل الخير وترك المنكر، ولكن أنت مَن عليه اتخاذُ القرار والتحرك، وإلا أصبحتْ هذه البيئةُ حُجَّةً عليك.
تلك الآية القرآنية تخبرُنا عن حقيقة مستقبلية ستحدث يوم القيامة؛ وذلك للفت أنظارنا إلى ضرورة الاستعداد، وإلى التكيُّفِ في معيشتنا وتصرفاتنا مع قاعدة المحاسبة الفردية، فتجد الفاروق عمرَ قد نبَّهنا إلى ذلك بنصيحته الباقية: “حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا”؛ حاسِبوا أنفسكم؛ لأنكم أعلم بأسرارها من غيركم، حاسِبوا أنفسكم؛ للوقوف على أخطائها ومعالجتها، والوقوف على أفعالها الحسنة، والنظر إلى تنميتها واستمرار دوامها، حاسِبوا أنفسكم حسابًا فرديًّا، يكون بعده التصويب والاستفاقة، قبل أن يأتي يوم القيامة وتُحاسَبون حسابًا فرديًّا، ليس بعده إلا الندم والخذلان.
إن المرء المسلم إذا فَطِنَ إلى تلك المحاسبة الفردية، علم أنه ليس من البشر أحدٌ أَحَنَّ ولا أرأفَ بنفسه من نفسه، وعلم أنه لا بد له من أن يبذل ويتحرك – وفقًا لأوامر الله – لكي ينجو، ويسعد في الدنيا والآخرة.