ندوة حول التراث بمدرسة الهواري في رام الله
تاريخ النشر: 21/04/15 | 17:42بدعوة من مديرة مدرسة هواري بومدين الاساسية في رام الله الآنسة غدير عابد والهيئة التدريسية، وبعد جولة في المدرسة برفقة المديرة والإطلاع على أقسامها ومكتبتها، وعلى الاهتمام البيئي بزراعة النباتات والورود المختلفة في ممرات المدرسة وساحاتها، عقدت ندوة حول التراث والأمكنة التاريخية في فلسطين للكاتب والإعلامي زياد جيوسي، لطالبات الصف السادس الابتدائي، الذي قام بتلبية الدعوة دون تردد وبشكل تطوعي من وقته وجهده من أجل خدمة وطنه ومواطنيه، وكله أمل بان يكون الجيل الشاب أكثر وعياً واهتماماً بتراث الوطن والمحافظة عليه من التدمير والاندثار والسرقة أكثر من سلفه.
في بداية الندوة رحبت المديرة بالكاتب وقدمته للطالبات، ومن ثم جاء دوره ليرحب بالطالبات والمعلمات اللواتي تسنى لهن التواجد وحضور اللقاء مع الطالبات، وخلال لقاءه هذا تحدث بأسلوب مبسط يناسب الفئة العمرية المستهدفة عن التزوير والسرقة للتراث الفلسطيني الذي يمارسه الاحتلال ثم تحدث بعمومية عن عدة بلدات فلسطينية، وأختار ثلاثة نماذج لثلاثة مواقع أثرية وتاريخية في فلسطين وهي: بلدة الجيب في محافظة القدس، وقرية اسكاكا في محافظة سلفيت، ومدينة بيرزيت في محافظة رام الله والبيرة، وكانت الندوة ككل ندواته الكثيرة تعتمد على عرض الصور التي التقطها بعدسته أثناء جولاته لتوثيق ذاكرة المكان.
حيث تحدث عن زيارته للبلدة وتاريخها قائلا: أنّ بلدة الجيب أو كما عرفت سابقاً بإسم “جبعون” نسبة لمليكها الكنعاني، هي قرية كنعانية ضاربة الجذور في التاريخ، فجذورها تمتد الى أكثر من خمسة آلاف عام، حيث كانت من أهم المدن في ذلك العصر المعروف بالعصر البرونزي القديم، وكانت تتمتع بعلاقات تجارية مع المدن الكنعانية الأخرى، إضافة للعلاقات التجارية مع بلاد الشام ومصر، فهي بحكم موقعها الهام كانت معبراً وممراً للقوافل التجارية، حتى أن اسمها وجد منقوشاً في معبد الكرنك، وتدل الحفريات والشواهد التاريخية أن الجيب كانت مدينة زراعية صناعية تجارية، فأثار الفخار الموجود بكثرة على تل جبعون تدل على صناعة الفخار، إضافة لصناعة الخمور ومعصرة الزيتون التاريخية، وأبار الماء وغيرها من شواهد تدل على حضارة متميزة وخلال حديثه قام بعرض صور الأماكن الأثرية والتاريخية في الجيب التي التقطها بعدسته، حيث توقف عند معظمها وشرح لهن الدلالات الأثرية والتاريخية في هذه الصور، مما شد انتباه الطالبات وأثار دهشتهن، وشوقهن لسماع المزيد من المعلومات عن تراث الأمكنة وعبقها التاريخي، وبعد انهاءه الحديث عن بلدة الجيب قامت بعض الطالبات بطرح الأسئلة المتعلقة بتاريخ هذه البلدة، الذي بدوره أجاب على جميع الأسئلة بكل ترحيب.
ثم انتقل للحديث عن قرية اسكاكا التي تتميز بيوتها القديمة بالنمط المعماري القديم “العقود”، التي كانت مشهورة في فلسطين، حيث يوجد ما يقارب 400 قرية استخدمته في بناء بيوتها. وتحدث عن تاريخ هذه البلدة وميزاتها التاريخية، وقام بعرض صورة لعامود بيزنطي وعليه تاج روماني موجود داخل المسجد العمري،، حيث التقطته عيناه اول مرة عتبت قدماه المسجد وقام بتصويره، وعندما نشره مع مقالته عن بلدة اسكاكا ضمن سلسلة مقالات صباحكم أجمل، اتصل عليه أحد أصدقاءه ويقول له أن هذا العامود المرفق بالصور لا يعود لقريتهم وليس موجودا بها. ليدور بعدها نقاش بينهم ليذهبوا ويجدوا العامود وكلهم دهشة انهم لم يلحظوا وجوده من قبل في الجامع، مع انهم كانوا يؤدون فيه صلواتهم الخمس وبشكل يومي، قبل هجرهم له وبناءهم لمسجد جديد في القرية عوضاً عنه، وعدم الاهتمام بترميمه والمحافظة عليه كمعلم تراثي وأثري، يحافظ على انتماء وجذور الشعب في هذه الأرض. هذه الحادثة هي مؤشر عام لما يجري من جهل وإهمال وتدمير للأماكن التراثية والأثرية في القرى والبلدات الفلسطينية، حيث تبقى عرضة لسطوات لصوص وتجار الآثار الذين يخدمون الاحتلال بقصد أو بدون قصد، حيث يخدمون الصهيوني المحتل الذي اغتصب الأرض وأحتلها، وهجر من هجر وقتل من قتل وسجن من سجن من أهلها الفلسطينيين، الذين تمتد جذورهم وتاريخهم لجدهم كنعان منذ 11000 عام.
بعدها تجول مع الطالبات في بلدة بيرزيت محدثهم مع عرض الصور عن تاريخها منذ العهد الكنعاني مرورا بالعهد البيزنطي، وحدثهم عن منطقة الخربة في بيرزيت حيث يوجد فيها معصرة العنب التي يعود تاريخها للعهد البيزنطي، وشرح لهم كيف كانت عملية تجميع العنب، وتحضيره لوضعه بالمكان المخصص لعصره، والقنوات التي يجري فيها وصولاً لأبار التخزين.
وفي نهاية اللقاء أشار جيوسي لضرورة المحافظة على كافة الأماكن التراثية والتاريخية وحمايتها من لصوص الآثار الذين يعيثون بها فساداً ويدمرونها بهدف كسب بعض الأموال، وقال انه واجب على كل فلسطيني صغير وكبير حماية فلسطين وتراثها وتاريخها والمحافظة على آثارها، وعدم بيعها للتجار الذين هم في النهاية يخدمون برنامج وهدف الصهيوني المحتل الذي يريد تهويد فلسطين وإطباق كامل السيطرة عليها، وتشريد من تبقى من أهلها في الوطن.
وفي نهاية اللقاء شرح للطالبات كيف انه بالإمكان تحديد الحقبة الزمنية، التي شيدت فيها الأمكنة التراثية والأثرية، من خلال معرفة مواصفات الحجر المستخدم وحجمه والرسومات المنقوشة عليه، وكذلك نوع الأعمدة وحجمها وطريقة بناءها. لينتهي اللقاء بمطالبة الطالبات للمديرة وللكاتب جيوسي باصطحابهن في رحلة لهذه الأماكن التراثية الأثرية، التي تحمل بين طياتها عبق التاريخ وجماله وحكاية شعب يمارس ضده كل أنواع الاضطهاد وصولاً لتزوير تاريخه.
كان اللقاء موفقا من كافة النواحي المعرفية والتقنية والفنية وتميز بربط الصورة بالكلمة. وهذه الطريقة في اللقاء شدت الطالبات وأشعرتهن بالدهشة من انه يوجد في فلسطين هذا التاريخ والتراث الجميل ولم يسمعوا عنه من قبل حسب ما دار بينهن وبين جيوسي من نقاش. وقام الكاتب بشكر الطالبات على حسن استماعهن وشكر الحضور من المدرسات والمديرة على حسن الاستقبال والترحيب.