المدونــــة التاسـعـة والأربعـون البديل من العبريــــة
تاريخ النشر: 07/01/13 | 0:35معكم في المطبــخ:
كتب لي الصديق قاسم مصري متذمرًا من هيمنة العبرية على لغتنا هنا نحن من سمونا "عرب 48". (وعلى ذكر هذا اللقب علق الشاعر المرحوم عبد اللطيف عقل، فقال لي: “ألا يكفيكم ما أنتم به من كرَب، حتى جعلوكم مضافًا لأسوأ عدد في حياة العرب”).
أشار قاسم إلى أن المشكلة قائمة في الدول العربية حيث تهيمن الإنجليزية هنا والفرنسية هناك، وهذا بسبب أن المحكوم يقلد لغة الحاكم، ويفرض ذلك الاقتصاد والواقع اليومي المعيش، وسألني عن كلمات عبرية نستخدمها، فكيف السبيل إلى لفظها بعربية تسوغ على الألسنة؟
من هذه الكلمات קֻמְקוּם= قٌـمْـقُـم.
קֻמְקוּם كما تعرفون هو إبريق الشاي، أو نحوه، وأنا أفضل أن نختار له من الترجمات- قـُمْـقُـم، فهذه الكلمة واردة في المعاجم بمعنى الإناء الذي يسخن فيه، وفي لسان العرب: ضرب من الأواني، وقد جعلته بعض المعاجم من نحاس، فلماذا لا نأخذ الكلمة ما دامت واردة في العربية منذ القدم، وما دام اللسان قد اعتاد عليها وألفها بتأثير العبرية.
ثم إني وجدت )قمقم( واردة في الشعر الجاهلي، يقول الأعشى في وصف الحمار:
كأن احتدامَ الجوفِ في حَـمَى شدِّهِ وما بعده من شدِّهِ غليُ قُـمـقـمِ
يقال إن القمقم معرب (كُـمْكُـم) بالفارسية، انظر: معجم الألفاظ والتراكيب المولدة لشهاب الدين الخفاجي، ص 416، أو هو من اليونانية في الأصل-koukkoumion – كما يرى ابن شوشان، ويذكر أنه عادة ما يكون له مقبض وفُوَّهـة.
نعرف أن (الشايش)- שַׁיִשׁ = رخام، وإذا شاء أحدكم أن يجعله من التحف أو مما له قيمة أثرية قال: مرمر، ومنا – وهم قلة- من تكون الكلمة (رخام) طبيعية على لسانه- عندما يقوم ببناء بيته، وذلك دون أن تتطفل عليه (الشايش).
لكن المشكلة هي في المطبخ، حيث يكون هناك ما يسمونه (الشايش)، وهو المُقام كما نعرف حول حوض الماء الذي يسمى أيضًا (كِـيّـور)- כּיּוֹר= مـَغْـسـلة، حيث تحيط به خِـزانة المطبخ، (وليس- أرون مِطباخ)، وقد استحكمت لفظة (الشايش) في الخطابات اليومية: فضعي يا فلانة الصحن على الشايش، والمفاتيح على الشايش، و(الكيور) مسدد، ونادوا السبّاك لعلاجه -(ولفظة السبّاك هي للكتابة فقط، بينما هي المواسرجي في الدارجة)…إلخ
بالطبع سيصعب أن نقول عن هذا المكان (الرخام)، ولا أظن أن هناك من يستعملها، فإذا قلت ضع الفاكهة على الرخام ضحك المستمع، أو سخر، فبقي أن نجد حلاً وهو عدم الترجمة الحرفية، واللجوء إلى اسم المكان من الفعل (جلى)، لأن أكثر ما يجري هناك هو الجلي والتنظيف، فاقتراحي أن نسمي هذا المكان – مَـجْـلَـى، (ذلك جارٍ في بعض الأماكن في بلادنا، وهي قليلة، وهناك من يستخدمون هذه اللفظة- أي المجلى لمعنى כּיּוֹר= مَغسلة)، فلنجعل مكان (الشايش) في المطبخ كلمة المَجْلى. ولمن يرتاب بسيرورة المجلى أقول له:
اعتدت في بيتي منذ عشرات السنين على استخدام لفظة (المجلى) في كل خطاب لي يتعلق بما يسميه بعضنا (الشايش) في المطبخ، وفهمني حتى الحفدة.
وسألني صديقي: وماذا نسمي بالعربية (المزليـﭺ)- מַזְלֵג الذي نستخدمه في المطبخ لغلي الشاي والقهوة؟
قلت: ليست هناك كلمة عربية محددة، وفي العالم العربي يستخدمون immersion heater، أو يكتفون بالكلمة الثانية- heater، وأرى هنا أن نحدد لها هنا كلمة- مِـغلاة، تاركين الغلاّية لكل ما نسخن به من أوان أخرى تستخدمها في الغلي، فاقتراحي لهذا (المزليـﭺ)- מַזְלֵג= مِغْـلاة.
لو بقينا على المائدة لسمعنا من يطلب: (روطِب)- רוֹטֶב، وهو سائل يصنع من عصير البندورة أو الليمون أو التوابل والأبازير ونحوها، وقد سمي (صـلْـصَـة)، وهي كلمة إيطالية Salsa تشيع في المطاعم والمطابخ في العالم العربي. فصلصة على السمك، وصلصة ثوم على هذا الطعام الشهي، فلنختر الصلصة كما اخترنا السلطة، واللفظتان شائعتان بفضل الطهاة الإيطاليين، فشكرًا لروما!
ويسألني آخر: وما حكاية (القِـنّوحيم)- קִנּוּחִים= نُـقْـل؟
أجيب: إنه ما يقدم من عُقبى بعد الأكل من طعام وحلوى، والفصيحة اختارت (نُـقْل)، بينما في الدارجة يقال- (التِّحْـلاة).
أما (القِـنّوحيم)- קִנּוּחִים= النقل فهو الذي يقدم مع الشراب بدءًا.
والنقل إذا قدم بدءًا فإنه يعرف بالعربية أيضًا بالمُقَـبِّـلات.
من جهة أخرى فإن المقبِّلات في الطعام، وبلغة أفصح – اللُّـمْـجَة هي التي تثير الشهية و "تفتح" النفس، وتكون المقبلات أحيانًا مصنوعة من بعض الشراب الخاص، أو تكون عامرة بأنواع السلطات.
فأنت عندما تزور مطعمًا يقدمون لك عادة (مَـنا ريشونا)- מָנָה רֵאשׁוֹנָה= وجبة أولى، وفيها مختلف الأطعمة الخفيفة، فتعلم ألا تشبع منها، وأنت تعرف السبب!
أرجو هنا ألا يخطئ أحدًا ويقول: أين (التبلينيم)-תַּבְלִינִים؟ فالصواب هو توابل (مفردها تابل: وهو ما يطيب به الأكل من بهارات وأفاويــه كالفُـلْـفُـل).
ثم هناك العُلـب والقناني (القنينة عربت منذ القدم عن اليونانية- (kanniyon)، فلا ضرورة للتخلي عنها بدعوى عاميتها، واللجوء إلى تفصيحها- الزجاجة، فهذه الزجاجة لها معان كثيرة، وتكفيها.
وإليكم ما ذكره أبو نواس عن القناني، وهو الخبير فيها:
قلت القنانيَ والأقداح ولّدها فرعونُ قالت : لقد هيجت لي طربا
بل سبقه عنترة في استخدامها:
فرشدي لا يغيِّـبه مدام ولا أصغي لقهقهة القـنـانـي
ثم إن القنينة لها بلفظكم العبري يا متعبرنون- (بوتْحان)- פּוּתְחָן= فتّّــاحـــة، فادعونا بعد فتحها لنشارككم، ولا تبخلوا!
ويسألني آخر عن (شوئيب)- שׁוֹאֵב، حيث أن بعض النساء استخدمن الفعل (يشأف) بتشديد الهمزة- في محاوراتهن، وفي تنظيف بيوتهن، وأعترف أن الترجمة صعبة، لأن الفعل (امتص) الذي هو ترجمة حرفية قد يثير تداعيات لغوية أو غيرها- ليست يسيرة على الاستخدام المتواصل.
وقد لاحظت أن שׁוֹאֵב אֲבָק (دمجت بالعبرية لدى بعضهم שַׁאֲבָק) يقابلها بالإنجليزية vacuum cleaner، حيث ترجمها صاحب المورد – المنظِّفة الخوائية، المكنسة الكهربائية، وأرى أن نساءنا لا يمكن أن يتعودن على التعبير هذا أو ذاك، إذن فالاستخدام العامي الذي ليس له دليل في الفصيحة هو أنسب ما يكون: الشَّـفّـاطة، والمرأة تشفط السجادة، فلنتقبل الكلمة الدارجة، لأنها تمتص الغبار ونحوه، ولأنها قريبة اللفظ على الكلمة العبرية الطاغية بابتداء الشين في الكلمتين، والباء غير المشددة بالعبرية قريبة من الفاء العربية، فليكن: (شوئيب)- שׁוֹאֵב= شفّاطـة، والفعل- يشفط.
في هذا السياق هناك كلمات عبرية لا بد من التذكير بعربيتها، وأنا لا أكتشف أمريكا هنا، فهي معروفة للطاعم والصائم، ولكني أسوقها لعل الذين يتباهون بلفظها في العبرية أن يخففوا قليلاً:
קִילּוּף= تقشير
טִיגּוּן= قلي، ومن أحب أن يقارب العبرية فيمكنه أن يقول: طَـجْـن، فالطاجِـن هو المِـقْـلى في لسان العرب.
בִּישׁוּל= طَهْـي، والمألوف يوميُا أن نقول (طبخ)
צָלִי= شـيّ، واللحم هو צָלוּי= مشويّ، ونلاحظ في اللغة العربية القديمة استخدمت (مَـصْـلِي)، ففي المعاجم: صلى اللحم- شواه، لكني لا أنصح بالعودة إليهما رغم أن الجذر الثلاثي في اللغتين واحد، وذلك لأننا حددنا للصلي في لغتنا اليومية ما يحدث عند الكي من تشويه في الملابس، فيكون ثم احتراق أو احمرار، ونودع القميص أو غيره عندها.
סְחִיטָה= عصْـر
מִיקְסֶר= خلاّط، والكلمة العبرية التي تترجم mixer هي מְעַרְבֵּל، ونحن نفضل أن نكرر الخلاط خمس مرات، ولا نقول (معربيل) مرة واحدة.
חִימּוּם= تسخين
קִירוּר= تبريد
תַּנּוּר= فُـرْن، ومن يقل اللفظة نفسها بالعربية تَـنّـور فلا جناح عليه، فهي واردة في اللغة بمعني مقارب، يقول ابن الرومي:
فكأنه من يبسه وسواده محراك تنور تلوى فاحترق
מְעֻושָׁן= مدخَّن
מֵדִיחַ כֵּלִים= جلاّيــة (dish- washer)
מְכוֹנַת כְּבִיסָה= غسّـالة
קַצֶפֶת= قِـشْـدة، ولا أرى بأسًا في لغتنا الدارجة أن نقول: قَشْـطة (رغم أنها تطلق على الغشاوة الرقيقة على اللبن أو السمن، وأعرف أنها مختلفة)، والأكثر في الاستعمال اليومي هي كْـريما- اللفظة الإنجليزية الشائعة على الألسنة-cream .
סִנּוּן= تصفية
الآن، ما رأيكم أن تلبوا دعوتي لوجبة ساخنة بشرط ألا تلفظوها (مَـنا حاما)- מָנָה חַמָה، فمن لديه الاستعداد للحفاظ على عربية من غير عبرية، فليخبرني، فالدعوة جدية!
جميل ان نعتز بلغتنا الجميله وان نمارسها في كل مكان رغم صعوبة ذلك بارك الله بك بروفسور فالروق مواسي