عودة طائر السنونو
تاريخ النشر: 29/04/15 | 18:05عندما ينتهي الشتاء و يطل الربيع بأولى علاماته تعود طيور السنونو إلى مسقطها برفات جناح سريعات.
– جميل! ها هي أنثى طائر السنونو تعود.
صاحت كل الدواجن التي سارعت إلى الإحاطة بها رغبة في معرفة آخر الأخبار.
فعبور هذا الطائر الرحالة الكبير لبلدان كثيرة بعيدة تجعله يختزن الكثير من الحكايات التي تستحق أن تروى.
ديكة، بط، دجاجات، و ديكة حبشية الكل وقف يستمع إلى محكياتها بعيون منتبهة يقظة.
عندما يعود طائر السنونو يصحب معه الأيام الجميلة، تقام الإحتفالات في فناء المزرعة.
في الساحة، هذا الصباح، لا تسمع إلى وقوقات الدجاجات و هي تلتقط طعامها و قرقرات الديك الحبشي، و وطوطات البط في البركة،
كلاك!كلاك! كل المناقير تنطبق بقوة و الدجاجات توقوق:
قوووق…. أسألكن، أيتها الدجاجات… قوووق… ألا تجدن صديقتنا أنثى طائر السنونو حزينة؟
قرو…قرو… هذا صوت الديك الحبشي بعد أن بلع حبة أخطأت طريقها و وقفت وسط الحنجرة، أما أنا فلا أحشر أبدا منقاري في أمور الآخرين! و مع ذلك فالسيدة الوزة و التي لا ترى أبعد من منقارها، لاحظت هي الأخرى اكتئاب صديقتها أنثى طائر السنونو.
عصابة من الفضوليين، صاح الحمار و هو يحرك أذنية الطويلتين، ألا ترون أن أنثى طائر السنونو فوقكم و تسمع حديثكم! أتركو الآخرين في سلام!
و ما لبثت الدواجن أن رفعت رؤوسها فرأت أنثى طائر السنونو على علو غير مرتفع، جاثمة على سلك كهربائي، تتأرجح دائخة شاردة الذهن.
مثل كل سنة التقت أنثى طائر السنونو أصدقائها بلهفة و فرح.
لكن بعد أن تم اللقاء و مباشرة، عاد كل واحد منهم إلى عمله.
و هذا جعل أنثى طائر السنونو تشعر كما لو أن الجميع أهملها و نسيها سريعا.
أحست، و منذ أسبوع، كما لو أن الأيام طويلة…
– ما هذا النشاط و هذه الحيوية في ساحة المزرعة!
قالت أنثى طائر السنونو مرسلة تنهيدة حزينة.
لكن، هنا، في مكاني، لا شيء يحدث مطلقا. ليس من المفرح و المريح أن أظل طول النهار أتأرجح على خيط كهربائي.
بعد فصل شتاء طويل قضته داخل ملاجئها، ها هي ذي الحيوانات، بمناسبة قدوم فصل الربيع، تعيش في بحبوحة فرح عارم.
تنطلق تجري، مفعمة بالمرح و النشاط، و نتط كمن فقد صوابه من شدة السعادة.
الأطراف الصغيرة تنتعش و الحناجر تفك حبالها، الدجاجات توقوق، الديك يصيح،و الإوز يكاكي، و الكلب ينبح و البقرة تخور، و القطة تموء.
يا لها من سيمفونية مرحة! كل واحد يعبر عن سعادته بطريقته الخاصة.
– غريب أمر صديقتنا أنثى طائر السنونو، إنها لا تغرد هذه السنة!
– أسفارها أفقدتها معرفة الإتجاه الصحيح الذي وجب عليها أن تسلكه، إنها دائخة.
صرح الديك الحبشي مطلقا صيحته المعهودة، نافخا أوداجه.
– شخصيا الأمر لا يدهشني، مع تقلبات أو تغيرات المناخ المفاجئة و غير المنتظرة.
قالت الإوزة مؤكدة.
خمنت أنثى طائر السنونو أن الحديث يشير إليها، فتركت السلك الكهربائي، وحطت بفناء المزرعة.
لكن ساحة المزرعة تعج بالطيور التي حين رأتها تحط بينها، أغلقت مناقيرها و تظاهرت بالإنشغال، وسرعان ما إنهمكت في إلتقاط الحب.
– نهاركم سعيد، أيها الأصحاب! أرى أن لا أحد هنا يشعر بالقنوط و الضجر.
صاحت أنثى طائر السنونو، أما أنا فسأذهب لأقوم بجولة صغيرة في الغابة!
و انطلقت مرفرفة.
– تسلي مليا! صاح الأصدقاء مصفقين بالمناقير و ملوحين بالأجنحة و بالأعرف.
– هنا سأكون في منأى عن الأعين الفضولية. فكرت و هي تحط على فرع شجرة بلوط، من الممتع القدرة على الطيران، لكن لوحدي دائما، يجعلني في النهاية أصاب بالضجر. لكل واحد منهم عمل ينشغل به، أما أنا فدائما منقاري إلى السماء.
لكن و فجأة، سمعت نداءً آتٍ من فرع مجاور.
كوكو، كوكو ! هل أتيت إلى هنا قصد اللعب؟ قال طائر القيقب بمرح،
ردت أنثى طائر السنونو متلعثمة:
– أبدا.. أنا فقط، في حاجة إلى قليل من الهدوء.
ليس لديها رغبة في الكلام، لكن طائر القيقب ألح:
– كوكو، كوكو! أذا لم ترغبي في اللعب فأنت أذن حزينة. و ماذا لو حدثني عن حزنك!
– و الله إنها فكرة رائعة، قالت أنثى طائر السنونو في خاطرها. هذا “الكوكو” يبدو وديعا و ظريفا، لما لا أصارحه بما في قلبي.
و حتى يشجعها على الكلام قام طائر القيقب بحركة تشجع أنثى طائر السنونو و تزرع في نفسيها الشعور بالأمن و الأمان.( وضع جناحه على كتفها)
– كما ترى، أشعر بالراحة هنا،
صرحت أنثى طائر السنونو أخيرا.
في المزرعة كل الحيوانات أصدقائي. لكن هذه السنة، أشعر بقليل من الغربة وسط هذه الزوبعة من الحركة. لدي اعتقاد أنني غير نافعة بالنسبة لهم…
– لا تفكري هكذا، قال طائر القيقب. هناك حل أكيد!
– فكرت في الأمر مليا، لكن لم أتوصل لحل، قالت أنثى طائر السنونو متنهدة
– ابني عشا ! قال طائر القيقب الذي لديه الحل لكل شيء.
– بناء عش…بناء عش… طبعا!…، كيف لم أفكر في الأمر!
صاحت أنثى طائر السنونو ، متحمسة للفكرة. فكرة رائعة بدل النبش مرة هنا و مرة هناك. سيكون لدي أخيرا مسكن خاص بي!
ثم شرعت تفكر:
– أين سأبني عشي؟ و ماذا لو سكنت في الإسطبل…
كنت دائما من محبي صحبة الأبقار. الأبقار لطيفة، وديعة و هادئة.
و في المساء وبينما تكون هي تمضغ التبن، أحكي لها أنا حكايات أسفاري البعيدة.
لا مجال للمزيد من التفكير، لقد قررت، سأستقر في الإسطبل!
و قول فعل، أسرعت أنثى طائر السنونو و بهمة و نشاط في اتجاه الإسطبل. هناك، اختارت ركنا صغيرا و آمنا، ثم أعدت خلطة من قش التبن، و طين لتصنع منها و بإتقان شديد و عناية و براعة جدران العش. الكل كان يتابع حركاتها، البقرات و الثيران و العجول، باندهاش و طيبوبة.
– أنظرو أيها الأصدقاء، ها أنا أنهيت بناء عشي، تعالو إذن شاهدوه!
صاحت أنثى طائر السنونو و هي فرحة تحوم محلقة في ساحة المزرعة.
و إذ رأتها الحيوانات مفعمة بالحماس و النشاط، شرعت تصفق لها بحرارة.
الآن، صارت كل حيوانات المزرعة، متأكدة من أن أنثى طائر السنونو ستعود لتسكن هنا، كلما حل فصل ربيع جديد!
كم هي الحياة جميلة! غردت أنثى طائر السنونو، سأمكث في مسكني الجديد لأضع بيوضي و أدلل صغاري!
عندما يصبح العش متماسك البنيان، فكيف سأفكر بتركه؟