لماذا يا هذا 16 – إنتبه… تمساحٌ أمامك!
تاريخ النشر: 07/01/13 | 7:28تومي… لاكوست… ديزل… وغيرها من أسماء الماركات العالميّة التي أصبحت من الكلمات الدارِجة والمُتداولة جداً في أوساط الشباب وغيرهم، تجذبهُم جداً ويُحبّونَها ويسعدون لوجودها، لكنّها تتحدّثُ للأسف عن أزمة اجتماعيّة مُقلِقة تنخر بمُجتمعِنا، وقد تغيبُ عن كثيرين!.
كيف لا!؟ وقد أصبحتَ ترى الشابَ يلبِسُ تلك "الماركات" ليس اختياراً ذاتياً أو ذوقاً مُميّزاً أو بحثاً عن الجودة، وإنما يلبسُه ليلفتَ انتباه من حولَهُ؛ وكأنّهُ يقول: "انتبه… تمساحٌ أمامك!!"، وكأنّ ذاك "البرّمائيّ" الأخضر الصغير هُو الدليل والمُؤشر على القيمةِ والقدر والمستوى!!!
أنا لا أتحدّث عن أولئك الذين يملكون المال وميزانيتهم تسمح لهم باقتناء تلك الماركات، وإن كانوا يدخلون في العتاب والنقد، إذ لا بدّ من وجود معيار لهم يبعدهم عن التبذير ويقرّبهم من الشراء الضروريّ البعيد عن صرف المال بِنَهم أو عن خلط لباسهم بالكِبر وأخواته؛ لكنّني أتحدّث عن "هوس" أو "موضة" بتُّ ألحظها وبشدّة في أوساط الشباب، ومن كُلِّ المُستويات الاجتماعيّة والاقتصاديّة!
أليسَ من المُقلِق أن يعمل الشاب من العائلة بسيطة الدخل، طوال العطلة الصيفيّة من أجل توفير مبلغ يُسعفهُ لشراء قميص "لاكوستيّ" أو حذاء "تمبرلانديّ"! أكلّ ذلك من أجل أن يصبح مقبولاً ولائقاً أمام أصدقائه؟! أليس بالحريّ بهِ أن يفكّر بمُستقبله القادم؟ بعائلته؟ أو حتى بترفيهِ نفسهِ بما هُو أنفع وأبقى؟ كيف سيكون ذلك الشاب مسؤولاً ومُستقلاً بعد عدة سنوات؟!
لا أُبالِغ إن قلتُ أنّ الأمر قد سبّب كثيرًا من الأزمات الأسريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، من جهة الضغط الذي تمارسه الزوجة أو البنت أو الابن؛ لاقتناء سلع الماركات المتنوّعة والجديدة منها ذات الأسعار المرتفعة؛ بل وخياليّة السعر التي لا يقوى "الكُلّ" على شرائها!!
لا شكّ أنّ اللباس هُو أحد النعم التي خصّ اللهُ بها الإنسان عن سائر المخلوقات ليستر عورته ويقي عنهُ البرد والحرّ وعوامل الطبيعة الأخرى؛ قال الله تعالى:"وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ"(النحل:81).وقال عزّ وجلّ:"يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ" (الأعراف:26).
ولا شكَ أيضاً أنّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ، وقد حثّ المُسلمَ على أناقته وترتيب مظهره ونظافته!
ولكن لِمَ يتعامل كثيرٌ منّا مع اللباس بصورة قد تخلو مِن نسائم الآداب أو من عبق الالتزام؟!
أليس التواضع من آداب اللباس؟ ألا تعكس لنا مواقف الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه الكرام عن ذلك؟
لماذا بِتنا نلهثُ وراء "الموضة" تلو الأخرى وكأنّها هوس يلاحقنا؟ لماذا لا نُغْنِي عقولنا وعقول ناشئينا بما هُو أنفع وأثمن؟ لماذا لا ندع الجواهر تتحدّث بدل المظاهر؟ لماذا بِتنا نعيشُ حياتنا بأدق تفاصيلها وكأنّها مُلكٌ لغيرنا؟ نأكُل ونشرب ونلبِس ونخرُج؛ ليرانا الناس!!!
والأهم من ذلك، لماذا نسمح لرموز مجرّدة أن تكون دليلاً أو مُؤشراً على قيمة الإنسان أو مستواه؟؟!!
لماذا لا نجلس مع أنفسنا جلسة صدق تتعانق فيها مناهل العتاب الأصيل مع منابر محاسبة النفس؟
لماذا لا نحسن إعطاء الأمور مقدارها الصحيح، ونصابها الأمثل؟؟ لماذا بتنا عبيد رموز تتهاوى؛ فنُضَحّي بالغالي والنفيس لالتقاطها؟؟ لماذا بتنا نسير في طريق بلا عينين؛ وكأنّنا قطعان تائهة ندخل ما يدخله غيرنا ممن لا نرضى سلوكه أو دينه؛ بلا وعي أو تفكير…؟! وكأنّي بقول الرسول، صلّى الله عليه وسلّم:"لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ..".