“وإن صدوك فقل أسلمت”

من شدة تأثيره على المشركين تواصوا فيما بينهم بقولهم. كما أخبرنا الله عز وجل عنهم: (وقَالَ الذينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لهذا القُرآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت: 26].
وكما جاء فى تفسير هذه الآية بأنها حكاية لما فعله بعض قريش كـ«أبى جهل»، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن فى المسجد الحرام ويصغى إليه الناس من مؤمن وكافر، فخشى الكفار استمالة القلوب بذلك فقالوا: متى قرأ «محمد» فلنلغط نحن بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والإرجاز حتى يخفى صوته ولا يقع الاستماع منه.

وعن «عائشة» رضى الله عنها: أن «أبا بكر» خرج يريد الهجرة إلى الحبشة فلقيه «ابن الدغنة»، فقال له إن مثلك يا «أبا بكر» لا يَخرج ولا يُخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار ارجع واعبد ربك ببلدك، فلم تكذّب قريش بجوار «ابن الدغنة» وقالوا له: مر «أبا بكر» فليعبد ربه فى داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذنا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، ثم بدا لـ«أبى بكر» فابتنى مسجدًا بفناء داره وكان يصلى فيه ويقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان «أبوبكر» رجلاً بكَّاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى «ابن الدغنة» فقدم عليهم فقالوا: إنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهَه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه فى داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لـ«أبى بكر» الاستعلان.