المدونــــة الخمـسـون البديل من العبريــــة
تاريخ النشر: 13/01/13 | 23:42علق الصديق أ. جريس طنوس- وكان أستاذ اللغة العبرية في المدارس الثانوية نحو نصف قرن، على المدونة السابقة في صفحة الفيسبوك، فكتب:
"مدوناتك التي تنفرد بها يا أبا السيد هي من شهادات الشرف التي تزين مشواركم".
وأنا إذ أعتز بهذه الشهادة أو الإجازة، وخاصة لأنها من معلم لغة عبرية كتب فيها وأبدع، وكانت له صولات وجولات في الترجمة منها وعنها. يشار منها هنا إلى ما أضافه الأستاذ جريس من اجتهاد في كتابيه: معجم الوفاق– معجم الكلمات المتشابهة بالعربية والعبرية- عربي عبري ( مطبعة أبو رحمون، عكا- 2006)، עימות נעים– מילון המלים הזהות והדומות (דפוס אבו רחמון, עכו- 2006).
على ذكر الوفاق بين اللغتين فقد كان د. يوسف دانا قد وضع كتيِـبًا تحت عنوان: העברית על רקע העברית- מפגש בין לשונות אחיות (الكلية العربية- حيفا- 1995)، وفي السنة نفسها قام يعقوب كوهين ود. محمود زحالقة بوضع قاموس الكلمات المتشابهة (دار المشرق، شفا عمرو- 1995).
وأخيرًا قام أ. عادل علي غنايم بمغامرة إصدار مجلدين ضخمين: معجم الجذور والكلمات المشتركة للغتين- العربية والعبرية (مطبعة باقة الغربية -2010)، وقد أفرد مجلدًا للترتيب الهجائي العربي، والآخر للترتيب الأبجدي العبري.
إذن فأمام الباحث مصادر مهمة في متابعة الموضوع، ومن نافلة القول إن كل مقدمة من الكتب المذكورة فيها تبرير وتعليل لطرق المشابهة ونوعياتها، ولا شك أن الموضوع له أهمية بالغة سيوليها الكثيرون لاحقًا بحثًا وتمحيصًا.
وقد لاحظتم في المدونة السابقة مثلاً كيف كانت كلمات: قمقم، تنور، تابل….من المشترك بين اللغتين، ويمكن الإفادة من كلمات أخرى وردت في هاتين اللغتين الساميتين.
وبعد،
فقد يسر الله لي أن حققت ما صبوت إليه بدءًا، حيث ارتأيت قبل نحو سنة أن أكتب خمسين مدونة من "البديل من العبرية"، وأعمل على نشرها لتكون الجزء الأول من كتاب ينشر ضمن هذا المشروع، وبذلك أجيب عن تعليق الصحافي المصري المعروف- حسين السراج حيث أورد محفزًا:
"رائع كعادتك يا دكتور، وأرجو تجميع هذه المدونات و إصدارها في كتاب، فهذا النوع من الكتب تفتقده المكتبة العربية …. بارك الله فيك!"
من هنا لا بد من شكر وتقدير للمواقع التي نشرت المادة، وبذا دلت على حرصها على ما أنا حريص عليه، وهي توحي لي بأن امضي، فنحن معك، فجزاهم الله عن العربية وعني كل خير وجزاء!
ولمن يسأل عن المدونات مجموعة- قبل إصدارها في كتاب- فأرجو أن يتيسر له ما ينشده في موقعي مثلاً، مع أن محرك (غوغل) في البحث عن "البديل من العبرية"- ينقل له كل موقع تفضل فنشر. وأما في موقعي فالرابط:
http://faruqmawasi.com/baqaminakhbari.htm
* * * * *
سأحاول منذ الآن أن أكتفي بالإجابة عن أسئلة توجه لي، راجيًا أن أوفق في بحثي، وفي هذا الباب كنت نهجت على أن أجيب عن أسئلة في اللغة والأدب (ليست من ضمنها الألفاظ العبرية المهيمنة في نسيج الجملة العربية).
كم أدعو عشاق العربية للاطلاع عليها، وهي في موقعي على الرابط:
وعليه فأنا أنتظر أسئلة تتعلق بالألفاظ العبرية لأبدي رأيي الذي لا ألزم به أحدًا، وقد أنشر الإجابات قريبًا، وقد لا، لكني أعد أن أوليها عنايتي ودراستي.
إيميل: [email protected]
* * * *
تسأل الأخت رويدة مصطفى- محررة في مجلة الحياة للأطفال:
ماذا نسمي (الشمينت)- שַׁמֶּנֶת بالعربية؟
– أعرف أن الترجمة صعبة، لأن تصنيعها هنا يختلف عن الزبادي في بعض الدول العربية نحو مصر والسعودية، ويختلف عن اللبن، وعن المخيض، وكذلك عن القشدة التي هي بالإنجليزية – (cream)، ولو حاولت أن أنقب في المعاجم، وآتي بكلمة لأنكرها الناس جلهم إن لم يكن كلهم.
سأغامر باختيار ترجمة، وأجري على الله، وأقول: كَـثْـأة.
نعم. أختارها من بين ترجمات سغيف في معجمه للـفظة (شمينت). ولسان العرب يدعمني: كثأة اللبن (بفتح الكاف أو ضمها- كُـثْـاة= طفاوته فوق الماء، وقيل هو أن يعلو دسمه وخثورته رأسه.
שַׁמֶּנֶת = كَـثْأة
שַׁמֶּנֶת חֲמוּצָה= كَـثْأة حامضة
שַׁמֶּנֶת מְתוֹקָה= كَـثْأة حلوة
أعرف أن الكثيرين أشاحوا بوجوههم، وقرروا ألا يأكلوا (الشمينت) حتى لا يقولوا أكلت كَـثْـأة؟
ولكني – يا رعاكم الله- أقبلها على قلة أكلي لها، أولاً- لأني لا أريد أن أقول (شمينت) بأية حال، وثانيًا- لأن (كثأة) غير واردة في لغتنا في أي معنى آخر.
أم عندكم حل آخر؟
أنتظر ردودكم حتى إصدار الكتاب!
على فكرة: اسمحوا لي أن أتذمر من خلال هذه المدونات، وبسبب كثرة الإقحامات:
ما أكثر من يقترحون اقتراحات غير مدروسة!
ما أكثر من يستهجنون كل اقتراح مستجد!
على ذكر (الشمينت)- שַׁמֶּנֶת فقد عالجنا في مجمع اللغة العربية في حيفا كلمة (كوتيج)، وكان أن أقر المجمع ترجمتها بـ (الحالوم)، معتمدًا على أن الكلمة وردت في معجم الوسيط: "لبن يغلظ فيصير شبيهًا بالجبن الطري وليس به".
واللفظة (كوتيج) أصلاً هي إنجليزية: cottage cheese، حيث يترجمها صاحب المورد (جبنة الحلّـوم). ثم إن هناك من يستعمل الكلمة حتى ولو كانت لمادة مختلفة قليلاً عن هذا النوع من الألبان.
غير أنه من المؤسف أن ثمة من سخر وتندر على الكلمة في صحيفته، مع أن هذا اجتهاد، ومن حق أساتذة اللغة الجادين أن يجتهدوا.
مع ذلك، فلا بأس -في رأيي- في استخدام التعابير الإنجليزية الشائعة، دون تجشم ترجمتها، فسآكل معكم الكوتيج هذه المرة، واللغة العبرية تستخدمها في معاجمها وعلى موائدها- קוֹטֶג'، فهل نبحث عن بديل للبسطرمة والباجيت والبيجلا والشوكو والدانيالا والكورسون والمرغرينا- (عرفت اليوم أنها فرنسية الأصل– margarine) وغيرها؟
البديل الذي يشغلني هو للكلمات العبرية فقط، وقد شرحت السبب- أولاً- بسبب كونها محلية، وإلا فستنقطع لغتنا العِـرْبِـيّة عن العالم العربي، وسنكون كالغراب الذي أراد تقليد مشية الحجل، فلا يفهمني العربي لا ولا اليهودي، ثم إن اقتحام العبرية في الجمل العربية يؤكد أننا عاجزون عن إيجاد اللفظة العربية، وعندها يصدق قول حافظ – شاعر النيل:
رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتي
إن اللغتين- العربية والعبرية تأخذان من اللغات العالمية، ولا بأس في ذلك، فاللغة – كل لغة كائن حي تتطور، وقد تستقرض من سواها، ولكنا يجب ألا نقول: (حمآه) وعندنا الزبدة، و (ﭽبينا) وعندنا الجبنة……والمدونات السابقة عالجت ذلك وركزت عليه.
وأنا إذ أودعكم بعد الجولة الأولى من هذه المدونات لأستريح استراحة المنافح قرأت مقالة للصديق القاضي المتقاعد د. أحمد ناطور، وفيها يندب وضعنا اللغوي، وسأورد فقرات منه حتى تتيقنوا معي ومعه أن المسألة ليست لعبًا، فتداركوا الأمر يا أولي الألباب!
يكتب أبو الأمير في موقع (فلسطين 48)- تحت عنوان "بئس الزمان زمانكم":
"قال "القََبْلان" الشيخ لعامله الفتى: " ابْعِد "المَساعيت " لأنه في "العولام" في عرس، بعدين "سَمِّنْ العَموديم" الّي طالعة من " القَواديح". واعمل "قاف" بالخيط على شان توخذ "چوبَع الرِتْسْبا" وتحطّ "القوتْسيم".
( "القبلان" يعني المقاول، "المسَاعيت" – تحريف لكلمة "مَسَئيت" -أي شاحنة. "العولام" – يعني "أولام" – قاعة. "سَمِّّن"– تعريب لكلمة "سِمان" العبرية- أي ضع علامة. "عموديم" هبي الأعمدة، "قواديح" جمع تكسير لكلمة (قيدواح)- أي غرز، (قاف) أي خط، (جوبع) تحريف لكلمة (جوبه) العبرية بمعنى ارتفاع، (رتسبا) أي أرضية ، (كوتسيم) أي أشواك والمقصود بها قضبان الحديد"
بمثل هذه الحدة ذكر د. ناطور نماذج أخرى مما يجري على الألسنة من تهجين، وسأختم بصرخته المنبهة المثيرة، وعلى ضوء ذلك، ليعذرني أبو نواس إذ أغير في بيته لأخاطب من لا يحافظ على لغته ومن يخلط العربية بالعبرية، وأقول إن المسألة جِدّية:
صار جِـدًا ما خلطتَ بـــه رب جدٍ جره الجهل
فلنتقن العربية على حدة، وهذا لا يعني ألا نتقن العبرية كذلك.
عسى أن تكون محاولاتي ونداءاتي مجدية ومجزية، ولغتي هويتي من وراء القصد.
شكر خاص ومحبة لموقع بقجة على نشره المدونات الخمسين
شكرًا جزيلا على متابعة المتلقين الجديين، وأرجو أن أكون قد أفدت مما قدمت، والشكر لبعض الإخوة الذين قدموا ملاحظات تعلمت منها!
شكرًا! وإلى لقاء في صورة أخرى بعد استراحة المنافح!
تحية محبة اخلاص وتقدير لأستاذنا الفاضل ب. فاروق .. أنت سيدي الكريم من الذين يعطون ولا يعرفون معنى للألم في عطائهم، ولا يتطلبون فرحا، ولا يرغبون في إذاعة فضائلهم، انت من هؤلاء الذين يعطون مما عندهم كما يعطي الريحان عبير العطر في ذلك الوادي!
حقا لقد أتحفتنا وأمتعتنا بمدوناتك الرائعة فكانت لي مسلسلاً ثقافيًا شائقًا انتظرت كل حلقة بشغف لكي أتغذى من عطائك المميز …وقد يصل الإنسان لمرحلة يعطي فيها كل من حوله من يحبهم ومن يعرفهم فقط .. لكنك أعطيت الجميع القريب والبعيد فهنيئا لك!
…. مع تمنياتي لك بمزيد من التألق والنجاح …