مَقامَةُ الْأَعْراسِ وَتَعْطيلِ الْحَواسِّ
تاريخ النشر: 05/05/15 | 16:22حَدَّثَ صَدَّاحُ الصَّاحي * اِبْنُ سَناءِ الْـمِصْباحِ * ذو الْفِكْرِ اللَّمَّاحِ * وَالْقَلَمِ الْجَرَّاحِ * قالَ: كُنْتُ ذاتَ سَفَرٍ وَصَديقي عابِرُ الزَّمانْ * فَضاقَ بِيَ الزَّمانُ وَالْـمَكانْ * وَفارَقَني هُدوءُ النَّفْسِ وَالْأَمانْ * مِمَّا سَيَكونُ وَما كانْ * مِنْ أَوْثانِ الزَّمانِ وَسُخْرِيَةِ الْأَقْرانِ وَالْأَعوانْ * وَكَوارِثِ الْأَعْراسِ * وَأَرْبابِ الْإِفْلاسِ * وَتَجَلُّطِ الْحَواسِّ * لَدى ذَوي الْخَيْبَهْ * وَالْعَيْبَةِ وَالْحَوْبَهْ * وَالْآثامِ بِلا تَوْبَهْ * ماذا قيلَ وَماذا لَمْ يُقَلْ * مِنْ إِصابَةِ عَيْنِ الْحالِ بِالْحَوَلْ * وَبَراءَةِ الْآخِرينَ وَالْأُوَلْ * مِنْ كُلِّ ذي خَبَلٍ وَخَطَلْ * لَهُ في كُلِّ عُرْسٍ قُرْصُ * وَحَضْرَةٌ وَحِرْصُ * عَلى الْأَكْلِ وَالطَّبْخِ * وَاللَّهْطِ وَالطَّخِّ * وَحَشْدِ النَّاسِ * مِنْ كُلِّ الْأَجْناسِ * فَهذا مَوْسِمُ الْأَعْراسِ وَتَعْطيلِ الْحَواسِّ * لِيَسْمَعوا حِداءَهُ وَدُرَرَهْ * وَيَتَحَسَّسوا غُرَّتَهُ وَوَبَرَهْ * فَهُوَ مِنَ السَّادَةِ الْبَرَرَهْ * وَللهِ دَرُّ الْقَصيدِ وَالشِّعْرِ * في كُلِّ عَصْرٍ وَقَصْرِ * لا يَتْرُكُ الْخَلْقَ لِلْخالِقْ * وَهُوَ لِكُلِّ مارِقٍ صاعِقْ * وَلا تَروقُهُ سِوى الْـمَزالِقْ * وَيَرْمي مِنْ فَوْقِ شاهِقْ * فَيَفْصِلُ السَّابِقَ عَنِ اللَّاحِقْ * وَكَمْ هَجا مِنْ زَفَّهْ * لِتافِهٍ وَقُفَّهْ * بَيْنَ الْوَرى تُفَّهْ * وَكَمْ خَسَفَ الْأَرْضَ بِجِبْسِ * مُسْتَعْرِبٍ مِنْ فُرْسِ * وَكَمْ أَهْوى عَلى عِلْجٍ وَعِلْجَهْ * بِساعَةِ الزِّفافِ وَالْفُرْجَهْ * فَصارا خَبَرًا عاجِلَا * طاِئًرا لا راجِلَا * لَهُ طَبْلٌ وَرَنَّهْ * تَقْرَؤُهُ عَيَّادُ أَوْ بِنْ قِنَّهْ * أَوْ يَعْدو في شَبَكاتِ النِّتِّ * عَدْوَ الْفارِسِ لا بَطْرَقَةَ السِّتِّ * في خَمْسِ ثَوانٍ أَوْ سِتِّ * يَطْوي الْكُرَّةَ الْأَرْضِيَّهْ * بِفَضْلِ الْجَزيرَةِ وَالْعِبْرِيَّهْ:
تَقَلَّبَ الدَّهْرُ بِالْأَنامِ.. مُسْتَيْقِظُ الْقَوْمِ في مَنامِ
وَالْحالُ قَدْ حالَ لِانْتِكاسٍ.. وَالدَّرْبُ قَدْ ضاعَ في الزِّحامِ
وَلائِمٌ ما لَها انْتِهاءٌ.. بِلا نِظامٍ وَلا انْتِظامِ
وَكُلُّ حِلْسٍ وَكُلُّ عِلْجٍ.. إِنْ حانَ لَهْطٌ كَذي السَّنامِ
وَجاهِلُ الْقَوْمِ ذو خِطابٍ.. بِصَوْتِ بَطٍّ أَوِ النَّعامِ
كُلُّ الَّذينَ مَعَ اللَّواتي.. هُواةُ رَقْصٍ وَبِانْسِجامِ
وَبَيْنَهُمْ قَدْ فَشا مِزاجٌ.. اَلذَّوْقُ فيهِ مِنَ الْحَرامِ
فَهُمْ ذُكورٌ عَلى إِناثٍ.. تَرْكيبُ عَلْمَا عَلى غُلامِ
وَالْعِلْمُ دينٌ يُدينُ جَهْلًا.. وَالْعَصْرُ عَرْصٌ وَذو انْفِصامِ
إِنْ شِئْتَ ذَكِّرْهُمُ وَأَنِّثْ.. أَوْ شِئْتَ خَنِّثْ بِلا مَلامِ
فَهُمْ كَهُنَّ بِدونِ فَرْقٍ.. وَالْعَدْلُ تَأْنيثُ ذا الرُّكامِ
في كُلِّ عُرْسٍ لَهُنَّ قُرْصٌ.. وَرِيُّ ظامٍ مِنَ الْـمُدامِ
لا تَنْسَ لَيْلى وَمَنْ يَليها.. هَيْفاءَ أَوْ قَطْرَةَ الْغَمامِ
ليلي وَلولو، رُبى وَتوتو.. مُنى وَسوسو وَذاكَ مامي
وَتِلْكَ فيفي بِجَنْبِ فوفو.. وَذاكَ رامي مَعَ الْوِسامِ
إِنْ يُدْعَ جوجو إِلى خِطابٍ.. أَوْ تَشْدُ نونو عَنِ الْغَرامِ
طَناجِرُ الضَّغْطِ في انْفِجارٍ.. وَالْفِقْهُ حَرْبٌ بِلا سَلامِ
فَالْكُلُّ مِنْهُنَّ رامِياتٌ.. وَكَمْ سِهامٍ بِغَيْرِ رامي
وَبَدا الضِّيقُ عَلى الصَّاحي * فَأَتاهُ الْعابِرُ بِالْقَراحِ * وَلكِنْ ظَلَّ مَغْمومًا بِلا انْشِراحِ * كَأَنَّما الْقِيامَةُ قَدْ دَنَتْ * أَوْ حانَ مَوْعِدُها وَأَوْشَكَتْ * فَقَدْ سَمِعَ مَنْ يُعاتِبُهْ * عَلى كَلامِهِ وَيُخاطِبُهْ * بِكَلامٍ جانَبَ الصَّوابَ صاحِبُهْ * اَلْكِلابُ تَنْبَحُ وَالْقافِلَةُ تَسيرْ * فَارْحَلْ فَمُقامُكَ بَيْنَنا جِدُّ عَسيرْ * فَلَسْنا مِنْكَ وَلَسْتَ مِنَّا * وَدَعْ عَنْكَ إِنَّا وَدَعْ كَأَنَّا * وَامْضِ مَأْزورًا غَيْرَ مَأْجورْ * قَبْلَما نُطْلِقُ عَلَيْكَ الصُّقورَ وَالنُّسورْ * فَما أَنْتَ إِلَّا حاقِدٌ وَغَيورْ * فَأَدْرَكَ الصَّدَّاحُ ما يَدورْ * وَراءَ الْكَواليسِ مِنَ الْأُمورْ * وَنَوى الرَّحيلَ وَالْـمَسيرْ * لكِنْ هَلْ يَرْكَبُ الْجيبَ أَمِ النَّجيبْ * وَهَلْ يَحْمِلُ التَّمْرَ أَمِ الزَّبيبْ * أَمْ يَحْمِلُ زادَ الدَّراويشْ * وَيَكْتَفي بِماءٍ وَسانْدَويشْ * مِنْ مَرْتَديلَّا أَوْ جُبْنهْ ** أَوْ عُجَّةٍ أَوْ لَبَنَهْ * وَحَبَّةِ بَنَدورَةٍ وَخِيارَهْ * فَلَدَيْهِ مِنَ الْخِيارِ سَحَّارَهْ * وَهَلْ يُغْني الْـماءُ عَنِ الْعَصيرِ * في هذا اللَّهيبِ وَالْهَجيرِ * وَإِذا مَلَأَ الْكَرْشَ بِالْأَكْلِ وَالشَّرابِ * وَأَدْرَكَهُ في الطَّريقِ ما يُدْرِكُ الْوالي وَرَثَّ الثِّيابِ * وَأَجاءَهُ إِلى خَلاءٍ بِلا سِتْرٍ أَوْ حِجابِ * وَرُبَّما أَدْخَلَتْهُ الْعَجَلَةُ في ارْتِباكٍ فَسَلَحَ في الثِّيابِ * حينَها لَنْ يُقالَ رَضِيَ مِنَ الْغَنيمَةِ بِالْإِيابِ * فَحالُهُ سَتَكونُ هَبابًا في هَبابِ * وَقَرَّرَ في الْخِتامِ التَّرَوِّي * قَبْلَ خَوْضِ الْأَسْفارِ وَكُلِّ دَوِّ * فَالْجَماعَةُ عَلى شَفيرْ * وَما لَهُمْ في الْأَعْراسِ شَرْوى نَقيرْ * وَلا في الْوَلائِمِ وَالْـمَوائِدِ شاةٌ وَلا بَعيرْ * وَهُوَ الْعَليمُ بِالْـمَآلِ وَالْـمَصيرْ * وَيَدْري إِذا تَرَكَهُمْ ما سَيَجْري لَهُمْ وَما عَلَيْهِمْ يَدورْ * وَكَما يُقالُ فَالتَّلْمُ الْأَعْوَجُ مِنَ الثَّوْرِ الْكَبيرْ * فَهُمْ كَرَكْبٍ في سَفينَهْ * وَكُلٌّ لَهُ حِصَّةٌ فيها وَزينَهْ * وَأَحْمَقُهُمْ يُحاوِلُ ثَقْبَ حِصَّتِهِ الْحَصينَهْ * وَإِنْ تَرَكوهُ غَرِقوا وَالْـمَرْكَبْ * وَصاروا طَعامَ الْقُروشِ حَتَّى الطُّحْلُبْ * وَلَنْ تَبْقى لَهُمْ باقِيَهْ * وَكُلُّهُمْ حَريصٌ عَلى الْبَقِيَّةِ الْباقِيَهْ * مِنَ الْفانِيَةِ لا الْباقِيَهْ * وَلا يَصِحُّ إِلَّا الصَّحيحْ * وَالضَّرْبُ عَلى يَدِهُ أَمْرٌ واجِبٌ صَريحْ * وَكَذلِكَ حالُ أَهْلِ الْأَعْراسِ وَالْوَلائِمْ * وَمَوائِدِ الْـمَكارِمِ وَالْـمَغانِمْ * الَّذينَ لَمْ يَجْلِبْ لَهُمْ هؤُلاءِ غَيْرَ الْـمَخازي وَالْهَزائِمْ * وَالزِّفافُ يَحْتاجُ تَنْظيمًا وَتَصْحيحْ * لكِنْ لَمْ يُغْنِهِ التَّلْميحُ فَاضْطُرَّ لِلتَّصْريحْ * فَلَمْ يُسْتَأْذَنِ الْكِبارُ وَالْعُقَّالْ * بِما اجْتَرَحَهُ هؤُلاءِ الْأَغْفالُ وَالْجُهَّالْ * وَكَيْفَ أُصيبوا بِالرَّشْحِ وَالْإِسْهالْ * وَعادَ جَهْلُهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْوَبالْ * فَقَدْ نَسوا أَنَّ مَنْ لا كَبيرَ لَهْ * فَهُوَ غَوِيٌّ لا تَدْبيرَ لَهْ * وَآخِرُ ما جَنَوْهُ مِنْ فَضائِحَ لِلْبَلَدْ * ما اقْتَرَفوهُ مِنْ زِفافٍ لِوَلَدْ * الَّذي بِلا والِدٍ قَدْ وُلِدْ * في ضَيْعَةٍ تَسْتَجْدي مِنَ الْوَثَنِ الْـمَدَدْ * كَأَبي جَهْلٍ وَأَبي لَهَبْ * وَامْرَأَتِهِ حَمَّالَةِ الْحَطَبْ * وَلَوْ رَأَوْا في الْفَلا ضَبُعَا * لَقالوا غَزالٌ أَقْعى * وَطابَ الرَّعْيُ وَالْـمَرْعى * وَدَعْ عَنْكَ بُنَيَّاتِ الطَّريقْ * وَرَقْصَةَ الثُّعْبانِ وَالْبِطْريقْ * وَكُلَّ نَهيقٍ وَنَعيقٍ وَنَقيقْ * فَقَدْ أَفْشى بَعْضُ مَنْ كانَ في زَفَّتِهْ * مِنْ بِطانَتِهِ وَزُفَّتِهْ * بِأَنْ طالَتْ سَهْرَتُهُمْ في حَفْلَتِهْ * حَتَّى تَبَلَّجَ الصُّبْحُ في حُلَّتِهْ * وَهُمْ في تَدارُسِ أَصْلِ الْوَلِد وَفَصْلِهْ * وَكَيْفَ تَواجَدوا فَجْأَةً في حَفْلِهْ * وَقَرَعوا الْأَقْداحَ بِالْأَقْداحِ * وَتَمَكَّنَ الرَّاحُ مِنَ الْاِنْزِياحِ * وَساقَهُمْ مِنْ فُسْحَةِ الْهُدوءِ إِلى ضيقِ الصِّياحِ * وَانْقَلَبَ الْفَرَحُ إِلى تَرَحْ * فَالْوَلَدُ بَعْدَما انْتَصَبَ انْبَطَحْ * وَقيلَ مِنْ صَيْدِ أَمْسٍ فَما صَبَحْ * وَضَرَبوا أَخْماسًا بِأَسْداسِ * وَلَعَنوا وَسَبُّوا كُلَّ مَحافِلِ الْأَعْراسِ * وَتَساءَلوا وَتَشاجَروا وَتَهارَشوا * وَلَوْلا الظَّلامُ تَكالَبوا وَتَعارَشوا * وَقامَ في جانِبِ الذُّكورِ مُسَيْلِمَةٌ خَطيبَا * وَقامَتْ في خَيْمَةِ الْإِناثِ سَجاحُ خَطيبَهْ * وَكِلاهُما نَبِيٌّ كاذِبٌ وَبِلا أُعْجوبَهْ * فَأَلْقى كُلٌّ مِنْهُما عَصْماءَ رَطيبَهْ * في اغْتِنامِ الصُّلْحِ وَنَبْذِ الْحَرْبِ الْعَصيبَهْ * وَفي الْخِتامِ تَمَّ الصُّلْحُ وَأُفْرِغَتِ الزَّريبَهْ * وَاتَّفَقوا عَلى تَقاسُمِ الْـمَوْلودْ * الَّذي جاءَتْ بِهِ الْأُمُّ الْوَدودْ * وَهِيَ لَمْ تَزَلْ بِكْرًا * وَلَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنْ قَبْلُ لِزَواجِها وَحَمْلِها ذِكْرَا * وَلَمْ تَطْلُعِ الشِّعْرى وَلَمْ يَفِضِ النِّيلْ * فَمِنْ أَيْنَ جاءَتْ بِهِ وَما الدَّليلْ * أَهُوَ ابْنُ أَبٍ أَمْ خَليلْ * وَتَبَيَّنَ في خِتامِ الْجَدَلْ * أَنَّ الْجَدَّ الْعاشِرِ لِوالِدِ جَدَّتِها الثَّامِنَةِ أَبوهُ وِفْقَ ما جَرى وَحَصَلْ * وَحاوَلوا كَتْمَ الْفَضيحَةِ جَهْدَهُمْ * لكِنَّها شاعَتْ وَأَفْقَدَتْهُمْ رُشْدَهُمْ * وَناموا وَقَدْ عَزَموا الطَّلاقْ * كَعادَةِ أَهْلِ الشِّقاقِ وَالنِّفاقْ * مِنَ الْعِراقِ حَتَّى بِلادِ الْغاقْ * وَمُصيبَةُ الْـمَصائِبْ * أَنَّهُمْ يَرَونَ الصَّاحي الْحاضِرَ الْغائِبْ * وَهُمْ مَنْ جَهِلوا الْـمَشارِقَ وَالْـمَغارِبْ * وَالْحَبْلَ وَالْغارِبْ * وَزاحَموا أَهْلَ الضِّيافَهْ * عَلى كُلِّ ديوانٍ وَمَضافَهْ * بِكَثْرَةِ الْـمُضافِ عَلى الْإِضافَهْ * فَكانوا كَما قالَ في النَّاعِقِ ذو الْقِيافَهْ:
أَغْراهُ نَوْمي فَاشْتَرى أَحْلامي.. مِنْ غَيْرِنا، فَابْنُ الْـحَرامِ حَرامي
وَعَلا هِضابَ الأُفْقِ يَفْضَحُ نَوْمَتي.. وَبَدا يُسَخِّنُ لِلشُّموسِ كَلامي
وَيَقولُ: في بابِ الشُّموسِ فَقَدْتُني.. وَبِبابِ بابِ الْـمَوْتِ بِعْتُ غَرامي
وَبِأَنَّني أَقْصَيتُ عَنْ شَمْسي الْفَنا.. وَبَسَطْتُ لِلعَدَمِ الْـمَطيرِ حِمامي
قَهْقَهْتُ في الْـحَرَكاتِ مَعْ تَسْكينِها.. فَانْساخَ وَحْلاً مِنْ هُطولِ غَمامي
وَانْقادَ في زَبَدٍ تَدافَعَ سَيْلُهُ.. جَرْفًا عَلى جُرُفٍ لِلَفْظِ قُمامِ
حَرَّكْتُ ما ضَمَّ السُّكونُ وَضَمَّني.. وَضَمَمْتُ أَلْطَفَ ساكِنٍ بِعِظامي
نَظَرَ الْعابِرُ في وَجْهِ الصَّدَّاحِ * فَلَمْ يَعْثُرْ عَلى سيماءِ الْـمِزاحِ * وَلا الْبَسْطِ وَالْاِنْشِراحِ * بَلْ أَبْصَرَ الْبَرْقَ تَحْتَ الْوَقارِ * وَسَمِعَ الرَّعْدَ في كُلِّ اعْتِصارِ * فَقالَ: ما لَكَ يا عَمُّ في غَمِّ * يا أَخا الْـمَدْحِ لا الذَّمِّ * أَهذِهِ مِنْكَ هَلْوَسَةٌ وَهَذَيانْ * أَمْ تَلَبَّسَكَ الْيَوْمَ شَيْطانْ * أَمْ هذِهِ عَلاماتُ الْغَضَبْ * عَلى مَنْ صَبَأَ اللَّيْلَةَ عَنْ الْحَقِّ مِنَ الْعَرَبْ * أَمْ حالٌ مُحْدَثٌ لا عَهْدَ لي بِهِ * أَمْ غَصَصْتَ بِالْـماءِ عِنْدَ شُرْبِهِ * أَمْ لاحَ طَيْفُ الْعامِرِيَّهْ * أَمْ عادَكَ الْحَنينُ لِلْجاهِلِيَّهْ * فَقالَ الصَّدَّاحُ لِلْعابِرْ * حَيِّ عَلى الْفَلاحِ وَبادِرْ * وَاسْتَمِعْ لِـما أَقولُ * وَقَوْلي باقٍ لا يَزولُ:
اِشْرَبْ فَضاءَ النَّصِّ قَبْلَ غُروبِهِ.. وَاسْرِجْ سِياقَ الْبَدْءِ لِلْكَلِماتِ
وَاعْقِلْ هُبوبَ الْـمَوْتِ عِنْد تُخومِهِ.. وَاكْسِرْ رَنينَ الصَّوْتِ في الْفَتَحاتِ
وَاثْقُبْ أُوزونَ الْفِكْرِ تَحْتَ مَجَرَّةٍ.. تَهْبِطْ عَلَيْكَ سَماءُ عَيْنِ الذَّاتِ
إِذْ ذاكَ تُبْصِرُ ما أَجَنَّ جُنونُها.. لَـمَّا تَخَثَّرَ سائِلُ الْـمِشْكاةِ
وَاخْتَلَطَ الْأَمْرُ عَلى الْعابِرْ * وَراحَ يُقْسِمُ أَنَّ هذا حَديثُ مُنافِرْ * لِكُلِّ وُضوحٍ كافِرْ * وَفي كافِرٍ مِنَ الْأَرْضِ كافِرْ * وَطالَ اللَّوْمُ بَيْنَهُما وَالْعِتابْ * وَالشُّرودُ بَيْنَ الظُّهورِ وَالْغِيابْ * وَالذَّهابُ مُمْتَنِعُ الْإِيابْ * وَقَتْلِ الْيَبابِ بِالتُّرابْ * فَاعْتَدَلَ الصَّدَّاحُ في الْجَلْسَهْ * وَراحَ يَرْقُبُ الْعابِرَ خُفْيَةً وَخِلْسَهْ * وَلَـمَّا تَبَيَّنَ مِنْهُ الْغَيْظَ وَالْحَنَقْ * وَأَنَّهُما عَلى شَفى مُفْتَرَقْ * إِذا لَمْ يُقْنِعْهُ بِما ساقَ مِمَّا سَبَقْ * بِمَنْطِقٍ مُقْنِعٍ لا ما اتَّفَقْ * رَبَّتَ عَلى كَتِفَيْهِ قَليلَا * وَأَوْقَدَ لِلْبَيانِ الْفَصيحِ فَتيلَا * وَقالَ: يا صاحِبي ما لَكَ حانِقًا وَعَجولَا * تَمَهَّلْ وَاطْرُدْ عَنْكَ جَيْشَ الْعَتَبْ * فَالْحِلْمُ سَيِّدٌ في الشَّرْعِ وَالْأَدَبْ * وَقانا اللهُ وَإِيَّاكَ عَواقِبَ الْغَضَبْ:
صَديقي لَنِعْمَ الْعَتْبُ يُنْبي ويُفْهِمُ.. وَما كُلُّ مَنْ يَقْرَا الْقَصيدَ سَيَفْهَمُ
وَإِنِّي وَرَبِّ الْعَرْشِ ما عِفْتُ مَوْرِدًا.. يَفيضُ بِثَجَّاجٍ لِظامٍ وَيُنْعِمُ
وَلكِنْ رَأَيْتُ الْـماءَ غابَ صَفاؤُهُ.. فَقَدْ سَقَطَتْ فيهِ الطَّحالِبُ وَالدَّمُ
تَعَكَّرَ نَبْعُ الْـماءِ خِلِّي وَصاحِبي.. فَمِلْتُ إِلى ظِلٍّ عَسى يَتَصَرَّمُ
وَقُلْتُ خَليلي سَوْفَ يُدْرِكُ ما جَرى.. وَيُرْجِعُ صافي الْـماءِ فَهْوَ مُعَلِّمُ
وَإِنَّ خُمورَ الرُّومِ لا شَكَّ حُرِّمَتْ.. وَغَيْرُ خُموري كُلُّ خَمْرٍ مُحَرَّمُ
(تَمَّتْ)
بقلم: محمود مرعي