لماذا يا هذا 17 – عقولٌ مربّعةٌ…

تاريخ النشر: 17/01/13 | 9:00

سأبدأ مقالي بقصة سمعتُها وأحببتُها كثيرًا؛ قصة تعكس موقفًا مع طالبٍ، جاءهُ سؤالٌ ضمن أسئلة امتحان الفيزياء:كيف تُحدّد ارتفاع مبنى ما باستخدام الباروميتر(وهو جهاز قياس الضغط الجوّيّ)؟، توقّّع المُعلّم أن يجيب الطُلاب كلّهم بإجابة وحيدة كان قد ذكرها لهُم، وهي بقياس الفرق بين الضغط الجوّيّ على سطح الأرض وعلى المبنى. وعند تصليح أوراق الامتحان، استفزت إجابةُ ذاك الطالبِ معلّمَهُ؛ إذ أجاب: أربط الباروميتر بحبل طويل وألقيه من أعلى المبنى حتى يمسّ الباروميتر الأرض؛ ثم أقيس طول الحبل. استدعى المٌعلّم الطالبَ؛ قائلاً لهُ أنّ إجابته لا تُلائم ما تعلّموه في المدرسة وبذلك يكون راسباً… وإذا بالطالبِ يردّ: لدي إجابات كثيرة لقياس ارتفاع المبنى، ولم أدرِ أيّ اختياراتي هو الأكثر دقّة.. . رُبما يمكن إلقاء الباروميتر من أعلى المبنى إلى الأرض؛ ثمّ يقاس الزمن الذي يستغرقه الباروميتر حتى يصل إلى الأرض، وبالتالي يمكن حساب ارتفاع المبنى؛ باستخدام قانون الجاذبيّة الأرضيّة. أو…إذا كانت الشمس مُشرقة؛ يمكن قياس طول ظلّ الباروميتر وطول ظلّ المبنى؛ فأعرف بذلك ارتفاع المبنى من قانون التناسب بين الطولين وبين الظلّين. أو…إذا أردتَ حلاً "سريعاً" يريح العقل؛ فإنّ الطريقة المُثلى لقياس ارتفاع المبنى؛ هي أن أقول لحارس المبنى؛ سأعطيك هذا الباروميتر الجديد هدية؛ شرط أن تخبرني كم يبلغ ارتفاع هذا المبنى!!!!

بقي أن أذكر مَن هو هذا الطالب؛ إنّه عالم الفيزياء… ألبرت آينشتاين!!!

__________________________________________________________

ما زالَ عقلُ الإنسان، تلك المُعجزة الإلهيّة العظيمة، في طور البحث والفحص؛ إذ لم يتوصل العُلماء إلى نظريات قاطعة أو تحليلات جازِمة لمبنى الدماغ وتركيبه وطريقة عمله؛ يقولون أنّه مركّب من مناطق ومُستويات إدراكيّة مُختلفة كمنطقة التخيّل، ومنطقة التفسير، ومنطقة التفكير وغيرها!!

لكنّني في هذا السياق؛ أتعجّب وأتساءل!! لا أفهم لِمَ بتنا مصرِّين على جعل العقل البشري مُربّعاً وحيد المستوى! عقلاً لا ينطلق بتفكيره وتجديده ونتاجه! عقلاً روتينيًّا تقليديًّا مقلّدًا… لا يعرفُ للإبداع سبيلاً!

إنّ تناول موضوع الإبداع في قاموس اللغة العربيّة واسعٌ جداً وكلّهُ يصبُّ في "الخروج عن المألوف"، أو كما يُعرّفهُ علماء النفس: تنظيم الأفكار وظهورها بقالبٍ جديد غاية في التفرّد، والنظر بذلك إلى المألوف بطريقة غير مألوفة، وهي تلكَ الطاقة العقليّة الهائلة التي تُخوّل الفرد أن يرى ما لا يراهُ الآخرون!

ولا أخفيكُم؛ فبعد اطّلاعي على موضوع الإبداع من منظورات مُختلفة: نفسيّة أو تربويّة أو تعليميّة، أيقنتُ حجم بُعدنا عن الإبداع؛ بل والحقيقة المُرّة:كم نُحاولُ، في أحايين كثيرة، قتلَهُ أو طمسَهُ عند أبنائنا وطُلابنا…

يُخلَقُ الطفلُ مُبدِعاً… يلتمس الأشياء مِن حولِهُ؛ يحبو ويُحاول اكتشاف المُحيطِ بتفاصيله…

بعد فترة، نراهُ يُفكّكُ اللعبة ويُعيدُ تركيبها!

يُمسِك قلمه و"يخربش" خطوطاً وخربشات، ويُعبّر بطريقته عمّا يجول في خاطِرِهِ…

يكبُر الطفل…وينطلقُ بتفكيره؛ فقد أعطاهُ اللهُ من العقل المميّز ما أرادَ لهُ… حتّى يأتي ذاك اليوم الذي يطلُبونَ منهُ أفكاراً مُربّعة مُقَوْلَبة مألوفة… لماذا؟!

هل مِن الواجبِ على الطفل أو الطالب أن يفكّر كما نُفكّر؟ هل من الواجبِ عليهِ أن يكون نسخة طبق الأصل عنّا؟

لماذا لا نسمح لهُ أن يكون نفسهُ؟ ونُطلق العنان لإبداعه وتفكيره؟

فما يحدُث في عصرنا من تقدم تقني ومعلوماتي هائِل، وما أقرّه العِلم من وجود وتعدد لذكاءات مُختلفة يفرض علينا حالة مواكبة جديدة وطريقة تعامُل واعية لإمكانيات الطُلاب وقدراتهم!

لنسأل أنفسنا أسئلة "لماذا"؛ علّنا نصل إلى تحليل صادق لوضع الإبداع عندنا مقارنة بحجم الإبداع المشرق عند الغرب!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة