الأسد في غيبوبة

تاريخ النشر: 18/01/13 | 9:08

"الإنسان حيوان سياسي بطبعه", هذا ما قاله أرسطو الذي عاش بين عامي 384 ق.م و322 ق.م. ففي هذ الفترة كانت الحروب والمعارك من أشنع ما يكون. كُتب التاريخ واللوحات والنحوتات والرسومات تجسّد وتصور ملاحم تخدش العين وترهف المشاعر.

رغم ذلك , بقي أرسطو متفائلا بالجنس البشري, يدرس ويراقب ويفكر ليجد حلاً يُخرج الإنسان من حالة قانون الغاب التي يعيش فيها, إيمانا منه بالإنسان عموما. وإذا عدنا إلى كتاب "السياسة" لأرسطو نلاحظ بوضوح أن الإنسان ـ اجتماعي بالفطرة ـ ومن هنا قرر تبرير قيام "الدولة" معتبرا إياها أعلى وأسمى أشكال المجتمع.

حتى في زمن الحروب والملاحم بقي أرسطو متفائلا لكنه كان حتما ليسلّم لو كان لا يزال حيا ويعيش في عالم اليوم, حين يرى أن الدول في القرن الواحد والعشرين باتت أعنف من الإنسان في أزمنة الملاحم, لا تفكّر إلا بمصالحها على حساب الأرواح البشرية المُسيّرة لا المُخيّرة, بحكم الظروف.

المجتمع الدولي اليوم قرر الارتكاز الى جملة أرسطو الشهيرة "الإنسان حيوان سياسي بطبعه" بـ – تصرّف ـ لتصبح: "الإنسان حيوان في أطباع السياسيين والسياسات", ونعتذر من جمعيات الرفق بالحيوان "الدولية" إذ في الدول المتقدّمة ـ لسخرية القدر ـ باتت روح الحيوان تُحترم أكثر من روح طفل يموت اليوم في سوريا.

أين أنت يا أيتها الدول "المتقدمة" عما يجري في سوريا؟ هل أصبح التقدم يُقاس اليوم ـ جهاراـ في عالم السياسة, بالموارد الطبيعية والمصالح الاقتصادية على حساب الأرواح البشرية؟ في أي حال مهما كان الخوف من سوريا المستقبلية فلن يسوء الوضع فيها أكثر مما هو عليه اليوم.

فبعيدا عن الحسابات الخارجية والمشروع المُقرر لسوريا, يبقى الداخل الدامي مرتبطا ببقاء الرئيس الأسد من عدمه, وكل شيء يدور حول هذه النقطة, فيما الكرة في الملعب الدولي وفي مبنى الأمم المتحدة في نيويورك. فالمعارك الميدانية لها طابع دفاعي أحيانا من قبل ما يُعرف بالجيش الحر والثوار وهجومي من قبل قوات النظام فيما يتم تبادل الأدوار والمواقع في بعض ساحات المعارك.

أما المدني فهو في ثبات, موقعه لا يتغير, إنه في الوسط يدفع الثمن غاليا فيما إنقاذه مسألة قرار دولي لا موضوع حسم عسكري داخلي.

الأسد لا يزال رئيسا لسوريا في عيون المجتمع الدولي ـ مع وقف التنفيذ. إنه ميت, يعيش على الماكينات في العناية الفائقة فيما الدول الكبرى وحدها تملك مفتاح هذه الغرفة.

ويرى خبراء في الشؤون السياسية أننا سننام على خبر ونفيق على آخر يقول إن الرئيس الأسد قتل أو هرب أو انتحر فيما الحقيقة هي أن القرار في إنهاء الحقبة الأسدية أتى "دوليا".

لكن حتى الساعة, لا بوادر تُشير إلى أن موعد نزع الأشرطة من الماكينات قد حان فيما الاعتراف بالأسد رئيسا لسوريا ـ في المفهوم السياسي العلمي ـ ما زال قائما.

فالمندوب السوري التابع للنظام الأسدي لا يزال حاضرا ومشاركا في اجتماعات مجلس الأمن, وآخر في جنيف يستمع ويشارك في جلسات مجلس حقوق الإنسان, ووزير خارجية سوري يقف متحدثا من دون أن يرفّ له جفن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأضف الى كل هذه المظاهر الديبلوماسية ـ التي تؤكد استمرارية الاعتراف بالنظام الأسدي أمميا ودوليا ـ لقاءات المبعوث العربي الأممي بالرئيس السوري أثناء زيارته دمشق من أجل "التفاوض", فيما التفاوض أساسا هو "اعتراف" بوجود طرف في المعادلة.

وهنا السؤال الأبرز, هل المقصود إضعاف سوريا عبر رئيس في العناية الفائقة ترك وصية بإبادة شعب سوريا الذي يعارض استمرارية السُلالة الأسدية في سدة الحكم؟!

أكثر من 60 ألف قتيل في أقل من سنتين والحبل على الجرار إذا لم يقرر المجتمع الدولي وضع حدّ لهذه الملحمة, فيما تُشير كل المعطيات الى أن عدم التحرك لوضع حدّ للمأساة السورية حتى الساعة يؤكد أن "الإنسان حيوان بأطباع السياسيين والسياسات", ومصالح كبرى الدول تعلو فوق كل إنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة