ليس هناك خِيار آخر
تاريخ النشر: 21/01/13 | 1:52يعاني المجتمع العربيّ حالة من الإحباط الكبير من الحكومة الحالية ومن اتحاد حزبَي التكتل – "إسرائيل بيتنا"، الذي جعل من الحزب الحاكم يمينًا متطرّفًا. من جهتي، إنّ المشاعر الصعبة تزداد حدّة لكوني امرأة، طالبة قانون، مسلمة، وذات حق في الانتخاب للمرّة الأولى في حياتي.
لقد قرّرت أن أتبنّى المثل القائل: "اسأل مْجَرِّب ولا تِسأل حكيم"، وفهم توجّه المحيطين بي، بالنسبة إلى الانتخابات القادمة. وأنا في طريقي إلى الجواب، اصطدمت بظاهرة آخذة في الانتشار – ظاهرة عدم التوجّه إلى الانتخاب لدى المجتمع العربيّ. ففي العَقد الأخير، تراجعت نسبة تصويت المواطنين العرب بأكثر من 20%، وهو تراجع أكثر حدّة من ذلك التراجع الموجود لدى المجتمع اليهوديّ، الذي تشبه نسب التصويت لديه نسب التصويت في العالم الغربيّ كلّه. لقد حاولت أن أفهم سبب نسبة التصويت المنخفضة لدى المجتمع العربيّ عمومًا، ولدى الطلاب العرب خصوصًا؟
مع مزيد الأسف، إنّ مجموعة لا يُستهان بها من بين أصدقائي قرّرت الامتناع عن التصويت لأساب عقائدية – أيديولوجية، من خلال الانفصال عن السياسة الإسرائيلية انفصالًا مطلقًا، تقريبًا. إنّهم يعتقدون أنّ مقاطعة الانتخابات من الممكن أن تؤثّر أكثر من المشاركة فيها. فهكذا، فقط – حسَب رأيهم – ستتبلور هناك شرعية لحكم ذاتيّ مستقلّ للمجتمع العربيّ داخل دولة إسرائيل.
إنّ عدم موافقتي على هذا التوجّه ينبع من افتراض أصدقائي – أنّ تجاهل الكنيست ودائرة صنّاع القرار سيجعلهم غير شرعيين. إنّهم لا يأخذون بالحسبان أنّه في هذا الوقت سيواصل أعضاء الكنيست من اليمين عملهم، واتّخاذ قرارات واقتراحات قانون ستضرّ – على ما يبدو – بالمجتمع العربيّ وتنال من حقوقنا الأساسية، حتى إنّ الوضع سيتفاقم إذا لم يكن هناك أيّ عضو كنيست للاعتراض ولطرح موقفه.
كما أنّ هناك مجموعة كبيرة إضافية ستمتنع – على ما يبدو – عن التصويت من دون أسباب عقائدية – أيديولوجية، بل بدافع الشعور بعدم الفاعلية والشراكة الحقيقية في المجتمع الإسرائيليّ، الذي ينعكس، أيضًا، من خلال التعامل مع أعضاء الكنيست العرب. إنّنا نشعر على جلودنا بالتمثيل المنقوص للعرب في الوزارات الحكومية ومؤسسات الدولة. إنّ هناك رغبة قوية وحقيقية من جانب الكثير منّا في المشاركة المتكافئة في المجتمع الإسرائيليّ، لكنّ الحواجز تكسّر مجاديفنا – تثبّط عزائمنا وتحبطنا. إنّ من يرفعون لواء هذا التوجّه يدّعون أنّ عدم قدرة أعضاء الكنيست العرب على التأثير في عمليات اتّخاذ القرار في الكنيست والحكومة يعكس، عمليًّا، إقصاءنا جميعًا عن الحيّز العامّ في إسرائيل.
أنا أعتقد أنّ الطريق إلى مواجهة مشكلة تمثيلنا وفاعليتنا ليست بالامتناع عن التصويت. إنّ أعضاء الكنيست العرب بالذات يُبدون نشاطًا كبيرًا جدًّا. ليست هناك أداة برلمانية إلّا ويستخدمونها بمهْنية واجتهاد، ونحن نعلم أنّهم حاضرون في اجتماعات الكنيست، وأنّ نسب تصويتهم في اقتراحات القانون وفي اقتراحات حجب الثقة عالية؛ إلّا أنّ قوة أعضاء الكنيست العرب آخذة بالتراجع في السنوات الأخيرة، وذلك في أعقاب الهبوط في نسب التصويت وإقصائهم عن الحلبة السياسية، وهو ما جعل عملهم أصعب بكثير. لربما كانوا هم الصوت الوحيد في الكنيست الذي يرفع لواء دعم الأقلية العربية. إنّه حِمْل ثقيل جدًّا ملقًى على أكتافهم.
وفي هذا السياق، فكلّنا توقعنا ولا نزال نتوقع – لربما بعد الانتخابات – توحيد القوى بين ممثّلي الجمهور العربيّ. كان من شأن الجهد في سبيل توحيد الأحزاب أن يضع حدًّا للشعور بانعدام جدوى التمثيل. إنّ الحاجة إلى بذل هذا الجهد نابعة، بالذات، من كون الأقلية العربية تعاني من بنيتها المعقدة ومن الكثير من الانقسامات فيها. عندما يكون هناك ثلاثة أحزاب (على الأقلّ) ذات وجهات نظر مختلفة، ليست هناك إمكانية لتلبية حاجات ورغبات المجموعات المختلفة في المجتمع العربيّ، كما أنّ تمثيلنا جميعًا كأقلية لا يكون مركّزًا بما فيه الكفاية. إنّ اتّحاد الأحزاب العربية في المستقبل سيزيد بصورة كبيرة من استعداد المجتمع العربيّ للتصويت في الانتخابات، ستتعزّز القائمة للكنيست، وكذلك، أيضًا، قدرتها على التأثير في النقاش العامّ.
ورغم أنّ ممثّلينا لم يتّحدوا بعد، فأنا أعتقد أنّ عليّ أن أذهب إلى صندوق الاقتراع يوم الثلاثاء؛ فمن خلال ممارسة الحق في التصويت، فقط، سيُضمن وجود ممثّلين يقومون بدعم المواضيع المهمة لغالبية المجتمع العربيّ عمومًا، وخصوصًا دعم المواضيع المدنية، وعلى رأسها التعليم، العمل، الثقافة، مقاومة الجريمة، والاندماج في النقاش الأكاديميّ والعامّ. إنّ كلّ عضو كنيست إضافيّ يمكن أن يأتي معه بزوايا مختلفة تتحدّث إلينا، نحن – المواطنين العرب. كلّ عضو كنيست يرفع لواء اندماج ودعم المجتمع العربيّ، يمكن أن يغيّر ويعمل من أجلنا خلال ولاية من أربع سنوات. إنّ زيادة عدد أعضاء الكنيست الذين يمثّلون المجتمع العربيّ ستزيد من كفاءتهم في عملهم، وهذا ما من شأنه أن يقود نحو التغيير المنشود.
سأوجز بتوجيه نداء واسع وشامل بممارسة الحق في التصويت؛ حيث يجري الحديث عن آلية مهمة أتيحت للمواطنين في إطار الديمقراطية. إنّني أدرك المشاعر بانعدام الجدوى أو لربما حتى اليأس، لكنه في ضوء تعزّز كتلة أحزاب اليمين في السنوات الأخيرة في الكنيست، فقد أصبح هذا الحق واجبًا، ويجب أن نثق بأنّ ممثّلينا في إمكانهم أن يعبّروا عن صوتنا على أكمل وجه. إنّه من خلال ممارسة حق التصويت للأحزاب التي تمثّلنا، بإمكاننا أن نوازن هذه القوة، وأن نُسمع صوتًا بديلًا، صوتًا مضادًا للعنصرية، صوتًا تكافؤيًّا، في الكنيست القادمة.