آفـة الحديث الكذب
تاريخ النشر: 01/04/11 | 23:19لا يختلف أول نيسان عن غيره من أوائل الشهور ولا يختلف عن بقية الأيام اللهم إلا بأنه يوم يختص بشهر محدد فيه يبدأ الدفء بالسريان في الجسد وتبدأ الطبيعة بتلوين الصورة الأبيض والأسود التي سادت في الشتاء بألوان زاهية جميلة ويشعر الجميع بانطلاق الربيع بأقوى وأبدع الحلل .
وما أن يمر يوم الأرض مع نهاية آذار بكل ما فيه من عظمة وثبات حتى يحل يوم ارتبط عند البعض بلذة ونشوة غريبتين , يوم يتمتع البعض فيه بالكذب وكأنه أمر جائز ومصبوغ بشرعية لا يدري أحد منا من أين جاءت وكيفما حلت واستحسناها حتى صرنا نعد له المقالب والأكاذيب بنوع من الفكاهة والرضى والقبول .
لا أدري وكأن حالنا كحال الصائم الذي ينتظر غروب الشمس حتى يفطر بعد يوم جوع وعطش شديدين .
وكأن حالنا كحال الرجل الصادق الصدوق الذي يصوم أو يمتنع عن الكذب ويتحرى الصدق في كل ما يقوله ويجيء يوم يمتنع فيه عن الصدق ويكون بامكانه الكذب طيلة اليوم لينفس عن نفسه وشخصه بالأيام العصيبة التي تحمل فيها الصدق وصبر وعانى وجاهد لكي يكون صادقاً على مر الأيام والشهور.
وكأن حالنا كحال القادم على عيد فهل يجوز فيه عمل المنكر ليوم واحد .
هذا حالنا الذي لو كان كذلك لقلنا لا بأس.
لكن حالنا حال الكذب والنصب والاحتيال والمراوغة والغش والخداع والفهلوة والكيد والفساد والدهاء والمغيبة والنميمة والبهتان والزور والقذف والإشاعات ونقض العهد وخلف الوعد والحجج والأعذار والتسويف والرياء والنفاق والتملق والجبن والغدر على مدار الساعة وعلى مدى الأيام فما الجديد في يوم أول نيسان وماذا يختلف عن ما يحدث في بقية أيام العام ؟!
لا يمكن أن تعطى الشرعية للكذب في يوم وفي مجتمعات تعمل به دائماً بدون شرعية وإلا ما الفرق بين كذبة أول نيسان وأول أيار أو أي يوم آخر !
ولماذا الكذب بالذات ؟ ليس إلا لأن الصدق جامع الأخلاق الحميدة في صدقنا مع الله ورسوله ومع ديننا وعقيدتنا وانتمائنا ووطنيتنا وقوميتنا وصدقنا مع الآخرين ومع أنفسنا ولهذا كان الكذب كفيلا بزعزعة كل ذلك إذا ما حل واستحل وطغى واستفحل وبداية الكذب تكون منذ السنوات الأولى عند الطفل إذا لم يحسن تربيته وتهذيبه ونمى وترعرع في جو كل أيامه أول نيسان وكل ألوانه كذب أبيض وكل نواياه نوايا سليمة وصار كل ذلك نهج ومنهاج وأسلوب حياة .
وربما يحل بنا زمن في ما بعد يستحسن الناس فيه أن يجعلوا يوماً للسرقة والسلب والنهب ويوماً لشرب الخمر ويوماً يستحل فيه الزنا ويوماً للقتل ويوماً للخراب والدمار ويوماً للشتائم ويوماً للسخرية والاستهزاء ويوماً للغش والخداع ويوماً للقمار والمراهنات ……..
ألم يقل الشاعر فمن يهن يسهل الهوان عليه , ومن يكذب مرة يسهل عليه الكذب كل مرة , وبداية الانهيار في المبنى الأساسي هو حجر الزاوية والعمل على ضعضعة الشيء البسيط وبالتوالي والتكرار ينهار كل جدار .
ومهما كانت اللذة والمتعة في الكذب كما يظن البعض بدليل استحسانهم له والعمل بموجبه والحرص عليه فليس هناك أعظم من متعة الصدق ولو كان محرجاً أو صعباً فقد قال الشاعر :- الصدق في أقوالنا أقوى لنا والكذب في أفعالنا أفعى لنا
وقد نهى الله تعالى في كتابه الكريم عن الكذب في مواضع عديدة وكثيرة وفي سورة المرسلات تكرر الوعيد عشر مرات ( ويل يومئذ للمكذبين ) ووردت للمرة الحادية عشرة في سورة المطففين ونهانا عن الكذب في قوله تعالى بتذكيرنا بالأمم السابقة في سورة العنكبوت ( وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم )( الآية 18 ) .ء
وفي السنة النبوية الأحاديث الكثيرة التي تطرقت إلى النهي عن الكذب وتحري الصدق في القول والفعل والعمل حتى لا يكتب الكاذب الذي يداوم ويواظب عليه عند الله كذابا . وفي الحكم والأمثال العديد العديد التي نهت عن الكذب وعواقبه وعلى رأسها ( حبل الكذب قصير ) و ( الكذب داء والصدق دواء ).
من هنا ولذلك كان حري بنا أن نترك وندع ونرفض مثل هذه الأمور التي ما جاءت إلا لكي تشككنا في قيمنا ومبادئنا وعقيدتنا وتصور لنا صعوبة الحياة بدون كذب والشقاء الذي يحل بنا في صدقنا وتلون لنا سبل الحياة بألوان زاهية براقة سهلة ومربحة فيما إذا طاب لنا الكذب مع طيب ألوان الربيع وجماله البديع .
ومن هنا أيضاً كان من الأصح أن يقوم الناس طالما أنهم يستسيغون الكذب على مدار العام أن يخصصوا هذا اليوم للصدق ويعملوا جاهدين مجاهدين على توخي الصدق وعدم الكذب فيه حتى يخرجوا من روتين كذب كل أيام السنة وعلى أمل أن يغيروا ما بأنفسهم .حتى يستحقوا التغيير من عند الله .