موت عزيز

تاريخ النشر: 03/02/13 | 1:00

عندما حَملتُ قلمي لأكتب مقالي هذا والذي عنوانه (مَوتُ عزيز ) كانت الفكرة قد جالت في خاطري وكأني أتكلم عن مشاعري الخاصة بفقداني عزيز عليّ ، وفي أثناء الكتابة بدأت هذه الخواطر تتسع رويدا رويدا وإذا بها كنهر جارٍ وجارف ، لأن المعاني والمقاصد كثيرة وكبيرة في هذا العنوان .

كيف إذا فقد أحدنا زوجته التي يحبها ولم يستطع العيش دونها فعزف عن الزواج ، وفقدانه لهذا العزيز كان شغله ليلا ونهارا صباحا ومساءا ، فأفقده ذلك لذة العيش وكل ما تذكر ذلك زاده هذا الأمر عجزًا وشيبًا وبدأ الجسد بالنحيل والعيون من شدة البكاء تفقد الرؤيا وخارت قواه وكلما حدث حادث يشبه موتَ عزيزه يذكره ذلك بمصابه فصارت الحياة بالنسبة له ظلام على ظلام ، وهما على هم ، حتى أتت عليه لحظة أفقدته عقله فصار يجوب الحارات لا يفرق بين الساعات إن كانت صباحا أو مساءً ، ولا يعرف الأوقات إن كانت ليلا أو نهارا فنسي نفسه حتى أصبح لا يعرف الماء كيف يستحم لتفوح منه رائحةٌ كريهةٌ وشعرُ رأسه يتدلى على كتفيه وتظهر صورة هذا الإنسان كأنه شبه حيوان يتصرف دون مبالاة لا يقي نفسه حر الصيف ولا برد الشتاء ، ينام على الرصيف ويدور في الشوارع يشحت الرغيف ولا يبالي أن يقضي حاجته أمام الناس وكل ذلك لأنه فقد عزيز، وفقد عقله .

من منا محصن من ذلك ومن منا إذا حاصرته الأقدار يحيد عن ذلك المسار ؟؟!!!

عندما تخيلت ذلك وجال هذا الأمر في خاطري كانت دمعتي تنزل على الكلمات التي يخطها قلمي بحبره فتبللها فتخطلت الحروف بعضها بعضا فتذهب المعاني فأعود الى كتابتها مرة ثانية .

ولا يقتصر فقدان أو موت عزيز على المرأة فقط ، فقد يكون نجلا لك أتى بعد عشرة من البنات وأخذ لك سنينًا تنتظرُ مجيئه لهذا الصبي الذي سيحمل لك اسمك ووليُ عهدك وكبر هذا المولود حتى بلغ الشباب ونال من الدلال ما نال وكان كل شيء آتيه في الحال وكل طلب له لا يدخل قاموس المحال فاشترى له والده عربة آخر موديل وأغلى ماركة فكان ما كان من حسد أصحابه وجيرانه ومعارفه وعند شرائها ركبها وصار يجول بها في الشوارع وكلما مر بمعارفه ورفاقه فتح زامورها فانتبه القاصي والداني وكانت النظرات ما بين حاسدة وممتعضة .

فقرر هذا الصبي أن يقوم برحلة الى أحد المنتجعات ليصطحب بعض رفاقه معه وهنا وفجأة جاء الخبر التعيس مات الصبي في حادث فكان صداه على السمع أثقل من صواعق السماء وزلزال الأرض ليستقبل الوالد وزوجته وبناته العشر هذا الخبر فانهار الوالد وسقط على الأرض مغشيا عليه وسقطت الأم في نواحها وبكائها لتفقد عقلها وصار الهذيان سلوكها ونحل جسدها ولزمت فراشها فغرقت في عزائها وحزنها فتساوى ليلها ونهارها ولم يطل الأمر فرحلت بعده بأشهر قليلة متعلقة روحها بروحه ، فقد فقدت عزيز ولم تصبر على فراقه فكان المصاب كبير .

وبدأ ملك الموت يطوف حول هذه العائلة فخارت قوة الوالد وطرح الفراش وسكت لسانه عن الكلام ، وراحت عيونه تعبر عما هو فيه من حزن وآلام تفيض بالدمع على الخدين دون كلام . وفي صبيحة يوم فاضت روحه الى باريها ، فبكته العيون وتحدثت عنه الألسن قائلة حقا إنه المصاب لذا عندما نعود الى حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :" لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا وضحكتم قليلا" فساعة فرح تقابلها ساعات من الأحزان .

وذاك الرجل الذي كان يملك ثروة يبذرها يمينا ثم شمالا يجوب الأرض متنقلا من بلد الى بلد ومن دولة الى دولة كان في نغنغة من العيش مثالية نساء حسب الطلب وفنادق قبضات أبواب غرفها من ذهب ، وحتى حمامتها من رخام عجب ، وسرير لا ينام عليه إلا من يملك المال وذا سعة لا يدري كيف يحصيه .

وفي ذات يوم قام من نومه مبكرا ودخل الحمام الساونا وخلع ملابسه ليهنأ من بخارها ويجدد نشاطه ليبدأ بيوم جديد ومتاع اعتاد عليه وإذا بالهاتف يرن تقول له موظفة الفندق يا سيدي لك مكالمة خارجية تفضل الخط مفتوح ، وجاء الخبر الذي لم يكن يتوقعه أبدا ولم يكن في حسبانه على الإطلاق ، الخبر المفاجئ أن بعض الجناة حرقوا مخازنه وبيته واشتعل البيت بما فيه وفقد ماله وولده وزوجته وأن الحال أسوأ مما قيل ويقال !!!

نسي الرجل أنه عار الجسد خرج من حمامه يركض ولا يدري إلى أين في فندق نزلاءه من الأكابر ورجال الأعمال الكبار ، فصار يركض عاريا في ممرات الفندق وهو يصرخ بأعلى صوته لا يدري ماذا يقول فقام أحد الموظفين في الفندق بإبلاغ الشرطة التي حضرت على الفور وأمسكت بالرجل وجيئ بسيارة إسعاف وقام الطبيب بحقن الرجل ويُسَفّر على متن طائرة متوجهة وطنه يرافقه بعضا من الشرطة وطبيب .

ويصل أرض الوطن فاقد الوعي دون حراك ، ليفقد الرجل كل عزيز وغالي إليه من ولد وزوجة ومال ونعمة لا تحصى ، ليبقى على هذا الحال طريح الفراش سنين طويلة ليموت بعدها فعليا بعد أن مات سريريا !!!

يا لها من دنيا طوت أعظم الرجال وكل من داس على ظهرها بكبرياء وخيال فلم يستطيعوا خرقها ولم يستطيعوا أن يبلغوا الجبال طولا ، فقدوا كل شيء وكل عزيز في ظروف شتى وحالات عدة "لا يبقى على هو إلا هو" ، ففقدان عزيز سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلا ، فالكل في يوم من الأيام ما دب عليها من دابة إلا وسيرحل لا محالة ، ويرحل دون أدنى شك مهما طال العمر وزهت له الأيام والدنيا ، وعاش في نعيم أو لم يعش فوالله إنه الإنذار ، كونوا على استعداد دائما فإنا كلنا راحلون وإلى ربنا منقلبون وبين يديه محاسبون . فنسأل الله العفو والسلام ، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور .

ملاحظة: إن كل ما ذكرته في هذا المقال حصل ووقع ولكني أخذت ملخص هذه القصص لتكون لنا جميعا عبرة وتجاوزت الاسماء والمكان …

والله ولي التوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة