المقاعد الفردية اختبار لشعبية الشخصيات العامة
تاريخ النشر: 24/05/15 | 9:11ان هناك اتصالات بالأحزاب والقوي غير الحزبية لبدء مشاورات جديدة وتشكيل قائمة انتخابية ومطالبا من جميع الشخصيات العامة اختبار شعبيتها بالترشح علي المقاعد الفردية. لأنة سيتم وضع معايير محايدة للاختيار تمنح الفرصة لفئات التمييز الايجابي بالأساس والحد من مشاركة الشخصيات العامة حتى لا تطغي علي القوائم لتفسح المجال أمام الفئات المستثناة ومن يري نفسه الشعبية والزعامة والقيادة من الشخصيات العامة فيمكنه أن يترشح علي المقاعد الفردية لنري شعبيته وقدراته الحقيقية.
طوال الستين عاماً الماضية احتكرت مؤسسة الرئاسة سلطة تعيين وتغيير الحكومة ووزرائها، في ظل دور استشاري للبرلمان المصري بمختلف أشكاله وتطوراته عبر العصور المتتالية، والذي سيطر عليه حزب الرئيس، بداية من هيئة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وصولاً لحزب مصر العربي الاشتراكي والحزب الوطني الديمقراطي المنحل في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، واستمراره في ظل الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.
أتي الرئيس المعزول محمد مرسي ليستمر في نفس الممارسات، مكتفياً بتغيير المسميات، فحاول استبدال الحزب الوطني المنحل بحزب الحرية والعدالة – الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين – متناسياً أنه أتي بعد ثورة شعبية رافضة لتلك الممارسات الاستبدادية. طوال تلك المدة عرفت مصر حزب الحكومة، ولكنها لم تعرف حكومة الحزب، فهل تتمكن الأحزاب المصرية في ظل الدستور الجديد، مدعومة بأصوات الناخبين المصريين، من تغيير تلك الصورة، لتأتي بحكومتها ووزرائها في ظل الاستحقاق البرلماني القادم لخارطة الطريق، أم تنحاز إرادة الناخبين بعيداً عن الأحزاب السياسية لصالح المستقلين.
ثلاثة أعوام من الثورة المصرية، عصفت بالمشهد السياسي أكثر من مرة، لتحمل في بدايتها أمال وطموحات ببناء نظام سياسي جديد، مما دفع بالعديد من القوي السياسية بتكوين أحزابها السياسية لتشارك في العملية الديمقراطية الوليدة، ليصل عدد الأحزاب المعلنة حتى الآن لأكثر من 90 حزباً سياسياً، ولكنها حملت في كثرتها تفتيتاً وتشظيا أكثر من كونه دعماً للمشهد السياسي المصري. ومثلت فترة حكم الإخوان، ومحاولتهم الإنفراد بالسلطة، بيئة مواتية للأحزاب السياسية، لتنحي خلافاتها جانباً، سواء المبنية علي أسس فكرية وأيديولوجية، أو تلك المرتبطة بطموحات شخصية، وخلافات قديمة، لتشكل جبهة موحدة، تحت مظلة 30 يونيو. قسمت 30 يونيو المشهد السياسي والحزبي المصري، في ناحية الغالبية العظمي من القوي السياسية والحزبية، ومن خلفها جماهير الشعب المصري، وفي الناحية الأخرى جماعة الإخوان المسلمين ومن أختار التحالف معها، مستندين إلى شرعيتهم المزعومة، والتي أنهاها خروج الشعب المصري ضدهم ومن بعده نجاح خارطة الطريق في عبور محطاتها المتتالية.
ومع عبور الاستحقاق الرئاسي، أنقسم تحالف 30 يونيو، ما بين داعم للرئيس عبد الفتاح السيسى، وداعم لمنافسه في الانتخابات الرئاسية التي جرت 26 و27 مايو الماضي، السيد حمدين صباحي.
ومع اقتراب خارطة الطريق من استحقاقها الأخير، الانتخابات البرلمانية، يترسخ الموقف السياسي، لتتشكل الخارطة السياسية المصرية، لتفرض تحالفات جديدة، ترسم خريطة البرلمان المصري القادم، المعبر عن شكل الشارع المصري بعد تفاعلات ثلاث أعوام منذ اندلاع الشرارة الأولي لثورته. أن الصراع السياسي لن يكون على أسماء أحزاب أو تحالفات لأنها ليس لها وجود في الشارع وسيكون على أسماء العائلات وعشائر وقبائل لان الانتخابات القادمة ستشهد عملية تبادل أدوار حيث أن الأحزاب هي التي ستتصارع لكسب مرشحين من العائلات والعشائر وليس المرشحين نفسهم نظرا لاعتماد المعركة القادمة على الشعبية الواسعة وسط العائلات وليس ثقل حزب معين.
إن الانفتاح على الآخرين، وتعزيز مقومات الديمقراطية، من شأنه أن يؤدي إلى حالة من “توازن القوى” اللازم على المسرح السياسي بما يكفي لوصول تجربة الانتقال إلى شواطئ مستقرة وهادئة. وهذا من شأنه أن يمنح التجربة التونسية علامة (صح) كبيرة. أما التخلف عن ذلك أو الفشل فيه فإن من شأنه أن يستفز القوى الأخرى، وأن يدفع تونس من جديد إلى مرحلة من الاختلالات والصراع الذي يستهدف خلق حالة جديدة من “التوازن” على المسرح السياسي، تعتمد آلية “الصراع والعنف” بدلا من “المنافسة السلمية”.
إن هذه الاختبارات الثلاثة، أو الحواجز الثلاثة التي سيتعين على التجربة السياسية التونسية أن تتخطاها وأن تعبر منها إلى شواطئ الأمان، هي اختبارات متكاملة ومتلازمة، فالفشل في اختبار الديمقراطية من شأنه أن يعزز قوة التنظيمات المتطرفة والإرهاب الداخلي، وأن يجعل تونس مطمعا لقوى الإرهاب العالمي ولعدم الاستقرار الإقليمي. وهذا يعني أن تونس تستطيع أن تتجنب السقوط في الاختبارين الثاني والثالث عن طريق عبور الاختبار الأول بقوة وبنجاح فائق، وهو ما يعزز قوة الصد وقدرات الصمود الداخلي ضد مخاطر الإرهاب وتهديدات عدم الاستقرار الإقليمي. إن نشوة النصر لا يجب أن تجعلنا نغيب عن الاستعداد للتحديات المقبلة، هكذا علمتنا التجربة في ميدان التحرير، عندما غلبت نشوة النصر بإسقاط مبارك على الاستعداد لمرحلة ما بعد مبارك، فكان “الارتباك” الذي تعرضت له التجربة المصرية. ويبدو أن الأحزاب لا تتفق إلا على شيء واحد هو الالتفاف حول رئيس الدولة بسبب شعبيته الكبيرة، مقارنة بعشرات الأحزاب التي لا يعرفها أحد، بمن في ذلك عائلات مَنْ لقوا حتفهم خلال أحداث ثورتي يناير ويونيو، مثل السيدة فاطمة التي تدير محلا صغيرا لبيع الخضراوات والدجاج في شارع العروبة، خلف برج القانونيين قرب كورنيش المعادي بجنوب القاهرة.
أن العائلات المصرية التي تمثل العمود الفقري للانتخابات النيابية ما زالت تدعم السيسى وتوجهاته، منذ أن نزلت هذه العائلات للشارع في 30 يونيو ضد الإخوان، ومنذ أن نزلت لانتخابه للرئاسة وفي الاستفتاء على الدستور. ويتوقع أيضا أن تتلاشى عشرات الأحزاب بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
«كل الأحزاب التي تراها الآن على الساحة ستذوب وتنتهي وتتبخر. وكل حزب لن يكون له موضع قدم في البرلمان المقبل سيكون كأنه كتب شهادة وفاته.. ومن لن يدخل في الحزب المزمع سينضم للحزب المعارض لكي تدخل مصر في مرحلة الحزبين الكبيرين».
لان غالبية الأحزاب الموجودة في مصر ليست أحزابا في الأساس.. أي حزب يفترض أن يعمل مع القواعد الشعبية من أجل السعي للوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، لكن في الحالة المصرية يبدو أن أكثر الأحزاب تقتصر على محاولات لإرضاء أصحاب المصالح وتحقيق المكاسب الوقتية دون الأخذ في الاعتبار الجانب المؤسسي والسياسي الذي يعتمد على الجماهير. لان هذا الأمر للأسف «غير موجود»، أن الوحيد الذي كان يقدم نفسه للجماهير كحزب هم الجماعات الدينية المتشددة التي انخدع فيها الشعب بعد تجربة سنة في البرلمان وحكم الدولة أيام مرسي. بأنه يوجد فيه ارتباك كبير..
«ارتباك في التحالفات الانتخابية. لم نلاحظ أي استقرار على أي تحالف حتى الآن، رغم أنه جرى الإعلان عن تحالفات بالفعل، إلا أن معظمها عاد وتفكك من جديد ليأخذ أشكالا أخرى من التحالفات المغايرة المرشحة للانقسام مجددا».جزء من تميز هذه الانتخابات هو فى اشتمالها على منافسة قوية بين أحزاب متنوعة فكريا وإيديولوجيا وشعبيا، ولكل منها فرصة فى التحرك فى أي اتجاه وفقا لقدراتها الذاتية، فضلا عن كونها جميعا بعيدة عن السلطة، واختفاء الحزب المهيمن سياسيا، وحيادية أجهزة الدولة لاسيما الإعلام.
الدكتور عادل عامر