لِماذا يا هذا 18 – بعنوان: شُكراً وأخواتُها
تاريخ النشر: 03/02/13 | 0:00
في تعامُلاتنا الحياتيّة، وفي صخب الحياة وضجيجها، واللهث وراء المادة وجمعِها، أغفلنا وقع الكلمات وصداها، ونسينا أنّ حُسن التعامُل مع الآخرين وتعليمه لأبنائنا وصغارنا هوُ في الواقع أمر في غاية الأهميّة؛ لهُ تأثيره وانعكاساته الإيجابيّة الفعّالة في تكوين شخصياتهم مستقبلاً؛ إضافة إلى تكوين علاقات حسنة بين أبناء المُجتمع ككُلّ.
شعور التعاطُف مع المُختلِف، والتعبير عن الامتنان ولو بكلمة شُكر صادقة، والتحدّث بلباقة وأدب، والاعتذار عن الخطأ، هي ثقافات راقية تندرج تحت حُسن التعامُل مع الآخرين الذي أوصانا به الله عزّ وجلّ وأشار إليه نبيّنا، صلّى الله عليه وسلّم، من بعده…
كلمة شُكراً، من فضلكَ، لو سمحت، آسف!… كلمات دافِئة؛ نحبّ سماعها! كلمات لطيفة رقيقة؛ لها دومًا تأثيرها السحريّ على نفوس البشر، مع اختلاف أعمارهم، وأوضاعهم، ومكاناتهم الاجتماعية، وهي لا تتحدّث إلاّ بنُبل أخلاق من بثَّها!
لماذا لا نسعى جاهدين إلى ترسيخ هذه الثقافة المُحبّبة في أولادنا؟ لماذا لا نكون مَثلَهم الأعلى في مثل هذه التصرّفات الراقية؟
في العائلة الصغيرة كلمة الشُكر من زوجٍ لزوجته أو زوجة لزوجها لها تأثيرٌ سحريٌّ مشرق؛ حتّى تلك الأمور التي تُرى روتينية في حياتهما؛ قد تزيد من التقارُب والتآلف والاحترام بينهما، وتُعمّق الرباط الزوجيّ المُقدّس.
لِماذا لا يعتاد الأهل، أيضًا، على استخدام تلك الثقافة مع صغارهم؟ لماذا يضيّقون تعبيرهم عن رضاهم حول بعض تصرفاتهم الذهبيّة أو محبتهم بإرسال الهدايا فقط. أليست لتلك الكلمات الدافئة نسائم عزٍّ تجعلهم يدركون قيمة التزام آبائهم بهذه المبادئ الأخلاقية؟ أليس بمقدورها أن تصبح من الطباع الراسخة في نفوسهم البريئة؛ فيترعرعوا بها؟
انظر إلى كلمات الثناء والتقدير التي يبثّها مدير العمل إلى موظفيه مثلاً؛ أليست بمثابة الحافز لمزيد من العطاء والإخلاص والتفاني؛ حتّى لأقلّ الموظفين التزامًا؟!
لماذا لا نُعبّر عن شُكرنا وشعورنا بالتقدير والاحترام؛ لمَن يُؤدّون لنا الخدمات من مُعلّم، وبائعٍ، وساعي بريد، وعامل نظافة، وسائق أجرة…؟ ألم ندرك بعد أثرَ كلمة الشُكر فيهم، أليست لفتة كريمة راقية تُشعرهم بقيمتهم ووجودهم؛ في ظلّ ما يُصادفهم من تعبٍ ومشقّةٍ؟ أنسينا قول الرسول عليه الصلاة والسلام:"الكلمة الطيّبة صدقة"؟
لماذا لا يكون تصرفنا السّويّ؛ كمربين وآباء وأمهات منارة نور تُرسل نسائج بريقها إلى أبنائنا، لتُساهم في تأصيل مثل هذه العادة الحميدة والثقافة الراقية في نفوسهم؟
وفي هذا المقام أذكّركم بكلمات من المولى تناغم ما ذكرتُ بأسلوب بلاغيّ رائع:﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) ﴾[سورة إبراهيم الآية:24-25].
حبّذا لو زيّنّا أحاديثنا بتلك الكلمات الطيّبة؛ لتنعكس تلك الثقافة بالخير على أمتنا، فنزرع بها حدائق الشجر الطيّب…!!
حوادث كثيرة تمرّ أمامنا، أو نشاهدها بعين مترقّبة، أو نشترك فيها….
وننسى أنّ الحلّ قد يكون “كلمة” تخرج من الأعماق…
شكرًا لكِ يا كاتبة الكلمة الأصيلة؛ فكلماتك تبثّ نسائم الأمل، وترشد التائهين إلى مسالك النور المشرق….
دمت بكلّ خير، وإلى أمام منير….