مقابلة 2 مع الأديبة منى زيداني حول الكتابة الإبداعية
تاريخ النشر: 03/02/13 | 8:00مقابلة مع الشاعرة والأديبة الفلسطينية منى عادل ظاهر زيداني من الناصرة (1975)
القسم الثاني من المقابلة : (أسئلة حول الكتابة والابداع)
1. ماذا يجعلك تكتبين عن القضايا البارزة في ابداعك الأدبي؟
كما ذكرت فإنّ المبدع الحقيقيّ غير منفصل عن قضايا وهموم وآمال شعبه لأنّه جزء من هذا الشّعب، لكن كلُّ له أسلوبه في طرح هذه القيم ومن هنا فإنّه ينزاح إلى الإبداع شعرًا ونثرًا أو أيّ جنس أدبيّ آخر. ولا بدّ من التّنويه إلى أنّّه ما تميّز من تجارب الشّعر الماضية والحاضرة هو ما جاء بتماسّه الحقيقيّ مع الهمّ الإنسانيّ والعربيّ وارتكز على شعريّة اللغة والأسلوب الفنّيّ المرتبط بالمضمون. من هنا يمكن أن نتتبّع الصّدق الفنّيّ والمرجعيّة الواقعيّة للنّصّ الأدبيّ والّتي تتكشّف بعد تجربة مختمرة تتأتّى من تذويت في لبّ المبدع باشتغال متمرّس وذكيّ. هذا وأعتقد أنّه حان الأوان لأن نعيد النّظر في كلّ ما نعنيه حين نطلق أحكامنا سواء على النّظريات أو على الموجود. وحان الوقت أيضًا لأن نعيد النّظر في كلّ الثّوابت ولو تلك الّتي تبدو مسلّمة وبديهيّة، بمعنى أنّه علينا إعادة النّظر في المسلّمات الرّسميّة المجتمعيّة والمنعكسة في التّجربة الإبداعيّة النّصّيّة . معنى الكتابة: ما يخطرني هنا هو الحديث عن ما يمكن أن أسمّيه بـ "إستهلال الكتابة": ولا بدّ لي أن أقتبس مقولات مهمّة بهذا الصّدد: "لن تلمسَ سوى الأشياء الّتي استطعتَ تخيّلها"- مقولة قديمة. "إنّ شقاء التّجديد المتعثِّر أَفضل من سعادة التّقليد المتحجّر"- الشّاعر الفلسطينيّ محمود درويش. وكما أرى فإنّ الكتابة ومسؤوليّتها هي بحدّ ذاتها مقاومة، وكما تقول نوال السّعداويّ: أكتب لأقاوم الموت. وهي وسيلة للثّورة أيضًا، وكما قال الشّاعر نزار قبّاني "قومي، إنفعلي، إنفجري لا تقفي مثل المسمار". عندي الكتابة هي تحليق الرّغبة.. هي مرحلة اللذّة في الهذيان، هي الكلامُ الجديدُ، الوطنُ الغرامُ. إضافة لما ذكرت فقد يكون للجينات دور في هذه المقاومة الّتي أجدها منبثقة من اختيار التّعبير عن دواخلنا. لماذا الكتابة؟ لأنّها الّتي توصل اللاواعي مع الواعي… هي سيمفونيّة الإنسان الوسيط الخارج من السّرب، الّذي يريد لنصّه أن يبقى مفتوحًا على قراءات متواصلة، هو النّصّ المحمّل والمشحون شعوريًّا ولا شعوريًّا بمجموع رؤى الشّاعر/الكاتب وتجاربه وثقافاته. وأقول: تُوضَعُ الحدودُ لِنتذوَّقَ طعْمَ اختِراقِها وتلتقِي أحداثُ الأزمِنَةِ في تحليقِ المبدع والمبدعة. عندما تكتب أنت تمارس الحياة وترقص جنونًا، أنت تخلق عوالم طبيعة ومرايا ملوّنة، أنت ترسم خطوط أجنحة الفراشة. وقد يكون هدف الكتابة أيضًا التّفريغ من أجل إعادة البلورة والخلق. أو أنّها الإلتفات للهامشيّ اليوميّ بأسلوب مغاير مستوقف لتحمله في غرائبيّة هذا الوجود. أظنّ بأنّ المكوّنات الّتي تخلق الشّاعر/ة أوالكاتب/ة، هي مكوّنات تنتمي بانحياز حادّ للطّبيعة، لجينات بيولوجيّة وروحيّة لعوالم خاصّة فيّ، ولطبيعة فيها من الشّراسة والتّمرّد اللاواعي لتكون خارج السّرب، لتغرّد بأسلوبها الخاصّ. وتخطّ طريقًا فردانيًّا يميّزها عن غيرها.. الكتابة هي التّعبير الجوّانيّ عن الأعماق وعن رؤية للعالم وعلاقتها مع الأشياء والآخر دون ابتذال، بلّْ بكلّ الشّفافيّة والتّحليق. الكتابة عندي هي ولع الليلك/ الشّعر خارج قوانين الكتابة التّقليديّة، هي الخارجة من دفاتر الرّوح والوجدان. الكتابة اللا تقبل المساومة، هي بداية منبعثة من الحفر والنّقش في الذّات غير المنفصلة عن البيئة والعالم، بمعنى أنّ الكتابة ليست آتية من فراغ. لكن قد تكون من عوالمي الّتي أكتب منها/ خلالها مختلفة: حلميّة/ عشقيّة/ علائقيّة بين الواعي واللاواعي/ منبثقة من واقع تتجاوزه لتفكّكه وتعيد تشكيله من جديد. أنا أتحدّث هنا عن الشّاعر أو الكاتب الّذي يملك رؤية خاصّة للعالم، الّذي يؤسّس لعلاقات خاصّة بين لغته والأشياء والّذي يؤسّس لتقنيّة فنيّة وجماليّة خاصّة أو لغة شعريّة خاصّة.
2. الا تخافين من الكتابة حول موضوعات مثل الجنسوية، النسوية، مضامين وأساليب فنية خاصة لكتابة نساء؟ في حالة أن إجابتك ايجابية، هل كتابتك هذه لا تتنافى مع رسالتك ككاتبة عليها أن تكتب عن الاحتلال وعن القضية الفلسطينية؟ في حالة أن إجابتك سلبية، أي أنك تخافين الكتابة عن موضوعات لها علاقة بالجندرية، كيف تعيشين بأمن مع نفسك كامرأة؟
الكتابة الحقيقيّة هي التّمرّد الجريء بلا شكّ، كائناتك/ أعمالك الأدبيّة هي عوالم يتمرّد أفرادها لتشكيل أوسع وأرقى، ويتأتّى ذلك بأناة واشتغال فردانيّ قادم بلا منازع من بدئيّة خالصة ومن وعي يتصاعد لكلّ مركّبات الوجود، بما فيها من التّجارب المعرفيّة والحياتيّة والإنسانيّة، الّتي بحفرها الدّؤوب من شأنها أن تصقل وتنمّي وتطوّر من نسغ وحشيّ متألّق بعتمته الجوّانيّة. ولا بدّ لي أن أقتبس مقولة الفيلسوف الألماني نيتشه: "إذا أردت أن تجني من الوجود أسمى ما فيه، فعِش في خطر". لا تابوات في الكتابة إلاّ قوانيني أنا الكاتبة المبدعة الحقيقيّة رغم شقاء ما سيكون. كتابتي تمرّ بماكينة حفر جوّانيّة غير منفصلة عن واقع هذا الوجود بما ينعكس من وعي جماليّ وتخييليّ لديّ. ونصّي بلا شكّ مارّ بمسار وعر وشائك وشائق من أوّل، هو مسار تطوّر وبحث ونقش واشتغال متواصل وتحدّ للوصول للعناصر الأوّليّة الّتي تشعّ عميقًا في النّفس والكينونة. عندي الكتابة هي تحليق الرّغبة.. هي مرحلة اللذّة في الهذيان، هي الكلامُ الجديدُ، الوطنُ الغرامُ المتأتّي بلا شكّ من عناد تكنوقراطيّ (فيه اللاواعي والواعي منشبكان معًا ومذوّتان). إضافة لما ذكرت فقد يكون للجينات دور في هذه المقاومة الّتي أجدها منبثقة من اختيار التّعبير عن دواخلنا. هو النّصّ المحمّل والمشحون شعوريًّا ولا شعوريًّا بمجموع رؤاي وتجاربي ومجموع ثقافاتي.
3. ما هي الشخصية الاكثر انتشارا في كتابتك؟ الشخصية المستديرة أم الشخصية المسطحة؟ لماذا؟
أسعى ككاتبة لسبر أغوار النّفس والحفر فيها أكثر، لهذا فالأهمّيّة عندي هي في دواخل الشّخصيّة، حيث صراعاتها النّفسيّة الدّاخليّة ومشاعرها الدّفينة، وبذلك أكون أسعى للاقتراب من الذّات البشريّة الّتي تعايش شرذمتها الجوّانيّة. هذا ولا بدّ من الالتفات إلى أنّني أرتكز على الاشتغال على بواطن شخصيّة المرأة المركّبة في النّصّ الّّي اكتبه مهما كان تجنيسه. علمًا بأنّ الكاتب والكاتبة يسعيان لتشكيل شخصيّات فعّالة في النّصّ الأدبيّ، لتكون أكثر إقناعًا ومتساوقة مع نفسها، وهي قابلة للصّراع والاحتكاك مع نفسها أو مع شخصيّات أخرى. ويتأتّى تميّز الشّخصيّة في هذه الرّواية والإحساس بقيمتها من خلال ما يسبغه عليه المبدع والمبدعة من مكاشفة وشفافيّة، ومعاناة صادقة، واستشعارٍ لما يحيط بها ومقدرة على التّعبير عن ذاتها في كلّ ما يحيط بها أيضًا من خراب وبؤس ونزعات داخليّة وخارجيّة، وهذا يتّفق مع ما يذكره محمّد قرانيا عن شروط نجاح الشّخصيّة في الرّواية في كتابه السّتائر المخمليّة: الملامح الأنثويّة في الرّواية السّوريّة حتّى عام 2000، الصّادر عن اتّحاد الكتّاب العرب في دمشق 2004.
4. ما هو اللون الذي يطغى على كتابتك وماذا يميز كتابتك من كتابة نساء فلسطينيات أخريات يعشن في اسرائيل؟
أترك إجابتي هذه للنّقّاد والدّارسين والدّارسات، لكن ما يحضرني هنا هو أنّني أبني هويّتي الكتابيّة وفردانيّتي الإبداعيّة من خلالي أنا- مضمونًا وأسلوبًا وشكلا.. وحاليّا أنتمي في هذه المرحلة للتّجريب الواسع. ولا أنكر أو أنفي أنّ الكاتب كما الإنسان متأثّر وامتداد لمن سبقه.. لكنّه يبحث عن فضائه الشّخصيّ وسط الخضمّ الكبير من المبدعين والمبدعات في العالم العربيّ والغربيّ. والإطّلاع قراءة وتجربة على إبداع وثقافة الآخر مهمّ في هذه الرّحلة الإبداعيّة الطّويلة الممتعة والشّاقة ليتجاوز ما هو موجود ولييبحث عن المعادن الجوّانيّة الدّفينة فيه. حاليًّا أنا أضع اللمسات الأخيرة على تجربتي الكتابيّة الجديدة "يوميّات شفق الزّغلول: 2006-2010"، الّتي بدأت بكتابتها من حرب تمّوز 2006، مرورًا واسترجاعًا بالذّاكرة الجمعيّة والفرديّة إنسانيّا ونفسيًّا وبالمكان هنا حيث الدّاخل الفلسطينيّ وبأرض فلسطين وما يمرّ عليها من أحداث، كلّ ذلك بتصوير مشاهد متنقّلة ومتراكمة من قبل النّكبة وحتّى يومنا هذا. في هذه التّجربة أنا أكتب نصًّا بملامح الإنسان في الدّاخل الفلسطينيّ، وفي المنفى قسرًا وفي الأراضي المنتفضة للآن، مع إطلالة على الآخَر أينما وجد. هذه الملامح تصوّر وتكشف وتطرح تساؤلات وتضع علامات استفهام على القارىء الحصيف أن يتتبّعها ويتأمّل فيها ويفكّر. في هذه التّجربة أنا أكتب نصًّا مختلفًا سيضفي جديدًا على محطّات مسيرتي الإبداعيّة.. أنا فخورة بما أنجزه حاليًّا لأنّه سيكون بصمة وإشارة أخلِِصُ فيها لتاريخ المنطقة الّتي أنتمي إليها وهي مسؤوليّة كبيرة وخطرة ومهمّة.. سأعمل بجدٍّ من أجل أن أنجزها بصورة وأبعاد جديدة، سيكتشفها القارىء والقارئة لاحقًا.
5. ماذا يوجد في الكتابة وفي الحياة ينعكس في كتابة الرجال لكنه في كتابة النساء ينعكس بشكل مختلف؟ الى أي أسباب تنسبين ذلك؟ ما هو الفرق بين مجموعاتك الشعرية وما الفرق في كتابتك عن "جانرات ג'אנרים" مختلفة؟
لا زالت هناك تحفّظات مجتمعيّة من مواضيع قد تتطرّق إليها المرأة الكاتبة خصوصًا، منها خلخلة تابو الجسد والتّعبير عن نفسها وعن حرّيّتها وعن حقّها على جسدها، والحديث عن مشاعرها وبالأخصّ مشاعر الحبّ والعشق والحميميّة الّتي هي أسمى مشاعر الذّات الإنسانيّة. وقد تصل هذه التّحفّظات إلى منع عامٍّ يمكن أن يصل إلى منع رسميّ، يؤدّي إلى عدم نشر أو توزيع العمل الإبداعيّ. ومع ذلك فإنّ المرأة، برغم كلّ الصّعوبات، نجحت في أن توصل إبداعها في العالم كلّه، ولا يخفى علينا أسماء نساء لمعت نصوصهنّ عربيّا وأجنبيًّا. ومن المهم الالتفات هنا إلى أنّ توظيف جسد المرأة في الأدب ليس هدفه الإثارة بقدر ما أنّه مرتبط بمصطلح التّذويت النّسائيّ الّذي بادر إليه النّاقد والأديب المغربيّ محمّد برّادة، والمقصود بهذا المصطلح: صوت الأنثى المنسيّ كذات فرديّة حيث حضور بوحها وحواسّها وقلقها وأسرارها وأسئلتها، المرأة الّتي تقول نفسها بنفسها دونما حاجة إلى الصّورة النّمطيّة الّتي كوّنها عنها المجتمع الذّكوريّ. في التّذويت تنكشف كينونة الأنثى على نفسها وتفصح عن رؤيتها لذاتها والعالم، ولأجل هذا المبتغى تسلك طرائقها الخاصّة في التّعبير بأشكال وتفاصيل وأساليب ورموز وصور واستعارات ذات قيمة جماليّة متفرّدة ومضافة في آن. ولا يعني الأمر هنا بتاتًا الإقرار بها ككتابة نسائيّة نقيضة لكتابة الرّجل أو منفصلة عنه قطعًا، بل هو التّأكيد على خصوصيّة عوالمها، تلك الخصوصيّة الاجتماعيّة والفيزيقيّة والتّاريخيّة الّتي تضمن لها الإبداع باتّجاه أفق مغاير يستوحي ويشكّل عوالم لطالما لفّها الصّمت وحجَبَها النّسيان، ومن ثمّة نظرتها للصّراع داخل المجتمع الذّكوريّ والأبويّ.
6. كيف تصفين المرأة في شعرك؟ وما هي ماهية العلاقة بين المرأة والرجل التي تحاولين أن تعرضي في قصائدك؟
غالبًا ما أكتب لذاكَ الرّجل الّذي يقِفُ على مفتَرَقِ المستحيل وطريقُهُ على حافةِ الواقع.. أكتب للرّجل الّذي هو الوطن، الحبيب، الصّديق والرّفيق. أيضًا نصوصي تحاول أن تخلخل منظومة الرّجل الشّرقيّ المتسلّط وتلك المرأة المنقادة- تلك العلاقة الّتي يكون فيها الرّجل هو الفاعل- هو تلك القوى المحرّكة، وهي المرأة المتلقّية- هي تلك القوى السّاكنة. تتمرّد نصوصي لتكون فيها المرأة هي الفاعلة أيضًا.. المتحدّية، الجريئة المقرّرة والّتي توازن في معادلات القوى بينها والرّجل، لتضحى العلاقة بين الرّجل والمرأة هي تلك العلاقة المساندة والدّاعمة لبعضهما البعض، والمتعلّق أحدهما بالآخر. نصوصي كذلك تعبّر عن علاقة المرأة بالرّجل ومعهما يتفجّر الوطن والإنسان وكومة الخيبات بلغة العشق الأبديّة.. هذا وإنّ الحبّ بين الرّجل والمرأة عندي هو تحدٍّ فكريّ وفنّيّ وليس مجرّد عاطفة، وأنّ السّماء تصنع الحبّ لتستهلكه الأرض. وهو بؤرة تتلاقى فيها أشعّة الوجود الإنسانيّ، إذ أنّه لم يعد مجرّد نزوة أو عاطفة أو انفعالات، بل هو فعل وكينونة. العلاقة بين رجُلي وامرأتي هي تلك الفترة الهاربة من الزّمن، فيها التّخلّي عن الصّراع الوحشيّ من أجل المغانم والمكاسب المادّيّة لأجل الاستمتاع بالمشاعر النّقيّة والانفعالات العفويّة المخلصة. وهذا يذكّرني بقول سيمون دي بوفوار": إنّنا حين نحبّ الغير حبًّاً حقيقيًّا، فإنّنا نحبّه في غيريّته، وفي صميم تلك الحرّيّة الّتي بمقتضاها يندّ عنّا أو يفلت منّا. فالحبّ إذن عدول عن كلّ امتلاك، وكلّ امتزاج، وكأنّنا نتخلّى عن وجودنا كي يوجد ذلك الموجود الّذي لسنا نحن إيّاه". والمرأة هي المرأة الحقيقيّة الّتي تعكس للرّجل ما هو عليه في قرارة وجوده. والمرأة هنا تحبّ الرّجل كما يحبّ نفسه تمامًا، هي وحدها الّتي تمنح حياته معنى يحقّق من خلاله وجوده، ويستطيع به أن يواجه الزّمن والأيّام. في نصوصي تجد المرأة أيضًا تتلذّذ بنار الحبّ وهي تلعب دور البطولة فيها. وأنّ البداية في الحبّ، وحدها ممتعة، لذا فإنّها لا تنفكّ تبدأ من جديد.. ولأنّ الرّوح موزّعة بين سحر الجمال والنّشوة ، فإنّ المرأة عندي تعمد إلى الحبيب بجميع جوارحها وطاقاتها، وتضطرم طاقاتها الحسّيّة فتجهد نفسها لالتقاط المعاني وابتكار الصّور، وهي تتوجّه إلى الرّجل الحبيب توجّه الفنان ترسم الصّورة كما تشتهي وكما تتخيّل، وكما يملي عليها ظمأها إلى المفاتن، إلى الجمال الّذي تصبّه في كأس راحها، وتطفئ به لظى روحها وروحه. إنّ تجربتي الكتابيّة تربط علاقة العاشقين أو الزّوجين أو الحبيبين بتقصّي حالة الفقد والوطن وآيات العشق والحلم. وتجيء على الصّفحات بلغة الجسد النّافر وكومة المشاعر المسترسلة.
7. نظرا للحقيقة أنه بعد أجيال طويلة عانت بها المرأة منعا، تقريبا بشكل كامل، دخول جميع مجالات الحياة، مثل منعها دخول الحياة الثقافية ومجال اللغة والأدب العربي، وذلك حتى أمد غير بعيد. كيف ترين الأن رؤية المجتمع تجاه الأدب الذي تكتبه المرأة وانشغالها به؟
إنّ صورة شهرزاد الرّاوية والكاتبة تتغيّر وتتجدّد وفق تطوّر رؤية المجتمع لها، وهذا وفق ما حملته الكاتبات من نبراس في علاقتهن بالكتابة شكلاً ومضمونًا. فنجد أنّ الكاتبات كتبن أعمالاً سياسيّة اجتماعيّة كونهنّ ايضًا مطّلعات أو ناشطات في السّياسة والمجتمع. ومن الملاحظ أنّ الكاتبة غير منفصلة عن واقع مجتمعها وما فيه أيضًا من عنف بكلّ أنواعه وأشكاله. وجاءت كتابات المرأة لتعكس هذا الواقع أو تسلّط الضّوء على ظواهر فيه وتنتقده. وجدير بالاهتمام أنّ كتابة المرأة غير منفصلة عن الأيديولوجيا وهمّ الوطن. هذا وقد لمعت أسماء كاتبات تميّزن بجرأتهنّ في تناول المواضيع الجنسيّة وتوظيفها في كتاباتهنّ بأسلوب فنّيّ متميّز. هذا ومن المهم الالتفات إلى أنّ المجتمع أحيانًا ينحصر اهتمامه واهتمام النّقد ايضًا في الحفاوة به أو انتقاد الجرأة في الجانب الاجتماعيّ الّذي تصوّره الكاتبة دون الالتفات إلى الجوانب الفنّيّة والاشتغال على شكل النّصّ ولغته كالتّكنيك السّرديّ ونفسيّة الشّخصيّات واللغة المستخدمة. مع العلم أنّ الأمرين غير منفصلين عن بعضهما، لأنّ الموضوع يحدّد الشّكل وهو مرتبطان معًا. هذا ووفق اطّلاعي فإنّ جزءًا من كتابة المرأة اندرج في الأدب المكتوب بمنظور نسويّ الّذي يناهض المجتمع الأبويّ إلى حدّ هجاء السّطوة الذّكوريّة، إذ أنّ الفكر النّسويّ يؤمن بتغيير الأدوار المجتمعيّة بين الرّجل والمرأة، وقد تأتي كتابات لتصوّر واقع المجتمع الرّاهن بتوظيف شخصيّات رجاليّة بمنحاها السّلبيّ القامع لأدوار المرأة، وهذا واقع موجود وليس مختلقًا.
8. هل تكثر المرأة من الكتابة عن ذاتها وعن حياتها الشخصية وهكذا فهي تنقص من قيمة كتابتها الأدبية كما يدّعي نقاد رجال في الأدب العربي الحديث؟
من الجليّ في إجاباتي هنا وأيضًا من خلال إجراء دراسة تعاقبيّة لتطوّر كتابة النّساء فإنّه يمكن الوقوف عند الحقيقة الّتي تقول أنّ المرأة الكاتبة نجحت بالتّعبير عن الهموم الاجتماعيّة والسّياسيّة العربيّة، وقد عبّرت عن كلّ الإشكاليّات والحوارات والتّداخلات الّتي تسود مجتمعها، وهذا يدحض التّهم الّتي ألصقت بالكتابة النّسائيّة كتهمة الانكفاء على الهمّ الخاصّ، هذا ومن المهم التّركّز بأنّه لا ضير من تصوير الهمّ الخاصّ للمرأة بخصوصيّته المختلفة عن خصوصيّة الرّجل. وهذا التّخصّص في الكتابة عن واقع المراة ومشاكلها وتخبّطاتها وأحلامها وحواراتها الدّاخليّة من شأنه أن يعطينا نموذجًا عن شريحة النّساء في المجتمع.
أجرى الحوار: الدكتور صالح يوسف أبو ليل
مقابلة جديرة بالاحترام.