المفكر الاسلامي جمال البنا.. ما احوجنا الى امثاله في هذا الزمن الصعب ..!
تاريخ النشر: 04/02/13 | 2:06في الاسبوع الماضي رحل عن عالمنا المفكر المصري الاسلامي المستنير، صاحب الافكار الجدلية والليبرالية التجديدية، جمال البنا، بعد حياة عريضة وواسعة زاخرة بالغوص في بطون الكتب الدينية والتراثية، وبالتأليف والكتابة والاجتهاد الديني، مخلفاً وراءه كماً هائلاً من المؤلفات والاعمال والابحاث والدراسات الفكرية والدينية، التي تقدم تجارب ومحاولات لفهم عصري للاسلام.
وجمال البنا هو شقيق حسن البنا مؤسس حركة الاخوان المسلمين في مصر، ولم يكن يوماً منتمياً لها، بل اختلف معها في الكثير من القضايا والامور الدينية والفقهية، وكان مثالاً يحتذى في الجرأة والشجاعة والعقلانية والاستنارة والتجديد والتحديث في الفقه الديني والانفتاح على الآخرين. وقد عاش عمره واقعياً وعقلانياً بعيداً عن التعصب والتشدد، صادقاً مع نفسه ومع عامة الشعب، وأثار بكتبه واجتهاداته وفتاواه ومحاولاته تحرير الفكر الديني وفك اسر الخطاب الاسلامي التقليدي من التزمت والتعصب، وتقديم رؤية جديدة للاسلام الثوري المتنور، استهجاناً وغضباً واستنكاراً من قبل الجماعات الوهابية والتيارات الدينية السلفية المنتمية للاسلاموفيا. ورأى في هذه الجماعات السلفية انها تنتمي الى ما قبل 700عام وتتجاهل كل ما اصاب المجتمع العربي الاسلامي في عصر الحداثة والتكنولوجيا، من تبدلات وتغيرات وتطورات عصرية، فاتهمه الوهابيون بالهرطقات والضلالات والخرافات.
والكتاب الاول الذي اصدره جمال البنا في العام 1945هو "ثلاث عقبات في الطريق الى المجد"، وبعدها اصدر كتاب "ديمقراطية جديدة " ثم توالت اعماله ومؤلفاته بالصدور حتى بلغت اكثر من 150 عملاً.
وجمال البنا في كل ما قدمه وطرحه في مجال الاجتهاد والتاويل يتابع ويواصل السير على خطى محمد عبده وزملائه من المفكرين والشيوخ المسلمين المتنورين، ويكمل ما بدأه الشيخ المفكر علي عبد الرازق في كتابه "الاسلام واصول الحكم"، وذلك بتقديم رؤية عقلانية وحداثية عصرية لاسلام نتويري تحرري قادر على التغيير ، ومتناغم مع روح العصر ومع قضايا التحرر الوطني.
ناقش جمال البنا جميع قضايا ومشكلات الاسلام في عصرنا الحديث، وحاول تقديم اجوبة وحلولاً دينية مستنيرة، ببصيرة نافذة، ووعي متوقد، وروح منفتحة متسامحة، وجرأة كبيرة، وخلص الى النتيجة ان الاسلام ليس فيه حلولاً لجميع مشاكل المسلمين، وهذه المشاكل اعقد من ان يحلها اي دين، وانما المسلمين المستنيرين بعلوم عصرهم وزمانهم هم وحدهم القادرين على فهمها وهضمها واستيعابها وايجاد الحل المناسب لها.
وبخصوص مسألة "الحجاب" فجمال البنا يرى ان الاسلام لم يفرض الحجاب على المرأة، بل الفقهاء هم الذين فرضوا الحجاب على الاسلام. وفي كتابه "الحجاب" يقدم لمحة تاريخية عن الحجاب ويعيده الى قانون اصدره ملك آشور في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، فرض فيه الحجاب على المرأة الحرة حتى لا يراودها اي ساكن من سكان آشور، وحرّم الحجاب على المرأة غير الحرة معتبراً انها مباحة لجميع الناس وبامكانهم اغتصابها وحتى مراودتها.
كان جمال البنا يراهن كمفكر اسلامي، ورجل دين على قراءة الاسلام بمنهجية عقلانية وعلمية ونقدية صارمة، وفتح باب الجدل المعرفي والديني مع اصحاب شعار "الاسلام هو الحل". وفي كتابه "وثائق الاخوان المسلمين المجهولة " يأتي بوثائق تاريخية عن جماعة الاخوان المسلمين، التي أسسها شقيقه حسن، ويستعرض مسيرتها وتقلباتها في امواج الحياة السياسية والاجتماعية بمصر كما عرفها ورأى بأم عينيه اخاه حسن البنا وزملائه وهم يشيدون صرح جماعتهم، التي شكلت بؤرة خطيرة وقنبلة موقوتة على العقل المسلم ونهضة مجتمعاتنا العربية الاسلامية المعاصرة في القرن العشرين المنصرم.
بقي القول، جمال البنا مفكر اسلامي متنور ومتحرر، ومثقف عربي تصادمي، سعى الى تقديم عقلانية حداثية في الفكر الاسلامي المعاصر، وتندرج اعماله واجتهاداته في سياق البحث الحديث عن فهم الاسلام بذاته. وما احوج مجتمعاتنا وشعوبنا وثقافتنا العربية الاسلامية لامثاله من المفكرين والشيوخ الاصلاحيين المنفتحين على العلم والعقل والتجديد والحداثة والحضارة. وطيب اللـه ثراه .
شكرا لك يا شاكر على جهودك. أحيي فيك هذا الاطلاع والمتابعة للمفكرين والادباء العرب. لا شك اننا فضلا لجهودك امام عمل موسوعي على مستوى قومي أتمنى لن تواصل التصدي له.