ثقافة الحوار..ومسؤولية المثقف
تاريخ النشر: 05/02/13 | 11:30مفارقة مؤلمة ان نأتي بعد عقدين ونيف من انتهاء واختفاء ثنائية تقسيم العالم استقطابيا بين معسكر اشتراكي وآخر رأسمالي, واتجاه العالم نحو صيغ جديدة للعلاقات تتبنى مفاهيم التنوع والتعددية, لنواجه في مجتمعاتنا التي يفترض انها اكثر لحمة تماسكا تحدياً طارئاً موروثا عن العصور الوسطى يسعى إلى مصادرة القيم الإنسانية المشتركة، وإلغاء التعددية ونشر الأوهام حول إمكانية تقسيم العالم إلى فسطاطين متضادين يتصارعان ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة, وبتجريد يقترب من مفهوم قوى الخير وقوى الشر، والاشد مرارة هي محاولة تجويف الحضارة الحديثة من خلال نشر الأفكار التي تنفي وحدة وتكامل العالم، وتروج للحروب الدينية وصدام الحضارات والاستحلال الحضاري، وتدق طبول الجهاد المقدس تحت بيارق مختلفة وفرضيات جامدة,يعد معه الحوار والانفتاح على الآخر ضرباً من الحرب على الذات، وسقوطاً في شرك الترويج لثقافة الهزيمة.
ان هذه الممارسات تذهل –قد تكون تعمدا- عن ان قوة القيم الإنسانية المشتركة تتتجلى في قدرتها على توليد الحوار والتضامن إزاء المشكلات التي تهدد الحياة والطبيعة والحضارة في المجتمع الانساني..
وفي استحضار التجليات الساطعة لهذه القيم في الحركات الاجتماعية التي تناهض الإرهاب والتطرف والحروب والفقر والتلوث البيئة وشموليتها وتمددها في مختلف قارات العالم عبورا على الاختلافات الثقافية والمعتقدية ودون تجاوزها.
ولما كان الحوار لازماً للديمقراطية التي غدت تشكل اتجاهاً عالمياً للتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبشرية المعاصرة في هذه الحقبة التاريخية من عصرنا، فإنّ ممارسة الحوار من قبل الفاعليات الدينية والفكرية والأدبية والسياسية ، سيؤدي بالضرورة إلى توليد المزيد من الحوافز لعمليات التجديد الديمقراطي الذي يواجه مخاطر جدية تدفع بالقيم الإنسانية المشتركة والعَلاقات بين المكونات والاطياف المتآخية إلى مصير مجهول، وتحول دون توظيف التاريخ الحضاري المشترك والتعايش السلمي المتقادم من اجل صياغة معايير تعددية ومتحضرة لمستقبل الحياة والتنمية.
إن ثقافة الحوار هي نتاج الحراك الاجتماعي والسياسي للتحولات التي تحدث في أي منطقة في العالم ونحن جزء من هذا العالم، فالعقول الواعية هي التي تحث على التغيير الإيجابي وتقدم معالجة فعلية وواقعية لكافة قضايا المجتمع، والمثقف يتحمل المسؤولية الاعلى في كسر طوق العزلة الانفرادية وتوسيع الـ”أنا”و ال”نحن” لتهيئ في داخلها مكاناً أرحب للآخر، لذلك نستطيع أن نقول بأن ثقافة الحوار هي الوعي المتطور للفكر الإنساني وهي الإنجاز الرائع لهذا الوعي والضامن الاكبر لتغييب مبررات اللجوء للعنف كوسيلة للتعبير وإلغاء الآخر المختلف والتنفيس عن الاحتقانات المجتمعية.
ان على المثقف ان يناضل لتأسيس رؤية تنطلق من المشتركات الانسانية وتوظف الاختلاف كوسيلة لدعم التنوع والتكامل والغنى المعرفي للفرد والمجتمع, وعليه ان يعي حجم مسؤوليته التاريخية في المواقف المفصلية التي تستهدف الوطن في عمق تماسكه ونسيجه الاجتماعي وتعدديته,ويتوجب عليه أن يحمل هموم مجتمعه، ويلتزم بقضايا وطنه ويجابه التحديات التي تواجهه، لأن المثقف هو ضمير المجتمع ووعيه وذاكرته , وهو الصلة ما بين الجموع وعمقها الحضاري وارثها الفكري والسياسي والإنساني.
والاهم ,عليه الثبات بالتبشير بالحوار على قاعدة القيم الإنسانية المشتركة,كاسلوب وحيد لتحقيق التضامن في مواجهة التحديات التي تواجه وحدة المجتمع ومصير ومستقبل ابنائه.