أُمْـنِيَّــةُ النَّرجِــس
تاريخ النشر: 07/02/13 | 12:58" قِصّة مـن الوَاقِع "
السَّاعَة الثَّـامِنَة مَساءً يَلوحُ الكَرَزُ بحُمْرَتَه فَوْقَ وَجْنَتِيها ، هذه الـمَسامات تُدْرِك أنَّ العُمْر لَيْس مَحض صُدْفَةٍ بَلهُو لَحَظاتٌ مِـن التَّعب الـمُتَراكِم. أمَانِي إمْرَأةٌ فَرِيدَةٌ مِن نَوْعها ، فَاتِنَةٌ حَدّ الهَلـاكِ إذ إقْتَربتَ مِنها ، تَسْدِلُ شَعرَها لِـلنَمشِ الذَّهَبي وتَسْرَح مَع زَوْرَق أحلـامِها.
إسْتَيْقَظتْ ذاتَ صَبَاحٍ والنُّور يُلـامِسُ إشْراقَةَ ثَغْرِها ، قَرَرتْ أن تَذْهبَ إلى عِيَادَة الطَّبِيب وذلـكَ بَعد أنَّ مَرّتْ عِدَّتُ أسَابيعٍ على تَأخرِ دَوْرَتها الشَّهْرِيّة لكي تَقُومَ بكلّ التَّحاليل الـاـّازِمة الّتي تُبَيّن دخولها لـلحملِ أوْ عَدمِ دُخولها …
مَزِيجٌ ونَبِيذٌ مُعتَقٌ مِن السَّعادَةِ تَرْتَشِفُه ويَرْتَشِفها ، إحْسَاسٌ مُشَاغِبٌ ..لَطِيفٌ يَتَسَربُ إليها مِن نَافِذَةِ الحَياة وأطْيافٌ مِن الرَّغْبَةِ الجَامِحة صَارت تَرْتَدي هَالـاتِها وتَتَمايلُ في جَذلٍ مع كلّ حَاسَةٍ مِـن حَواسِها السَّبع .
قَالتْ: " نَعم سَأصبحُ أمًا … هُنا بينَ أحشْائِي يَكْمُن سِرّ الحَياة .. يَنْمو سِرّ حَياتِي أنَا " ووَضْعتَ يديها الدَّافِئَتين والعَارِمتَين بالحُبّ والعَاطِفة المُتَأجِجة كي تُشْعَر وتَسْتَشعِرَ بِكُلِّ نَبْضَةٍ مِن نَبَضاتِ الـأُمُومَة .
بعدَ تِسعة أشْهرٍ وَضعتْ أمَانِي تَوْأميها " مُؤتَمِن وأيْمَن " ،
مُؤتَمِن وأيمن هُما مِـن أرقّ العَصافِير شَدْوًا ،كَانتْ أهَازِيجهما تَمـلـأُ البَيت حبًّا .. بَراءَةً وحُبورًا ، هُما الطِّفلـان الـلَّذان أنَارا قَلبَ الـأمَانِي وأشعَلـا شَمْعَة الوِئَامِ والسَكِينَةِ في ظِلـالِ حَياتِها الزَّوجِيّة
بعدَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ من الفَرَح …
تَبَيّن لها أنَّ رَضِيعها مُؤتَمِن يُعَاني مِـن مَشاكِلٍ في النُّمو وأنَّ حَالته الصِحِيَّة لَيْسَت على مَا يُرام وبَعد فُحوصَاتٍ عِدّة عَلِمتْ أنَّه يُعانِي مِـن مُتَلـازِمَة "برادِر ويلي" ومِـن أعْرَاضِها قصرٌ في القَامَة .. نُهَام .. قُصورٌ في الغُدَدِ التَّناسُلِيّة وَتخلفٌ عَقْلي مُعتَدل ..
صَفْعَةٌ مِن الـأسَى الـمُزْمِن قَدْ أصَابَتْ كَيْنونة ذَاتها ، وتمرّدٌ سَيْبدو أحْمَقًا عند مُعَانِدة قَدْرها الـأبْكَم !!
قلقٌ وارتِبَاكٌ جُنونِيٌ يَعْتَصمُ في مِحْرابَها ونَوْبَةٌ مِن الفَزَع الـمُتَراقِص تُطَوِّقها .
باتَتَ تَعتَرِيها مَوْجَةٌ من التَساؤلـات والتَّخوفاتِ حِيَال وَضعه الصِّحي"كَيف سَتَتعاملُ معَ مَرضه النَّادِر ؟ " "أيُّ أعراضٍ مَرَضِيَّةٍ سَتُلـازِمه ؟ ".
في يَوْمٍ عَسِر كَانتْ حَالةُ مُؤتَمن الصِّحيّة حَرِجة لِـلغايَة لِذا اضطَرتْ أمَانِي أنْ تَقْضِي كلَّ وَقْتها برفقَته في المَشْفى كي يَشْعُرَ بِقربَها وبدِفء رَاحَتِيها ، فَجأةً دَقّ هَاتِفها المَحمُول " يَتصلونَ بِها من البَيت " وإذ بِحَشْرجَةٍ عَارِمة تَمَلـأ سَمَاعَة الهاتِف أنَّه والِدُ أماني يَطْلبُ مِنها العَوْدة إلى المَنزِل . نعم لقد إمتَلـأتْ بِكلّ أسْباب الـإرتِباكِ والتَّوتر تلكَ الحشْرَجة والنَّبْرةُ المُتَكسِّرَة تُرْدِيها !
في طَرِيقِ عَوْدَتها إلى البَيت رَافَقتها أرْوحٌ عَارِيَّة..مُرْهَقة كَأشجار السَّرْو الّتي رَافقتْ ظِـلـالها تِلكَ الشَّوارِع الحَزِينَة . كانَ الـأهل بِانْتِظارها والدُّموع الثَكْلَى تُوَلْوِلُ ويُوَلْوِلُونَ في جَنازَة يُشَيْعها الـألم ، بَكتْ معهم قبل أن تَعي حجم الهَزِيمة " فِقدانُ أيمَن قَدْ دَمَر كَيْنُونَة الـأُمومَة "
فصَارَتْ تَفْعَل كَـما تَفْعلُ اليَمامَةُ عِنـدَ مَوْتِ أحدٍ مِـن فِراخِهـا هَدِيلٌ ، عَوْيِلٌ وانْتِحَاب !!
أيْمَن هُو فَرخها الّذي قُضِيَ لَه أنْ يَعِيشَ ويَموتَ ميِتَةً سَرِيريَة ، طِفْلٌ بِعمْر الوَرْد تَتَوقَفُ نَبْضَاتُ قَلْبِه فَجْأةً .
إنَّ هٰذا الدّاء الـمُتَلـازِم يَكْتَسِحُ حَياةً زَوْجِيَةً كَامِلَة ، يَقْتُله .. يَقْتُلها ويُدْمِي شَقشَقَةَ الـنُّعْمَان في تُرْبَتها .
تَسَاؤلٌ مُلِّحٌ كَان يَسْتَوطِنُ أفكَارها "كَيفُ تُوْلَدُ الـأمُومَةُ في بَقَايا إمْرَأة !؟ " .
مَرّت سَنواتٌ مِن الـألمِ الـمُتَفاقِم بينَ الجَدِّ والـلَّعِب ، تَارَة تَراها تَبْتَسِمُ والعَين تَفِيضُ بِوابِلٍ مِـن الحُزنِ وتَارةً تخْنقها أيَادي الـمَساء ووجه الـلَّيلِ الـمُبهَم ، لقد أيْقَنَت أنَّها سَتَقضِي بَقِيَّة العُمر تَنْدبُ الزَّمانَ وتَلوم ما تَبقى مِن كِبريَائِها ..
نَاعِسَةُ الـأهْدابِ هي يَأخُذ الكُحل قَيْلولَته أسفَل عَيْنيها وتَتَموَّجُها زَفَرَاتٌ مِـن الحُزن الحَارَّة ، تَمـدُّ يَدَها نَحْوَ الصَّباح الشَّجِي تَقْصِدُ فَجره أو تَقصِدُ أكْذوبَة الـأملِ وزَقزَقة العَصافِير الّتي مَا عَادتْ تَسْكن عُشَّ أمُومَتها .
قَرَرت أمَانِي أنْ تُجَدِّد نَشَاطها وحَيَويتها وأن تَسْتَعِيد ذَاكِرةَ الفَرح الّتي أرادَتها أنْ تُرَافِقها وأنْ تُهَيْمِن على تَفَاصِيل حياتِها الـمُسْتَقبَلِيّة ، لكنَّ قَسَماتِ الشَّجِن أبَتْ أنْ لـا تُرَافِقها !!
أمَانِي إمْرَأةٌ صَارَتْ تَكتبُ بالـدَمْع .. الـآه والـألم، والـمَرَضُ سَريرٌ بَارِدُ الـأطْرَافِ يَقتُل فيها الـأُنُوثَة ، وذلـكَ بَعدَ أن أدرَكتْ بأنَّها قَدْ أصِيبَتْ بِمَرضٍ خَبِيثٍ سَيؤدِي إلى اسْتِئصَالِ الرَّحمِ وإلى تَكدُرٍ عَقِيم في أحْشَائِها !!
رُغم سِلسِلة الجِراح مَا زالتْ أمَاني تَهْفو لـلسَّعادة بِرِقَة ومَا زالتْ تَحْتَضِن وَلِيدها مُؤتَمِن ، تَنظِرُ إليه بِشَوْقٍ وتَدعُو الله أن يُبَاركَ فِيه وأن يَمدّ بِعمره وعُمرها .
اولا اسمحي لي ان اناديك ابنتي..
هذا الصباح بينما كنت ابحث عما يخفف حرقة الشوق ولوعة الحنين الى البيت الاهل والاصحاب… جاءت ” امنية النرجس”…
ابنتي العزيزة! حقا انها قصة غاية في الروعة والجمال في اسلوبها ومعانيها، وفي لغتها التي تسيل عذوبة وشاعرية..و.. و..و…..اتمنى ان يستمر عطاؤك… ويتألق ويسطع نجمك في سماء الابداع والادب…..
طَابتْ أوْقاتكَـ أسْتَاذِي الفَاضل ..
عَماه،
عِندما قَرأت تَعْقِيبكَـ على النصّ الّذي كَتبته أصبتـُـ بِرعشَةٍ واعْتَراني شُعور جَميل، قَوافِلٌ مِـن النَّرجِس لمرورِكَـ العَذب، ودُمتَ فَخرًا وذِخرًا لـأهْلِكَـ ومُجتَمعك .
وأرْجُو من الله أن تَعُود لنا سَالِمًا وغَانِمًا، مَودّتِي
صفاء قصه بقمة الروعه من جميع النواحي أنا أحيكي من كل أعماق قلبي هذه القصص والخواطر و….الخ أتمنى لك دوام التقدم بجميع مجالات حياتك وإنشاء الله أسير مثلك لما أكبر أنا فله
أهـلـًا بِكِ يا فُلَّـة ..
قَوْافِـلٌ مِـن المحـبّةِ لمـروركِـ العَطٍـر دُمتِ في رِعَـايَة الله غَـالِيتي ، أحبّــــــكـــ غَـــالِيـــــتي