اعترافات السيد كشوع
تاريخ النشر: 03/06/15 | 9:40احتاج الكاتب سيّد كشّوع (قشّوع) الى عقدين من السّنين حتّى”ضرب رأسه” في صخرة باب المغارة فاستعاد ما قاله له المرحوم أبوه عندما وقف معا، قبل ربع قرن، على مدخل المدرسة اليهوديّة الداخليّة: “تذكّر يا سيّد، سوف تبقى عندهم عربيّا للأبد.هل فهمت؟”.
يعترف سيّد كشّوع بأنه تبّنّى واعتنق اللغة العبريّة والثقافة العبريّة معتقدا بأنّ الكتابة بالعبريّة فيها حريّة فهناك”أشياء معيّنة لا نستطيع أن نكتبها بالعربيّة أو أنّ نقولها” (يبدو أنّ السّيّد كشّوع لم يقرأ محمّد شكريّ وعلويّة صبح وسلوى النّعيمي وغيرهم) ويضيف “اللغة العبريّة تمنح الكاتب حريّة الابداع. وقد آمنت لسنوات عديدة بأنّه اذا كنّا(اليهود والعرب)نتقاسم أرضا مشتركة وهدفنا العيش عليها معا فيجب أنّ نتحدّث لغة مشتركة “وأعتقد كشّوع بأنّ “الرّوك أفضل من فيروز، وأنّ الموسيقى الكلاسيكيّة أفضل من أم كلثوم البدائيّة،وعليه أن يتخلّص من كل شيء بدائيّ يتعلّق بالعروبة”.ولكنّ الحرب الأخيرة في الصّيف الماضي وما سمعه من بائع الفلافل اليهوديّ في كريات يوفيل (ليمحق الله العرب)وحرق الفتى محمد أبو خضير جعلا ألأرض تميد تحت قدميه وأدّيا الى “انهيار مشروعه لطمس الحدود بين العرب واليهود”والى فشل فكره اللغويّ والى قراره السريع بشراء تذاكر سفر لأمريكا حيث يعيش اليوم مع زوجته وأولاده.
سيّد كشّوع كاتب من مواليد مدينة الطّيرة-المثلّث وابن لعائلة عربيّة فلسطينيّة اختار العيش في بيئة اسرائيليّة يهوديّة، كتب ثلاث روايات قصيرّة كما يكتب مقالا اسبوعيّا في صحيفة “هارتس” وقبلئذ في صحيفة “هعير” وكان الابن المدلل للمؤسّسة الثّقافيّة الاسرائيليّة، وشارك بدعم منها في معارض الكتاب في عواصم اوروبيّة، كما ترجمت رواياته الى عدّة لغات، وهو كاتب متأسرل حياة وفكرا،ولم يُخف ذلك، وعلى الرغم من هذا تعرّض الى حملة شعواء بعد أنّ نُسبت اليه خطأ جملة قصيرة عن الحرب ألأخيرة لم تعجب الاسرائيليّين ووصلت الى المطالبة بضربه بالنّعال.
يبدو أنّ اعتراف سيّد كشّوع بانهيار مشروعه لطمس الحدود بين الشّعبين وفشل فكره باللغة المشتركة واختياره الهرب السّريع الى أمريكا لم يساعدا على شفائه من الأسرلة ففي مقابلة مطوّلة معه في ملحق صحيفة”يديعوت أحرونوت”(29 أيار 2015 ) يقول بأسى:”في هذه الدّولة لا مكان لغير اليهود”فيقع في خطأين أولهما:نحن يا سيّد كشّوع لنا مكان دائم سرمديّ في وطننا الذي لا وطن لنا سواه،وثانيهما:أنّ تعبير”غير اليهود”صهيونيّ عنصريّ فيه استعلاء على القوميّة العربيّة، ويردّده الاعلام الاسرائيليّ الرسميّ ورؤساء حكومات اسرائيل ووزراؤها.
يفسّر السّيّد كشّوع رفض المواطنين العرب لمشروع ليبيرمان بالعيش تحت حكم السلطة الفلسطينيّة بأن “العربيّ في اسرائيل عبدٌ يصعب عليه التّحرّر من السّيّد أكثر مما يرغب السّيّد بالتخلّص من العبد”. وهكذا بجرّة قلم يحوّل السّيّد كشّوع أهلنا الصامدين في المثلث والمتمسّكين بعروبتهم وبلغتهم وبتراثهم وبأرضهم،أهلنا المعارضين الأشاوس لمشاريع كهانا وليبيرمان، الى عبيد خانعين.
وحينما يسأل الصّحافيّ السّيّد كشّوع عن مقولة النائب أحمد طيبي بأنّ العرب لا يغادرون البلاد بسبب ال”مِلكي”(هو نوع من منتجات الحليب وقد هاجر الى برلين بسبب غلائه هنا ورخصه هناك مئات الشّبّان الاسرائيليين)فيجيب أنّ العرب يغادرون البلاد بسبب أقل من ذالك بكثير فكلّ عربيّ يملك خيّار الهجرة وهو الثقافة والأكاديميّة يهاجر من البلاد،ولا أعرف كم سيبقى بسبب الصّمود والتّمسّك بالأرض!!
في بلادنا عشرات الالاف من المثّقفين ومن الأكّاديّميين ومن العلماء ومن أساتذة الجامعات…الخ فهل سال السّيّد نفسه لماذا لم يهاجروا؟
حسنا أنّك تذكّرت ما قاله المرحوم أبوك،الذي ولد على هذه الأرض ودفن فيها،وحسن أنّ تتذكرّ ذلك دائما.
سوف تبقى عندهم عربيّا للأبد.
محمد علي طه