كيف تصنع نيتك؟!
تاريخ النشر: 05/06/15 | 9:07كثيرة هي الأعمال والمشاريع والتصورات والتوجهات التي تمر علينا كل يوم, في فضاء العلم أو العمل أو في فضاء الأسرة أو فضاء العلاقات والتواصل الإنساني.
ومع تسارع وتيرة الحياة واشتعال فتيل التنافس بين المكونات الإنسانية فيها هنا وهناك، وهذا بلا شك خير نرجوه ونطمح إليه {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}، لاسيما إذا كان تنافسًا شريفًا وفي أبواب الخير والمصلحة والنفع الخاص أو العام.. وهذا كله يجعل الفكرة عندما تولد تنتقل بشكل سريع من العقل المفكر والشخص المدبر إلى واقع الحياة العملية وميدان التطبيق بدون أن تمر بمرحلة هامة وأساسية لا تقل أهمية عن مراحل التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة والتي تعد مربع الإدارة الذهبي..
هذه تمثل حجر الزاوية لكل طريق نريد أن نسلكه، وهي مرحلة صناعة النية، وهي مرحلة مهمة وحيوية تمثل حالة شعورية كامنة هامة للفرد في مبتغاه ووجهته في الحياة. وأحيانًا تتحول إلى حالة جمعية لأسرة أو مجتمع أو دولة له نية مشتركة وبطبيعة الحال له مصير واحد.
ومن هنا يكون أمام الفرد أو الجماعة الكثير من الطرق والأوعية ليختار منها، فالبعض تكون له نية شخصية بحتة، والبعض تكون نيته شخصية ومتعدية لنفع الغير، والآخر يكون متجردًا في نيته حتى أنه ينوي هذا العمل للآخرين لا يريد من ذلك جزاءً ولا شكورًا، فلا يبغي إلا مرضات الله ومنفعة خلقه أو خدمة المجتمع.
وهنا يأتي تطرقنا لفكرة صناعة النية، لأنها مهمة جدًا لأي عمل، سواء كان تعبديًا بحتًا أو عملًا دنيويًا من أعمالنا الحياتية اليومية المتواترة. وهنا نحب أن نصحح خلطًا كبيرًا عند بعض العامة، حيث يعتقدون أن النية ضرورة في القضايا التعبدية فقط، وهذا خطأ شائع لا أساس له ولا أرضية، بل هي فكرة مركزية يأخذ بها في جوانب العبادة وميادين الحياة العامة. فالنية يجب أن تكون فكرة ملاصقة لكل مشروع أو توجهه مهما قل أو صغر، وسوف نتطرق لأسرار النية التي تجعلها تتبوأ هذه المكانة العالية في فضاء حياتنا اليومي.
يجدر بنا أن نشير إلى أن النية أساس كل الأعمال والأفعال والأقوال، وهي قوة هامة لتحقيق النجاح وترجمة الخطط والأهداف والرغبات إلى أعمال ملموسة وإنجازات محققة.
ما هي النية؟
هي فكرة تُعقد في داخل الإنسان وتكون أساسًا لعمل يجهز له وأرضية صلبة يتم الانطلاق منها.
لماذا يجب أن نصنع النية؟
من التعريف السابق تبين لنا أن النية هي أساس كل بناء مهما صغر أو كبر، وهي وعاء جامع لعالم الأفكار الذي هو أساس عالم المشاريع والأعمال التي ننطلق له كل يوم.
بعد أن تتوفر لنا الخميرة الفكرية، فلا عمل يقوم إلا على فكرة، ولا فكرة تقوم إلا على نية، ومن هنا نستطيع أن ننظم عقولنا أولًا وأعمالنا ثانيًا ونحصد الجودة في الأعمال والمخرجات والمنتجات، ونبني إنجازاتنا على أساس ثابت وقوي يعتمد عليه بعد توفيق الله.
ما هي أسرار النية؟
للنية أسرار كثيرة، كتب فيها المتقدمون والمتأخرون، فبعضهم عرج على أهميتها للبركة في المال والوقت والولد، وهذا مشاهد وملموس، وبعضهم بحث أثرها على الراحة النفسية والاستقرار الروحي والطمأنينة الحياتية وأثرها الفاعل في وفاق الأسرة ونجاح التجارة وتوفيق الجهود وتسخير الناس بعضهم لبعض وتجاوز التحديات والصعوبات، بل وأكثر من ذلك في تهيئة الفرص وتمكين الإنسان مما يطمح إليه ويتمنى، وعرج آخرون على الموضوع من جوانب إدارية، وكيف أن النية تتحول إلى منظومة قيم حاكمة للمنظمات والمؤسسات وربما الدول، وتسهم في دفع عجلة العمل والإنجاز إلى أفضل المواقع وأعلى المنازل، حيث تكون فكرة مركزية حاكمة تجتمع عليها عقول الناس وصناع القرار بلا استثناء.
كما أن الكثير من الخبراء والباحثين رصدوا كمًّا هائلًا من قصص النجاح والفلاح والتميز الإنساني في مجالات كثيرة، كان من أهم مقوماتها وأسرارها هو وجود نية واضحة أولًا وصالحة ثانيًا لا تغيب أبدًا مهما كانت الظروف والمتغيرات والإغراءات.
كما كتب الكثير من الباحثين والعلماء حول أهمية النية الطيبة في تسهيل الكثير من الأشياء وتجاوز الكثير من العقبات، فتجد الكثير ممن رزقوا بسطة في العلم أو المال أو السلطان أو حب الناس أو السعادة والبهجة كانوا أصحاب نوايا إيجابية وصالحة، وكل ذلك ولا شك ساهم في نجاحهم على المستوى الشخصي والتنظيمي، ومن هنا أريد أن أقول أن للنية طاقة مؤثرة في محيطنا العام واليومي، وقد تكون هذه الطاقة سلبية أو إيجابية، وهذا ما يجعلنا نطرح وبقوة موضوع أهمية صناعة النية وعقدها ونحن على أبواب كل عمل أو مشروع، والتأكد من أننا لا نحمل نوايا سيئة، حيث إننا سوف نكون أول المكتوين بتلك النار إن طال الزمن أو قصر، فعالم النواميس الكونية الذي وضعه الخالق عز في علاه محكم، فمن حرص على صيانة الداخل وتفقد عالم النوايا وحمايتها من أي خلل أو زلل أو اختراق رزق من الخير فوق ما يتمنى، والعكس صحيح.
قال القدماء:
نيتك مطيتك: أي هي وسيلة انتقالك، فإن خيرًا فإلى خير، وإن كانت شرًا فإلى شر..
محبرة الحكيم:
عندما تنهض من فراشك باغيًا ميدان الحياة اصنع نيتك بأن يكون اليوم أجمل أيامك وأروعها بلا استثناء، وانطلق في ملكوت الله متوكلًا عليه.
تأصيل:
قال صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”، حديث قال عنه الإمام الشافعي أنه ثلث العلم، من عمق معناه وأهمية مبناه ومغزاه..