التسامح والحوار
تاريخ النشر: 15/02/13 | 4:40إن الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين أطراف الحوار، واحترام كل جانب لوجهة نظر الجانب الآخر وبهذا المعنى فإن الحوار يعني التسامح واحترام حرية الآخرين، واحترام الرأي الآخر لا يعني بالضرورة القبول به.
وليس الهدف من الحوار مجرد فك الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر، وإنما هدفه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس، وتمهيد الطريق للتعاون المثمر فيما يعود على جميع الأطراف بالخير، وذلك بالبحث عن القواسم المشتركة التي تشكل الأساس المتين للتعاون البناء بين الأمم والشعوب. والحوار بهذا المعنى يعد قيمة حضارية ينبغي الحرص عليها والتمسك بها وإشاعتها على جميع المستويات.
والوعي بذلك كله أمر ضروري يجب أن نعلمه للأجيال الجديدة، وبصفة خاصة عن طريق القدوة وليس عن طريق التلقين ولا جدال في أن الحوار قد أصبح في عصرنا الحاضر أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، بل أصبح ضرورة من ضرورات العصر، ليس فقط على مستوى الأفراد والجماعات ، وإنما على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب المختلفة.
وإذا كانت بعض الدول في القرن الجديد لا تزال تفضل شريعة الغاب بدلا من اللجوء إلى الحوار، فإن على المجتمع الدولي أن يصحح الأوضاع، ويعيد مثل هذه الدول الخارجة على القيم الإنسانية والحضارية إلى صوابها حتى تنصاع إلى الأسلوب الحضاري في التعامل وهو الحوار، فليس هناك من سبيل إلى حل المشكلات وتجنب النزاعات إلا من خلال الحوار.
ومن منطلق الأهمية البالغة للتعارف بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان – برغم الإختلافات فيما بينها – كانت دعوة الإسلام إلى الحوار بين الأديان (33).
وذلك لما للأديان من تأثير عميق في النفوس ويعد الإسلام أول دين يوجه هذه الدعوة واضحة صريحة في قوله تعالى 🙂 قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (. (34)
قيم التسامح
يتضح مما سبق إن التسامح الديني أو التسامح الشامل له قيم على أساسها يبنى وفي خضمها يحقق غايته وهذه القيم هي:
1 – قيمة التسامح في كونه ضرورة وجودية:
إن ما يجب تسليط الضوء عليه أن أهمية التسامح الديني تتمثل في كونه ذا بعد وجودي، أي أنه ضروري ضرورة الوجود نفسه.
ولتوضيح ذلك يمكن الالماع إلى أن سنة الوجود قد اقتضت أن يكون وجود الناس على الأرض في شكل تجمعات بشرية، وهي وإن اتفقت في ما يجمع بينها من وحدة الأصل والحاجة إلى التجمع والحرص على البقاء والرغبة في التمكن من مقومات الحياة والسعي في إقامة التمدن والعمران والتوق إلى الارتقاء والتقدم فإنها قد تباينت في ما تتفرد به كل مجموعة من خصوصية عرقية ودينية وبيئية وثقافية.
وقد صرح القرآن بهذه الحقيقة الوجودية فقال: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) (35).
وقد ألمع القرآن إلى ضرورة هذا الاختلاف النمطي، وإلى حتمية وجوده حتى يتمكن كل فرد وكل مجتمع من العيش حسب ما لديه من إرادة وحرية واختيار وبالطريقة التي يهواها ويرتضيها.
وهكذا نلحظ، أن الغاية من اختلاف الناس إلى شعوب وقبائل وتنوعهم إلى ثقافات ومدنيات إنما هو التعارف لا التناكر، والتعايش لا الاقتتال، والتعاون لا التطاحن، والتكامل لا التعارض، وبات واضحا أن أهمية التسامح الديني تتمثل في كونه ضروريا ضرورة الوجود نفسه.
2 – قيمة التسامح الديني تتمثل في كونه يقتضي الاحترام المتبادل:
أن قيمة التسامح الديني تتمثل في كونه يقر الاختلاف ويقبل التنوع ويعترف بالتغاير ويحترم ما يميز الأفراد من معطيات نفسية ووجدانية وعقلية، ويقدر ما يختص به كل شعب من مكونات ثقافية امتزج فيها قديم ماضيه بجديد حاضره ورؤية مستقبله، هي سبب وجوده وسر بقائه وعنوان هويته ومبعث اعتزازه .
3 – قيمة التسامح الديني تتمثل في كونه يقتضي المساواة بالحقوق:
من الواضح أن قيمة التسامح الديني تتمثل في كونه يقتضي التسليم المطلق – إعتقادا وسلوكا وممارسة – بأنه إذا كان لهؤلاء وجود فلأولئك وجود، وإذا كان لهؤلاء دين له حرمته فلأولئك دين له الحرمة نفسها، وإذا كان لهؤلاء خصوصية ثقافية لا ترضى الانتهاك فلأولئك خصوصية ثقافية لا تقبل المس أبدا.
4 – قيمة التسامح الديني تتمثل في كونه داعما لإقامة مجتمع مدني:
من الواضح أن التسامح الديني يعد أرضية أساسية لبناء المجتمع المدني وإرساء قواعده، فالتعددية والديموقراطية وحرية المعتقد وقبول الاختلاف في الرأي والفكر وثقافة الإنسان وتقدير المواثيق الوطنية واحترام سيادة القانون، خيارات استراتيجية وقيم إنسانية ناجزة لا تقبل التراجع ولا التفريط ولا المساومة، فالتسامح عامل فاعل في بناء المجتمع المدني، ومشجع على تفعيل قواعده.