الكاتب محمد علي طه يحاضر بجامعة تل أبيب
تاريخ النشر: 05/06/15 | 20:42– قدّم الكاتب القاصّ والرّوائيّ محمد علي طه، يوم الأربعاء الماضي، في قسم اللغة العربيّة بجامعة تل أبيب، محاضرة بعنوان: “محطّات في تجربتي القصصيّة”، أثارت أصداء طيّبة واسعة بين الأساتذة وبين الطّلاب.
استهلّ المحاضر محاضرته بالقول “منذ نشرتُ قصّتي الأولى في أواخر العام 1958 أدركتُ أنّ المسيرة التي اخترتها عن قناعة وعريّةٌ وشاقّة جدّاً. جميل وممتع أن يكون المرء كاتبًا مبدعًا وصعبٌ وشاقٌّ جدّاً أن يكون المرء كاتبًا مبدعًا ناجحًا. هذا الدّرب فيه الشّوك والزّجاج مثلما فيه النّدى والورد والعنادل والمشمش البلديّ” وأضاف “سرتُ في هذا الطّريق متزوّدًا بحبّي للنّاس ولوطني، ناهلاً المعرفة بقراءاتي اليوميّة فأنا قارئ نهم، والموهبة وحدها لا تصنع مبدعًا بل القراءة الكثيفة هي التي تصقل الموهبة وتخلق المبدعين” وقال “أعجبني أدباء كثيرون، عربًا وأجانب، ولكنّي لا أستطيع أن أشير إلى كاتب معيّن وأقول أنّني تأثّرت به. أعجبتني قصص تشيخوف وموباسان وألن بو وإدريس وماركيز وغيرهم، وأصارحكم بأنّ الله تعالى أنعم عليّ نعمة كبيرة جدّاً وهي نسيان ما أقرأه كي لا أقع في ظلّ كاتب أو كتاب فالنّبات الذي ينمو في الظّلّ ضعيف.”
وقال: اللغة العربيّة بالنّسبة لي قضيّة وطنيّة وقضيّة وجود أكثر ممّا هي مادّة أولى للإبداع. أن تكتب باللغة العربيّة في مناخ يعادي الحرف العربيّ ويحاول طمسه وتغييبه قضيّة ليست سهلة. الكتابة بالعربيّة فيها تحدٍّ وتمسّك بتراب الوطن وصخوره وأشجاره، وتمسّك بخيز أمّي وطعامها وبالعتابا والميجنا والمواويل التي أحبّها والدي.” وأضاف: أنا أكتب لأحارب الفقر والجهل والاضطهاد والظّلم والاحتلال، لأحارب التّخلّف العربيّ. أكتب لأزرع بسمة على وجه طفل وشتلة أمل في صدره. وأضاف: السّخرية جزء من أسلوبي وهي سلاح الضّعفاء ضد الجبابرة.
وقال: لا توجد مواضيع محرّمة عليّ فقد كتبتُ عن الشّيوخ والأطفال والشّبّان،عن الفلاحين والعمّال، عن المدينة والقرية والمخيّم، عن المخاتير والنّواطير، عن العرب واليهود، عن الانتفاضة وعن الاحتلال وعن العنف المنتشر في قرانا. كتبتُ في السّياسة فلاحقتني السّلطة وصادرت إحدى مجموعاتي ولم أتراجع وكتبتُ في الدّين فهاجموني في المساجد ولم أخف ولم أتراجع وكتبتُ في الجنس فلامني البعض فلم أتأثّر ولم أتراجع.
وأكّد الكاتب الأديب طه: تعلّقتُ بالمكان منذ طفولتي، وذكر أسماء أماكن كتب عنها مثل ميعار والزّيب وعكّا وحيفا والقدس والنّاصرة ورام الله وجنين ونابلس كما ذكر أسماء المخيّمات التي كتب عنها مثل مخيّم تل الزّعتر ومخيّم جنين ومخيّم الدّهيشة، وقال: أجتهد كثيراً كي أفهم الجيل الجديد كي أكتب عنه، وأحرص على المحافظة على إنسانيتي في حياتي اليوميّة والأدبيّة وهذا ليس سهلاً في هذه البلاد وفي فضاء مملوء بتصريحات تسمّ البدن لشخصيّات مسؤولة، وأضاف: أنا لا أكره إنجليزيًّا أو يهوديّاً أو تركيّاً أو فارسيًّا بل أكره الاحتلال والظّلم والقهر. وأنا أحبّ شعبي ولا أنسى بأنّني عانيتُ في طفولتي بسبب النّكبة. أنا أكتب من أجل حياة أفضل وأجمل لأحفادي ولأطفال شعبي وأطفال العالم. يحقّ لي أن أحلم بحياة جميلة لشعبي وللبشريّة كلّها.
وكانت الطّالبة أماني إغبارية قد قدّمت الكاتب الكبير مستعرضة سيرته الذّاتية وأسماء كتبه وما كتبه عدد من النّقّاد عن نتاجه أمثال محمود أمين العالم وفخري صالح وإميل توما ومحمود شقير وأحمد دحبور ونبيه القاسم وغيرهم.
ورحّب بالكاتب الدكتور جريس نعيم خوري بكلمات رقيقة ومعبّرة كما رحّب به الأستاذ الدكتور محمود كيال، رئيس قسم اللغة العربيّة في جامعة تل أبيب مشيراً إلى مكانته الأدبيّة المرموقة محليًّا وعربيًّا كما رحّب به الدكتور أحمد إغبارية المحاضر في الجامعة.
وفي تعليقه على المحاضرة أشار د. جريس نعيم خوري، المحاضر في القسم ومنظّم اللقاء إلى أهميّة هذه المحاضرة لطلاب المراحل المتقدمة في دراسة الأدب العربيّ من جهة، وللأدباء الشّبّان من جهة ثانية. مؤكّداً أنّ المحاضرة كانت أشبه بديباجة أدبيّة شعريّة ترقى في التّصوير فتجذب القارئ والمستمع عنوة، ولكنّها لا تخفي ألم الواقع ونبض التّجربة. وفي هذا تكمن عبقريّة التّعبير في قصص الكاتب نفسها، فهي تضحكك طرافة ولكنّها تبكيك حقيقة، وتمتّعك مشهداً وتحزنك موقفاً وهي معادلة هامّة إذا خلا منها الفنّ فقد مصداقيته، فالغلاف فنيّ ممتع لكنّ الباطن تجربة حقيقيّة تنبض. والكاتب دون تجربة حقيقيّة قد يصبح فنّه ضرباً من خواء.