وما تدري نفس ماذا تكسب غداً !!!!
تاريخ النشر: 17/02/13 | 20:44إن كل إنسان ولد إلى الحياة, وكبر وترعرع, وُلدت مَعهُ طموحاتٍ عِدة منها طولُ الأمل وحُب الحياة وكراهةُ الموت !!! وشغفهِ في التمتع والاستمتاع فيخيم على مخيلتهِ أنه سَيعيشُ إلى الأبد. وتبتعد عن أفكارهِ عثرات الدهر, وما يخبئُ لهُ القدر, وقد تأتي عليه أيامٌ يَنطحُ القَومَ وحدهُ, ويعتريه الغرور وينسى أنه سيأتي عليه يوم تنطحهُ وَليه (أي امرأة عجوز) فيسير في عنفوانِ شبابه يتبختر في مَشيهِ في علياء وَكبرْ ويَمدُ لهُ القدر أن يكون ميسور الحال, ما اشتهت نفسهُ شيئاً إلا ونالتهُ سواءً حلالاً أو حراماً, وما اصطدم بحاجز أمامهُ إلا وتخطاه. حتى تصل الأمور عِنده إلى حالٍ ليس هنالك مُحال وقد تستمرُ هذه الفترة من زمن عمره زمناً طويلاً فيصورُ له الشيطان أنه القادر على كل شيء قتل الإنسان ما أكفره!!!
فيبدأ هذا الإنسان بارتكاب الخطايا, ولا يلقي لذلك بال فأول ما يبدأ بظلمِ نفسهِ فيتعدى على حدود الله, ويَتَجرءُ على حرماتهِ فيصيرُ مأكلهُ ومشربهُ ولباسهُ حراما في حرام, فكلما تورط في ذلك أكثر فأكثر, صار لا يبالي !!! ولا يَعمل لأحد حسابا. فغرته الدنيا بمتاعها فصار مُلكاً وأسيراً لها !!! حتى أتاه المخبئُ في القدر, حادثٌ شَلَهُ, أو مرضٌ خبيث أصابه أو جلطة دماغية عطلته, أو علامات لسكتةٍ قلبية كسرته أو خسارة في ماله, خسارةٌ ماحقة تعودُ به إلى الصفر وإلى إنسانٍ مِعوَّز لا يجد في جيبه من المال ليشتري حتى حليباً لأطفاله, وقد عرفتُ مثل هؤلاء الناس كُثر. وحاولت أن أعرف عنهم أكثر من أجل أن يكون لي عبرة, ولأكتب عنهم لعلي أُفيدُ أحداً من الناس ليرجع عن غيهِ وغروره, ويُصلِحَ نفسهُ قبل أن يأتيهُ المنون أو تأتيه أيامٌ لا يستطيع أن يفعل شيئاً ينقطع فيها عمله ومنهم, بعد أن أفاق من هذا البلاء عاد لرشده وتلك رحمة من الله, وندم على ما فات وتاب إلى الله توبة نصوحة, فقبل بالقليل ودعا الله سبحانه أن يرشده سواء السبيل, وأن يَقبلَ توبته ويصلح حالهُ ولكن للأسف هؤلاء هم قليلُ.
هذه قصة أحدهم من الذين عرفتهم وكانت صحبتي معه صحبة عمل.
من عامل يعمل قصاراً إلى مقاول يعمل عنده ما بين 40 و 50 قصاراً وعاملاً. وبدأت هذه القفزة تُدرُ عليه عشرات الألوف من الدولارات شهرياً فاشترى خزنة من الحديد يُخَزنُ فيها هذا المال وشهراً بعد شهر كان مدخوله يزيد ويتضاعف حتى امتلأت الخزنة عن بكرة أبيها وفكر في خزنة ثانية يخبئ فيها ماله, فكان من هؤلاء الذين رزقهم الله دون حساب, فاشترى عربة نادراً ما نجد مثلها في السوق وتسير على الشارع وصار ينتقل من رحلة إلى أخرى فارتفع في مستوى معيشته وصار يأتي اللحام أو الجزار ويطلب منه أن يذبحَ له خروفا ويقطعه ويبعثه إلى داره وكان يحصل ذلك في كل أسبوع تقريبا.
وحضرت يوما دعوةُ وجهها لي في طهورِ أحد أبنائه وكان يشبه عرساً لعدد الحضور وما ذُبحَ من خراف وما قُدِمَ للضيوف من غداءٍ فاخر ومن كل أنواع الفاكهة والحلويات, أقول إن لم أكن مبالغاً عشرات الألوف من الشواقل أُهدرت في هذا الطهور فكان ذلك مخالفاً للشرع لقوله صلى الله عليه وسلم (اشهروا النكاح واخفوا الطهور) كان الرجل يدخن فانتقل من تدخين السجائر إلى تدخين السيجار فبالغ الرجل بالإسراف وكنت أنهاه وأعظه أن لا يفعل ذلك ولكن للأسف لم يكن يصغي فكان رد فعله عليّ يضحك أو يبتسم !!!
ومرت الأيام فوقع الرجل في مصيدة الغرور والتبذير فصار يقوم في كل نهاية أسبوع أن يذهب ليأخذ قسطاً من الراحة في أحد المقاهي الراقية على شاطئ تل أبيب يتناول البوظة, أو القهوة التركية, بسعر يساوي عشرة أضعاف في مقاهينا, وأحياناً غداءً أو عشاءً خفيفاً.
وفي يوم لاحظ أن فتاة تراقبه وتحاول أن تتكلم إليه, وجاءت وجلست على نفس الطاولة التي يجلس عليها, فاقترب الزيت من النار, فطلب لها مشروباً. وبدأ العد التنازلي لخراب بيت هذا الرجل,؟؟ كانت فتاةٌ جميلةٌ جداًَ وساحرة, بل وفصيحة اللسان, فبدأت تُظهر مفاتنها. فسُحِرَ الرجل, ودخلت قَلبه, وصار يضرب معها المواعيد, فيترك عمله وعماله. فاستأجر شقة في المدينة ليَصُّب الزيتَ على النار, وذهب الرجل في هواها, وخاصة بعد أن ذاق عسيلتها وذاقت عسيلته, وبدأت أعماله في التراجع ودخله المادي بدأ يَقل رويداً رويداً!!
فعرضت عليه الزواج, فقبل ذلك وهو متزوج وعنده أطفال, فبدأت بالسيطرة على ماله, كل ما تطلبه من المال كان الرجل يأتي به دون أي حرج أو جدال. فحملت العشيقة منه وأنجبت طفلةً وجاء الوقت لتتخلص هذه العشيقة من عشيقها التي نصبت له فخاً مُحكَماً وأوقعته فيه !!!
واتجه هذا الموضوع ودخل أمره المحاكم وإذا بها تطالب تعويضاً من الرجل ملايين الشواقل ودخل الرجل في حالة اكتئاب وحالةٍ نفسيةٍ قاسية وعلى أثر ذلك فُرِّغت خزانة المال من محتواها من المال على المحاكم والمحاميين وذهب كل ذلك هباءً منثوراً وبعدها تعتريه الأمراض مثل الضغط والسكري والقلب ويظهر ذلك على صحته التي بدأت بالهزال والضعف الواضح ويزيدُ الطين بِلْة أن باع أملاكه من أجل أن يخرج من هذه الورطة القاتلة, ويساعده في ذلك اخوانه وعائلته للخروج من هذا المأزق وتعودُ الأمور إلى بدايتها فقيراً معدماً لا يملك شيئاً يعيش هو وعائلته على دخلٍ متواضع من التامين الوطني.
فزرته بعد زمنٍ طويل فوجدته في حال يبكي عليه كل من كان في قلبه مثقال ذرة من رحمة !!!
فسجلتً هذه القصة في مدوناتي للعبرة فاعتبروا يا أولي الألباب.
(وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدا وما تدري نفسٌ بأي أرضِ تموت) صدق الله العظيم لا يبقى على ما هو إلا هو سبحانه (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
والله ولي التوفيق
ملاحظة: كل هذه القصص أدونها للعبرة والاستفادة وهي حقيقية وليست خيالا من أجل أن يتعظ الآخرون ولتكون للجميع عبرة. ان دوام الحالِ من المحال.
ما طار طيًر وارتفع الا كما طار وقع