نسيم الأسدي بين الأخلاق والغزل

تاريخ النشر: 23/02/13 | 6:23

كنتُ سابقا قد عطفتُ ببضع كلمات عابرة على قصيدة للشاعر نسيم عاطف الأسدي ، من قرية دير الأسد ، وها هو ديوانه الجديد " بينَ النَّهدِ وبينَ السّيفِ " يعيدني مرة اخرى الى حروف هذا الشاعر ، قصائده العمودية والتفعيلة ، تجسد بعضها القيم والأخلاق ؛ هذه الصفات الإنسانية التي لَمحَ أفلاطون الى اهميتها في كتابه الجمهورية . ويحدثنا ابو هلال العسكري عن ضرورة هذا الجانب في الشعر العربي .

ومن القيم البارزة في شعر الأسدي قصيدته " أقعد للمعلّم " تنادي باحترام وتقدير المعلم كمربي للأجيال ، وتكمن أهميتها في هذا الوقت بالذات ما نشهده من إجحاف تجاه المعلم في المدارس المختلفة ؛ يستهل قصيدته بهذا البيت الذي نفهم منه باقي أجزاء القصيدة هدفا وسلوكا :

" اليومَ إذ دخل المعلم صفّنا ــ للدّرسِ قمنا نهدفُ التبجيلا " .

إحتذاؤه بأمير الشعراء ، هو أحد الدوافع لنظم هذه القصيدة ، وقد لَمحَ بذلك بأن ثبت في قصيدته عجز البيت المشهور لشوقي " كاد المعلّم أن يكون رسولا " .

قصيدته " رسالة الى أمّي وأبي " تعكس موقف الإبن الوفي البار تجاه أهله ، بكلمات تدل على صدق العاطفة والعرفان بالجميل ، نثبت منها هذه الأبيات :

" أأعيشُ أنعمُ بالحنانِ وبالوفى / من دون شكركُما على هذي النّعمْ / أمي المحبّةُ والسعادةُ .. ينجلي / بحضورها جيشُ المصائبِ والسقمْ / هي زهرةٌ فاحت وظلّ عبيرُها / عَبِقا بأروقةِ المشاعرِ لم ينمْ / يا واحة فيها العطاءُ تعاقبٌ / كَتَعاقبِ الموجاتِ في البحر الأشمْ / الطهر أمّي والمحبّةُ نبضُها / من قلبها كم علّ شوقا كم وكمْ / وحديثها لحنٌ يسيل بأضلعي / فيزيلُ في سيلانِهِ مرَّ الألمْ / وأبي تضوّعَ كلَّ ذكرى حلوةٍ / رَسَمت بٌسَيماتٍ بألوان النغمْ " .

وللشاعر سطور في الحب والغزل ، ولا يعنينا أنه لا ينظر الى المرأة ككيان .. ما يشغله مفاتنها وملامحها الظاهرة ، مثل قصيدته " عتاب نهد " تبدأ بلهجة عتاب :

" إنّي عتبتُ .. ولم يُفدْكِ عتابي ــ وصهيلُ نهدِكِ ظلِّ يقرع بابي " .

موحيٌ هذا الصهيل ! والأجمل قوله :

" ولقد جعلتُ ضفافَ نهدِكِ مرفئي ــ وجعلتُ رمشَكِ في الهوى محرابي " .

لكن في البيت الثامن من القصيدة ينتقل من المفرد الى الجمع في شكل تهويل وتضخيم الذات :

" إنّي المليكُ أمامَ عرشِيَ تنتهي ــ كلّ النساء وتنحني لشبابي " .

لا أعرف إن كان قد تأثر بما روت الكتب عن قصور الحريم في الأزمان الماضية ، وكيف أن المرأة كانت تنحني لسيدها طاعة وخضوعا ! .

وعلى القول المعروف " من الحب ما قتل " يبني ــ بشكل عفوي او متعمد ــ قصيدته الرقيقة " رمشك القتال " ،

يعبر فيها عن شوقه العظيم لحبيبته البعيدة ، ويتصوّر بأن هذا العشق سيقتله :

" شابت عيون وانتهت قُبَلُ / وجمالك الفتّان قلبِيَ يشغلُ / ولقد علمتُ بأنّ رمشكِ ساحري / لكنْ جهلتُ بأنْ سيقدرَ يقتلُ " .

وفي بيت آخر من القصيدة يشبه البعد بالنار الحارقة :

" هذا الهوى بالبعد يحرقني ــ وتعود تحرِقني خدودٌ مخملُ " .

أظن أن المخمل غير مناسب لهذا المقام كونه يمتاز بطبقة ناعمة من الوبر ! لو قال الحرير لكان أفضل .

ولئن كانت المرأة قد فازت بنصيب وافر في الديوان ، فإن الشاعر لا يقف بمعزل عما يجري في العالم من تغييرات هامة ( الربيع العربي ) ، يعبر عن فخره وغبطته بما أنجزته الشعوب العربية تجاه الأنظمة المستبدة :

" اليومَ تسطعُ للعروبة أنجمُ ــ ويلوح غصنٌ بالورود يبرعمُ " .

ويشتد حماسه واندفاعه في قصيدة أخرى متينة مترابطة تحث على النهوض والجهاد ، ولا تثريبَ أنه استخدم لغة الخطابَ والشعار ، فهذا ملائم لمثل هذه المناسبات :

" قوموا وثوروا كي تزولَ قيودكم / ثوروا كمصرَ وتونسَ الخضراءِ / إنّ العروبة أتعبتْ بِسُباتِها / عَفَنَ القيودِ ودمعَة السجناءِ / أطلق رماحَكَ واقتلعْ بنيانَهم / وازرع بصدرِ القهرِ سهمَ ضياءِ / أطلق صهيلكَ يا حصانَ عروبتي / وأَعدْ بلادَ العُربِ للشرفاء " .

أن نوجز القولَ في ديوان الأسدي ، من المحبذ أولا لفت الإنتباه الى أن الشاعر في مقتبل العمر ، لذلك ننظر بتقدير الى أوراقه بما حوَت من حكمة الشيوخ وعنفوان الشباب الطموح . هذا على مستوى بعض المضمون ، أمّا على مستوى الشعر كأحد الفنون الجميلة ، فلا شك أن الشاعر يمتلك موهبة قادرة على التطور والإبداع .

تعليق واحد

  1. اخي انت رائع .. ارجو اضافة اسمي على صفحتك على الفيس بوك .. فقط ضع الشاعر الاردني زكريا العمري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة