شغل عرب

تاريخ النشر: 23/02/13 | 9:49

يقولون شر البلية ما يضحك، ويضيفون احيانا: الضحك من غير سبب من قلة الادب!! نحن في شر بلية هنا في بلدنا، وهذا يعود لكوننا فلسطينيين في بلد اهتم المسؤولون وما زالوا يهتمون بتسميتها بـ"الدولة اليهودية".

منذ العام 1948 يوم نكبة الشعب الفلسطيني، وبعد ان اصبحنا اقلية في بلادنا حاولت حكومات اسرائيل التنكر لحق الشعب الفلسطيني، بل واتهمت العرب عامة بالمسؤولية عما حدث للشعب الفلسطيني.

سبق هذا طبعا الطرد الجماعي المنهجي وهدم المئات من القرى الفلسطينية. وما تبقى لنا من اقلية فلسطينية حاولت حكومات اسرائيل تهويدها وطمس هويتها ومعالمها فعملت على "تحريش" القرى المهدمة والمهجّرة كمن يخفي الشمس وراء غربال.

فرضت الحكم العسكري في البلاد، وأطلقت علينا التسمية العامة "عرب اسرائيل"، وعاقبت وهددت كل من ذكر اسم فلسطين. كلنا يذكر كيف طاردت السلطات الشيوعيين ابان الحكم العسكري. كلنا يذكر كيف كان يسجن كل من رفع علم فلسطين.

كلنا يذكر كيف فرضت وزارة التربية والتعليم الاحتفال بيوم استقلال الدولة حتى خلقت ايضا عربيا جيدًا يتغنى بهذا العيد بـ"ابداعه": بعيد استقلال بلادي غرد الطير الشادي عمت الفرحه البلدان حتى السهل والوادي والشعب يغني فرحان متهني! في عيد اسرائيل يحلالي الترتيل دمت يا بلادي" وطبعا بالمقابل لم يذكر شيء في التاريخ الذي كتبه المحتل والذي فرض علينا تعلمه شيئا عن تفاصيل النكبة، فكان علينا ان نبحث جاهدين بين ثنايا قصص طفولتنا، والاخاديد على وجوه جداتنا، عن هوية انتزعت وعن شعب تشتت وعن بلاد سلبت.

لقد حاولوا جاهدين انتزاع الهوية وطمسها، فعلمونا تاريخا احادي الجانب، علمونا لغة عبرية، وحكموا قرانا واهلها بحكم عسكري وبنظام "شينبيتي" من اجل تهويدنا وانتزاع لوننا ورائحتنا وهويتنا، وللهوية رائحة ولون وتاريخ وحضارة ولغة.

حاولو ان يمسحوا كل هذا ولم ينجحوا لانه "ما في حق بيموت ووراه مطالب"، ولأنه لنا منارات ان كنا سفنا ضائعة. منارتنا هي قضيتنا العادلة واصحابها اهلنا. ولان اهلنا الاحباء من عاشوا النكبة تخندقوا في رائحتهم، في تقاليدهم، وبقوا هنا رغم كل شيء، تخندقنا وراء لغتنا لتكون ملجأنا الاخير. كان لا بد من هذه المقدمة المقتضبة والناقصة بالتأكيد، لأبلغ ما أريد.

يعرض حاليا على القناة الثانية في تلفزيون اسرائيل مسلسل باسم "شغل عرب" لكاتبه سيد كشوع، و"يحمل" المسلسل طابعًا كوميديًا.

شاهدت من المسلسل حلقتين جعلتاني افكر واتفكر!!! ابطال المسلسل هما زوجان يمثلان جيلين، جيل الاباء وجيل الابناء. الاباء هما سليم ضو وسلوى نقارة، والابناء هما نورمان عيسى وكلارا خوري. اعرفهم جميعا وسليم ضو هو اخي بالرضاعة، فأم عيسى رحمها الله (ام سليم) ارضعتني! نعم، أم عيسى "المسيحية"، ارضعت نصف اولاد الحارة مسلمين ومسيحيين، كما حذت ام محمد "المسلمة" حذوها فارضعت مسيحيين ومسلمين ايضًا!!

هكذا تربينا، وهكذا كانت حياتنا. كنا عائلة واحدة.. في الصيف نمنا فوق السطوح مكشوفين، وفي الشتاء تلملمنا حول الكوانين وسمعنا حكايات الشاطر حسن. لم نقرأ أسطورة البطولة والنزوح من مصر والعودة الى دار الاباء والاجداد في ليل "هسيدر".

لم نتغزل بالماتسة بل بالطابون وبالزعتر لم تتكلم ام عيسى وام محمد ولا كلمة واحدة باللغة العبرية، بل كانت لهما لغة ولون ورائحة.

اما ابو عيسى وابو محمد فكانا جبلين، رجلين، ان غضبا زلزلت الارض زلزالها، وان فرحا رقصت الدواب في الوديان وابتهجت لهما ازقة قريتنا الحبيسة. هكذا تربينا ان نكون نحن ولا ما ارادوا لنا ان نكون، من سرقوا بلادنا وهويتنا. عشنا فقراء ولم نسرق ولم نتاجر ولم نمد يدنا من "تحت".

اما علاقتنا بالاخر فكانت علاقة الند بالند لاننا اصحاب البيت. لسنا ضيوفا على احد، قد يكون العكس هو الصحيح. قبلنا بالاخر لاننا لا نعرف الحقد ولا الافكار المسبقة.

ضحكنا من بليتنا لان هذا سر بقائنا ولكننا حفظنا ماء وجهنا. لم نضحك على انفسنا من اجل اضحاك الآخرين، بل من اجل الا نبكي ضحكنا، ضحكنا على خوازيقنا، لكي لا نتألم لقسوة الموقف الذي لا يطاق.

ضحكنا لاسباب وليس دون سبب. انظر فاغرا فاهي، فاتحا عيني واذني وانفي، ابحث عن لغتنا في المسلسل "شغل عرب"، فلا اجدها! نصفها عبرية اسرائيلية بمصطلحاتها الآنية "الطازة". ابحث عن الوان بلدي لا اجدها.. ابحث عن رائحة خبز امهاتنا ولا اجدها.. اجد ماتسة وشوكولاتة، بدل الزولابية والكستنا والعنبر، واللبنة والزعتر.

ابحث عن ام محمد وام عيسى واولادهما ولا اجدهم! بل اجد الابن (سليم) يبحث عن الشيكل بكل ثمن، وهمه الربح السريع، اما الحفيد فينغمس تحت "الكيبا" في ليل هسيدر بل يقرر ان هذا العيد له بعد حضاري وعمق انساني اكثر من مجرد شواء اللحمة في الاضحى، فيدعو العائلة اليهودية معتمدا طقوسها، ليقحمها بسخرية لاذعة في طقوس الاضحى!

طبعا الطابع الهزلي الساخر هو القالب هو الغالب وكان هذا يحمي ركاكة الموقف وتسطيح الشخصيات وخلعها من هويتها وجذورها وماضيها. تدخل الشخصيات وتخرج تتحرك ولكنها ميتة، لا رائحة لها ولا لون لا هوية ولا مميزات غير محاولة الاضحاك في مواقف سخيفة خيالية. غير حقيقية وغير مضحكة بل مربكة في الكثير الكثير من اللحظات.

والاهم من كل هذا لا تمثل مأزقنا ولا بلياتنا، لنضحك ونقول شر البلية ما يضحك! لا عجب ان يحب الشارع الاسرائيلي اليهودي هؤلاء العرب، هذا الشغل العربي، ويمتدحونه في صحفهم، اليس هذا ما ارادوا لنا ان نكون منذ الـ 1948؟ ألم يحاولوا تدجيننا وتهويدنا؟ ها هو هذا السيد يقدم لهم على طبق من تنك العربي الذي ارادوا، لا لون ولا رائحة، العربي الجيد.

فعلا "المكتوب يقرأ من عنوانه". شغل عرب، نعم ايها السيد، نجحت ان تحك لهم على جرب!! من اجل ماذا ايها الـ"سيد"؟ هل سألت نفسك؟ ام انك تنام الليل الطويل ولا من شاف ولا من دري؟ لو كنت مكانك لانهيت الحلقة بأغنية احد الكتاب العرب الجيدين: بعيد استقلال بلادي غرد الطير الشادي عمت الفرحه البلدان حتىالسهل والوادي في عيد اسرائيل يحلى لي الترتيل دمت يا بلادي باخلاص عربي عاطل محمد بكري

تعليق واحد

  1. هل من الأصح أن نضع رأسنا في الرمال… أضن ان سيد قشوع يفتح اعيننا على اخطاء نقع فيها لها ان تنسينا هويتنا…. فمن يشاهد شغل عرب, يعي تماما ان هذا هو الحال الذي سنصل له اذا ما لم نبدأ بالدفاع عن لغنما وعاداتنا….. هذا حال المتشائلين….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة