عن العنف مرة اخرى..!
تاريخ النشر: 02/03/13 | 23:31مثلما استيقظت قرية "مصمص" صباح يوم الجمعة على مصرع ابنها الشاب عمار رائد نظمي عبد القادر اغبارية ، ابن العشرين عاماً ، والطالب في الجامعة الامريكية بجنين، اثر حادث طرق ذاتي مروع في الشارع الموصل لمعاوية ، ها هي بلدة "كفر قرع" تصحو هي الاخرى فجر السبت على مصرع ابنها الشاب وسيم يوسف شندي في يوم عيد ميلاده الرابع والعشرين ، غدراً وغيلة ، حيث تعرض لاطلاق نار من قبل مجهول. وبذلك ينضم ابو شندي الى سلسلة ضحايا العنف في الوسط العربي ، هذا العنف الذي يستشري ويتفاقم ويتقوى بشكل رهيب بين جماهيرنا العربية ، رغم صرخات الالم والغضب والاستنكار الشعبي. فلا يمر اسبوع دون مقتل شباب في ربيع العمر وزهرة الحياة حتى باتت الجرائم مشهداً يومياً او اسبوعياً تقض المضاجع وتؤرق العقول ، دون ان تجد من يردعها .
لقد طرح موضوع العنف كثيراً ، وكتبت عنه عشرات بل مئات المقالات والدراسات والأبحاث والمعالجات ، وعقدت المؤتمرات والايام الدراسية ، ونظمت المظاهرات والتظاهرات والاضرابات استنكاراً لتنامي واستفحال ظاهرة العنف ، وتم التوقيع على عرائض تدعو الى نبذه واجتثاثه من جذوره، وتطالب الشرطه بجمع الاسلحة المرخصة وغير المرخصة من قرانا ومدننا العربية ، لكن دون جدوى ، ولا حياة لمن تنادي، فالآذان صماء لا تسمع ، والعنف ينتشر كالهشيم وبقطف الزهور اليانعة .
الواقع ان العنف باشكاله وادواته يشكل ظاهرة اجتماعية خطيرة ، وهو نتاج النظم الراسمالية ، ودليل على الانهيار الاخلاقي والانفلات الاجتماعي ، الذي يشهده واقعنا الراهن. انه احد الظواهر السلبية المدمرة ، ولا يأتي من فراغ ، وانما له اسبابه وعوامله ودوافعه ، ومرتبط بالتطور والتقدم التكنولوجي وعوامل البيئة عدا عن الانفجار السكاني وما يحدثه من آثار نفسية وسلوكية ضارة . ناهيك عن الاوضاع الاقتصادية والفقر والبطالة والحرمان وتدني مستويات المعيشة والحياة ، فهي من المسببات الاساسية في انتشار وتعمق العنف في المجتمع.
وما من شك ان التدهور الاقتصادي يقود الى التصدع الاجتماعي والضغط النفسي والاحباط والاكتئاب والاضطراب ، الذي يصيب شبابنا ويسيطر عليهم وينمي في داخلهم العدوانية ويؤدي بهم الى طريق غير سوي.
ولا نغفل ايضاً دور الاعلام ، خاصة الاعلام المرئي في تغذية روح وثقافة العنف ، فالدراما التلفزيونية والفضائيات تركز على بث ونشر العنف والقتل والمشاهد الجنسية الاباحية ، زد على ذلك التفكك الاسري والعائلي والتطرف الديني والصراع الطائفي والقبلي والثقافة الذكورية الدونية واساليب انماط التربية ، وكذلك تراجع الرقابة داخل المدارس والبيوت وترك الاولاد امام شاشات الحاسوب والفيسبوك ساعات طويلة دون رقيب، والابتعاد عن التربية الدينية .
وعلاوة على ذلك نكوص وتراجع القيم والاخلاق النبيلة ، وغياب روح المحبة والتسامح الانساني ، وانشغال الوالدين في العمل لتوفير احتياجات البيت ومستلزمات الحياة العصرية الاستهلاكية ومتطلباتها ، والبقاء خارج المنزل ساعات طويلة على حساب تربية الابناء ، الى جانب قمع الافكار والاراء بالقوة والتعسف ، حيث ان المجتمع الاستبدادي القهري التسلطي ، الذي يقمع الفكر ويصادر الحريات ويمارس القوة في اقصاء الافكار والاراء يتولد وينشأ فيه العنف والتعصب ، بعكس المجتمعات التي تسود فيها قيم الديمقراطية والحرية والتعددية وحقوق الانسان ، وفي ظل هذا المجتمع تقل وتضمحل ظواهر العنف والتعصب والاجرام والانحراف .
ان الخروج من دائرة العنف المتفاقمة يتطلب العمل الدؤوب المثابر ، والتنشئة الاجتماعية الصالحة الحقيقية ، وتعزيز الوعي التربوي والثقافة الديمقراطية ، واكتساب انماط فكرية وتربوية ايجابية ، وتنمية روح التسامح والتصافي والمودة واساليب التكيف والتعاطي مع الآخرين ، المبنية والقائمة على الاحترام المتبادل والحب والتقدير ، والالتزام بالاخلاقيات والقيم والآداب واحترام القوانين والنظم الاجتماعية والضوابط الاخلاقية القيمية ، وتذويت المشاركة الاجتماعية الايجابية والتفاعل مع الآخر ، وترسيخ التضامن والتكافل الاجتماعي . هذا بالاضافة الى تقديم برامج ارشادية للشباب في المدارس وبيوت الشبيبة والنوادي الرياضية لتنمية مهاراتهم وقدراتهم في مواجهة المواقف الصعبة ، والسيطرة على الذات والنفس في اوقات ولحظات الغضب والضغط . كذلك ايجاد الحلول لمشاكل وقضايا السكن ، وتحسين اوضاع الشباب الاقتصادية بتوفير اماكن عمل للعاطلين عن العمل بهدف تخليصهم من براثن البطالة القاتلة والفاقة والحرمان باشكاله الختلفة ، مع مزيد من الحريات وارقابة على ابنائنا فلذات اكبادنا.
اننا مدعوون جميعا، بغض النظر عن انتماءاتنا السياسية والحزبية ومعتقداتنا الفكرية والايديولوجية وقناعاتنا الذاتية ،لاجل بناء مشروع تربوي وبرنامج مستقبلي لمكافحة واجتثاث ظواهر العنف المستفحلة كالسرطان ، التي تنهش جسد مجتمعنا ، فقد بلغ السيل الزبى ولم يعد الوضع يحتمل ، فقد اصبحنا نعيش في شيكاغو او تكساس .
اخيرا، فاننا نستنكر حادثة مقتل الشاب القرعاوي ابو ندي ، ونطالب الشرطة بملاحقة الفاعل وتقديمه للمحاكمة ، ومن واجبها الاسراع في جمع الاسلحة المرخصة وغير المرخصة ومصادرتها من جميع القرى والبلدات والمدن العربية ، من الشمال حتى الجنوب، وهي قادرة على ذلك اذا شاءت . وبكل الالم والحزن والغضب الشديد نصرخ من اعماقنا ونقول: كفى للعنف والقتل والاجرام والتسليح .