آن لأدب الأطفال العربيّ أن يتحرّر من "عباءة التربيّة"
تاريخ النشر: 04/03/13 | 11:11في محاضرتي بعنوان "اتجاهات وملامح بارزة في أدب الأطفال العربيّ" التي قدّمتُها بالعبريّة في مؤتمر قطريّ لجمهور مديرات ومديري المكتبات الأهلية في البلاد يوم الخميس الماضي ( 28.2.2013 ) أكّدتُ على ما يلي:الأطفال هم أملنا لمستقبل مشرق، وهم جديرون بكلّ رعايتنا واهتمامنا، وأن نقدّم لهم أفضل ما لدينا لتلبية حاجاتهم المادّية والعقليّة والنفسيّة.
ويجدر بنا أن نتذكّر أنّ الأطفال يتصفون بحساسية مفرطة، وليهم حبّ استطلاع كبير لارتياد عوالم وآفاق جديدة، ويمتلكون قدرة كبيرة على الانبهار والدهشة، وهذه الصفات قد يفتقدها الكبار البالغون الذين أرهقتهم أعباء الحياة، فتبلدت حواسهم،
ووهنت ردود فعلهم!
ويلعب أدب الأطفال دورًا حاسمًا في تنشئتهم السويّة، وفي بلورة شخصيّاتهم وصقلها، وفي إكسابهم المثل والقيم التي تحصنّهم أمام زحف العولمة وتحدّيات انفجار المعرفة!
وأدب الأطفال هو أدب أوّلا وقبل كلّ شيء، وعليه أن يحرص على توفير المعايير الأدبيّة الفنيّة الجماليّة، ولا يكتفي بنقل الأفكار والقيم مهما كانت سامية!
وكتابة العمل الأدبيّ الجيّد للأطفال تتطلّب الموهبة ومعرفة عالم الأطفال وميولهم وحاجاتهم وقدراتهم العقليّة والعاطفيّة واللغويّة، لذلك كانت الأعمال الأدبيّة الناجحة للأطفال ملكًا مشتركًا للجميع لا تعرف حدود المكان ولا الزمان (من أمثلة ذلك: حكايات ألف ليلة وليلة، سندريلا، القبعة الحمراء، هاري بوتر وغيرها..).
ثمّ انتقلتُ للحديث عن ماهية أدب الأطفال والفتيان، مشيرًا إلى أهمية مضمون هذا الأدب – بعد توفّر المقوّمات الفنيّة الجماليّة – والابتعاد عن الوعظ والتلقين ونقل قيمنا – نحن الكبار البالغين – وعاداتنا ومفاهيمنا لهم، لأنّ الأطفال مخلوقون لزمانٍ غير زماننا، وبهذا السياق أوردتُ ما كتبه جبران خليل جبران عن الأولاد/الأبناء في كتابه "النبيّ":
”أولادُكم ليسوا أولادًا لكم
أولادُكم أبناءُ الحياةِ المشتاقةِ إلى نفسِها:
بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم.
ومع أنّهم يعيشون معكم، فهم ليسوا مُلكًا لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبّتَكم، ولكنّكم لا تقدرون أنْ تغرسوا فيهم بذورَ أفكارِكم، لأنَّ لهم أفكارًا خاصةً بهم.
وفي طاقتِكم أن تصنعوا المساكنَ لأجسادِهم،
ولكنَّ نفوسَهم لا تقطنُ في مساكنِكم.
فهي تقطنُ في مسكنِ الغد، الذي لا تستطيعون أنْ تزوروه حتّى ولا في أحلامِكم.
وإنّ لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلَهم،
ولكنّكم عبثًا تحاولون أن تجعلوهم مثلَكم.
لأنَّ الحياة لا ترجعُ إلى الوراء، ولا تلذّ لها الإقامةُ في منزلِ الأمس".
وواصلت عرض أهم الملامح الاتجاهات البارزة في أدبنا المحلّي للأطفال وأهمّها:
تأثّر هذا الأدب بأدب الأطفال في العالم العربيّ، وبصورة خاصّة ب "نموذج" كامل كيلاني (1997- 1957) في مؤلفاته للأطفال وأهمها: الرجوع للتراث العربي والعالمي وعدم التطرّق للواقع المعيش، تأكيد الوعظ والتعليم، استخدام اللغة العربية الفصيحة الراقية.
كما تأثّر أدبنا المحلّي للأطفال بأدب الأطفال العالميّ والعبريّ، خاصّة بكلّ ما يتعلّق بالتعامل مع قضايا ال "هنا والآن"، وبالنواحي الشكليّة الفنيّة المتمثّلة في الطباعة والورق والرسومات والألوان!
لا شكّ، أنّ أدبنا المحلّي للأطفال قد مرّ بمراحل وتطوّر كمًّا وكيفًا، ويشهد في العقدين الأخيرين "تضخّمًا" في الإصدارات، ولكنّ يصعب التمييز بين غثّه وسمينه، لافتقارنا لحركة نقديّة جادّة ومنهجيّة تتابع وتقيّم هذا الإنتاج الضخم!
فهو، مع كلّ التطوّر والتحسّن، لم يتحرّر من عباءة التربيّة والتعليم، ولم يعالج بصورة كافية موضوعات تتعلّق بالأبعاد القوميّة والوطنيّة، ولم يعرض بصورة متوازنة شخصيّة البنت/المرأة مقارنة بشخصيّة الولد/الرجل، ولم يمثّل جميع الألوان الأدبيّة للأطفال والفتيان، فهناك نقص حادّ في الروايات والمسرحيات للفتيان، ونقص في ما يُعرف بأدب الخيال العلميّ، والكتب المترجمة أحيانًا لا تلائم أطفالنا في مضامينها ورسوماتها.
وأخيرًا: لم يتمكّن أدب الأطفال المحلّي من التغلّب – بصورة مُرضية ومُقنعة – على ظاهرة العزوف عن القراءة، فأمّة اقرأ لم تتجذّر لديها عادة القراءة والمطالعة الذاتيّة الحرّة!
المحاضرة كانت شيقة وجديرة بالاهتمام كل الاحترام لدكتور محمود ابو فنة على الاداء الجميل ودمت فخرا لنا.