حالة حب في زمن الحرب: بقلم جودت عيد
تاريخ النشر: 17/06/15 | 9:07قراءة في كتاب “قربان على مذبح الحب” الشاعر كمال ابراهيم
من الصفحة الاولى حتى آخر الكتاب يأخذك الشاعر في حالة من حب ويكرّس للعشق والعشاق ذلك المذبح من خلال مقطوعات تتماهى ما بين العاطفة والتملك والهيام، وتشعر انك تكتشف عاشقا جريئا يعبر ببركانية الكلمة وينحاز الى أنانيته من جهة والى شغفه المطلق بالآخر/ الأخرى من جهة ثانية. بالذات في زمن الاضطرابات والحروب بالذات في زمن من دم وانتقام من تهجير ومن ظلم لكنه الانسان… نحتاج الى الحب. نحتاج الى اكتشاف جديد داخلنا، الى اكتشاف مسارات الخير والحب الانساني المطلق كحالة ارتقاء كحالة ميتافيزيقية تجبلنا من جديد لعالم اكثر جمالا اكثر حبا اكثر سلاما…
يقول في صفحة 4: أريدُكِ رَغمَ بُعدِ المسافاتْ / بِكِ يطيبُ الليلُ وتنتهي الآهاتْ /أنتِ حُبِّي وَمُرادِي وأنتِ الحياة / كمْ أتوقُ اليكِ مع تلألؤِ البَدْرِ والنجماتْ / كونِي لي صَديقة أبحَثُ فيها عَنْ بقايا وَطَنٍ في الشتاتْ…
في هذه البداية يلبسها المدن وكل الجهات ويريدها رغم بعد المسافات.
يذكر الشاعر العينين بشكل كبير/ لعينيّ معشوقته أهمية كبيرة وتشكلان بداية ونهاية وغرقا ومرسى صفحة 6 (سواد عينيك الساحرتين)، صفحة 8 بسحر عينيك تغنيت، صفحة20 “تتباهى بغمزة الجفنين”، صفحة 36 سأترك بين عينيك قبلة غراء، صفحة 42 عيناك السوداوان وغيرها…
قصيدة تعترض هذا الشغف وتطل من صفحة 39 حين يقول وداعا لعام 2014 ويأخذنا الى مكان بعيد عن شوقه وشوكه ويقول: ص 39 وَداعًا لعامٍ ما مِثلهُ عامْ / عامِ الشؤمِ ليسَ ككلِّ الأعوامْ ،/ فيهِ اندَحَرَ السِّلمُ وَسَالَ الدمُ ،/فيهِ طالَ القصْفُ غزة هاشِمَ ودمشقَ الشامْ / بئرَ السَّبعِ وعَسْقلانْ / وَداعًا لعامٍ وأهلا بعامْ / يكونُ فيه سَلامْ ، يَفرَحُ فيهِ أطفالٌ أيْتامْ…
ويستأنف الوله والعشق ببعض ملامحه الاباحية احيانا وبحالاته الوصفية التي تثير الشاعر ص 41 في قصيدة أمنية عاشق – يذكرنا برواية احلام مستغانمي ولكن يتمرد على عنوانها الاسود يليق بك فيقول: قميصك الاحمر يليق بك / تغارُ منهُ الوردَةُ الحمراءْ / شِفاهُكِ الحُمْرُ أمنيةُ عاشِقٍ جَنَّ جنونُه مِنْ شِدَّةِ الإغراءْ / شَعْرُكِ الأسوَد حَالِكٌ كالليل يكسُو الرٌّقبَةَ السَّمْراءْ.
يرفع معشوقته ككل عاشق في قصيدة أميرة الشرق ص 43 حماكِ اللهُ يا أميرةَ الشَّرْقِ / يا مُهْجَةَ الرُّوحِ
يا لوْعَةَ الشَّوْقِ ،/ وَجْهُكِ نورُ الضُّحى / وفي الليلِ يَشِعُّ كالبرْقِ / بنظرَةٍ مِنكِ آمنتُ بالعُلا / برَبِّ السَّماءِ مِنْ فوقِي/ أنتِ مليكةٌ إذا مَرَّ موكِبُكِ سَجَدَتْ لَهُ النَّاسُ في الطُّرُقِ… كما ويتوجه الشاعر الى المحبوبة/ الأنثى/ المرأة/ الأرض/ الحبيبة/ الوطن ويحاورها ويغازلها ويعاتبها ويستجديها ويحبها ويحبها ويحبها… وكم لدى الانسان من هذا الحب الذي يروح ويغيب في غياهب الحرب وقتل الانسان…
نرى موضوع الجهات يشغل حيزا لا بأس به ويذكر ملامح الوطن ويذكر مناطق وأسماء مدن وقرى والجنوب والشمال وغيرها ويذكر بالذات الجليل كثيرا، ربما بسبب حبه للجليل بالإضافة لكونه ابن الجليل. ولكن يبرز تعلقه في المكان وليس مجرد مكان انما يذكر اسماء القرى والمدن ويشدد على تلك العلاقة التي تتماهى مع حالات الحب التي يعايشها والصور الكثيرة التي تدور في فلك تحليقه العاشق. يخرج من الجليل والبلاد الى أماكن أخرى مثلا ص 48.
الكتاب مكثف بالأوصاف والاندفاع العاشق. كان من الاجمل والافضل حسب رأيي عدم التزام قافية التي تكررت في العديد من المقطوعات والتي بحسب رأيي قد تكون أجمل لو ترك لقلمه التحليق كما شغفه دون الالتزام بقانون القافية والانحسار داخل قوالب تضعف النص والعرض.
يفاجئنا في عدة مواطن بانزياحه عن دائرة العشق ص 59 حيث يهدي قصيدة لروح الشهيد الاردني معاذ الكساسبة، وفي ص 39 وداعا لعام 2014 وفي ص 11 كبرت يا قيس… وكأننا لا نستطيع ان نمارس حالات الحب الكاملة دون التواصل مع الواقع الذي نعيشه في هذه المنطقة، الواقع الذي يفرض حضوره ووجعه في كلمة كل شاعر حساس…
الغلاف الأمامي: العنوان “قربان على مذبح الحب”: يشرحه من خلال قصيدة ص 26 ويقول قربُكِ جَنتِي
هجرُكِ نكبَتِي/ أنتِ حُبِّي في سَهَرِي الطَّويلْ / أنتِ فَجْرِي وَصُبْحِيَ الجَمِيلْ / أحبُّكِ يا نجمةَ الرِّمْشِ الكَحيلْ
يا مَليكةَ الوَجْهِ الأثيلْ / أنا لكِ عُصْفورٌ وأنتِ عُشِي ليسَ لي عَنْكِ بَدِيل / أنتِ غُنْوَتِي / أنتِ قصَّتِي /أنتِ عِشْقِيَ المُسْتَحيلْ / أحِبُّكِ حُبَّ اللهِ لهابيلْ / أحِبُّكِ حُبَّ ابراهيمَ لإسماعِيلْ / أنا لكِ قرْبانٌ على مذْبَحِ الحُبِّ الأصِيلْ.
الغلاف الخلفي/ الخاتمة: يطرح قصيدة بينما نبحث عن عنوانها داخل الكتاب ونجده ص 38 “بدايتي ونهايتي”. كما يبدو يدعونا من خلالها بكل شغفه وأنانيته كعاشق واندفاعه في التيه والولع يدعونا لنطرح التساؤل: هل البداية حب؟ هل النهاية حب؟ وهل يقول الشاعر لنا بدايتي ونهايتي حب؟
يضع الشاعر لنا كتابا آخر قرب هيكل الحب عند مذبح العاشقين التائهين في زمن يحتاج الحب…
دمت بخير وابداع، دمت للكلمة والقلم. أحلى الأماني نحو اصدار جديد.