هل تكون الطلقة الأخيرة وحدة اندماجية
تاريخ النشر: 05/03/13 | 2:22يتزايد تلبد الغيوم السوداء في فضاء المشهد السوري ويتزايد على الأرض السورية تساقط الأرواح وكأنما باتت مهمة السلاح الصاروخي إطلاق الصواريخ في اتجاه مناطق خرجت أطياف فيها على طاعة النظام وأن واجب الطيارين الذين ينفذون أوامر قصف الأهداف السكانية والمؤسسات والأفران هو فقط لهذا الغرض وهم الذين أمضوا دورات وتدريبات وأنفقت الدولة عليهم ملايين الليرات بهدف أن يصدوا ذات يوم عدوانا خارجيا يمكن أن يتعرض له بلدهم. والعدوان الخارجي هذا هو تحديدا إسرائيل وليس أي طرف آخر.
مشهد في غاية السوء حدث لبضعة أشهر في السبعينات في لبنان حيث تبعثر الجيش الموحَّد «جيوشا» لكن هذه «الجيوش» لم تفعل ما يفعله الجيشان السوريان «جيش النظام» و«الجيش الحر» حيث إن الأول ينفذ سياسة «المناطق المدمَّرة» توأم سياسة «الأرض المحروقة» وإن الثاني الذي يقاسي من ويلات الصواريخ تطلقها مقاتلات وأحيانا تحل براميل القتل محل الصواريخ وكلها من مآثر العلاقة مع روسيا ماضيا وحاضرا، تغمره مشاعر الابتهاج عندما يتمكن أفراد منه من إسقاط طائرة أو إعطاب دبابة أو تدمير ناقلة جنود، وكأنما هذه الأهداف ليست للبلد ولم يتم اقتطاع أثمانها من قوت العشرين مليون سوري.
والمحزن أن النبأ اليومي الذي يحدد أعداد الذين يسقطون قتلى أو جرحى وبث اللقطات المصورة للدمار الذي أصاب أحياء سكنية في معظمها بات من الأنباء الروتينية. وأما تدفق النازحين إلى دول الجوار وألوف الهائمين على وجوههم داخل الأراضي السورية، فإنه لم يعد يُضيف المزيد من رد الفعل الصادم إلى النفوس كما الحال من قبل، وذلك لأنه بات أيضا روتينيا.
في ضوء اقتراب المحنة السورية من دخول سنتها الثالثة وما يحيط بالمسألة من تعقيدات أبرزها أن النظام البشاري لا يرتدع عن خياره الأمني وأن المعارضة بمعظم فصائلها و«جيشها الحر» لا يمكنها التضحية بما تبقى من التضحيات، فإن المتابع مثل حالي لما حدث وكيف أن الممانعة الإيرانية – الروسية لأي حل لا يكون للطرفين النصيب الأوفر منه ومن أجل ذلك فإنهما لا يتيحان المجال أمام أي تسوية موضوعية، يجيز لنفسه ومن خلال استحضار حالات حدثت في الماضي التوقع بأن تكون الطلقة الأخيرة التي ربما يلجأ إليها الرئيس بشَّار مثل تلك التي سبق أن لجأ إليها مع اختلاف الدوافع الرئيس شكري القوتلي عندما توجه إلى القاهرة طالبا من الرئيس جمال عبد الناصر تحقيق وحدة اندماجية بين مصر ذات الثلاثين مليونا (الآن عدد سكان مصر يقترب من التسعين مليونا) وسوريا ذات الأربعة ملايين نسمة (الآن عدد سكان سوريا يقترب من الأربعة وعشرين مليونا).
ولأن الفكرة مغرية لقائد مثل عبد الناصر يتطلع إلى زعامة تتجاوز حدود مصر فإنه ومن دون التبصر بالتداعيات المحتملة تجاوب وكأن الإعلان عن قيام الوحدة الاندماجية بين البلدين وهي وحدة نشأت بفعل مشاعر وغابت عنها الرؤية الاستراتيجية ولأنها كذلك فإن الأساليب الأمنية قضت على التجربة التي عاشت 1313 يوما لعل الألف منها كان عبارة عن متاعب فيما ا313 يوما كانت إذا جاز التصنيف بمثابة شهر عسل وحدوي حفَل بالخُطب والحماسة الجماهيرية المنقطعة النظير والأغاني الحماسية عن الوحدة «ما يَغْلبها غلاب» ثم تبين أن بضعة ضباط متوسطي الرتبة قصفوا وعلى أهون سبيل عمر تجربة وحدوية كانت مستحيلة التحقيق إلى أن طرق الرئيس شكري القوتلي باب مصر عبد الناصر طالبا الوحدة وذلك خشية أن تسقط سوريا كما اليمن الجنوبي في الشرك الماركسي.
وذلك لأن ما يشبه التجانس حصل بين الخالديْن (خالد بكداش أمين عام الحزب الشيوعي السوري وخالد العظم المليونير البرجوازي الأحمر والسياسي الداهية) على نحو تجانس حصل بالتدرج في لبنان في بدايات عام 2006 بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والسياسي الماروني الجنرال ميشال عون مع أن الاثنين مذهبيا وفكريا على طرفي نقيض ولكن الحضور المسيحي في برنامج حزب الله أوجب على السيد حسن التحالف مع الجنرال عون الذي حاله مثال حال خالد العظم.
فهذا الأخير يتطلع إلى أن يكون رئيس جمهورية سوريا وليس فقط رئيس حكومة وافترض أنه بتحالفه مع الحزب الشيوعي يمكن أن يحقق مبتغاه. والجنرال عون متلهف إلى أن يعوِّض استهانات مسيحية وسورية به في حقبة من زمن الحرب اللبنانية بترؤس الجمهورية واعتبر أن الطريق السالكة إلى ذلك هي بالتحالف مع حزب الله واستطرادا بمحو الاستهانات السورية به والتعريض من جانبه خلال سنوات المنفى الاضطراري في فرنسا بالدور السوري في لبنان والذي بهذا التعريض والأوصاف التي أطلقها على هذا الدور ومنها أنه «احتلال للبنان» بنى شعبيته. وكما لم يثمر التجانس بين الخالديْن (العظم وبكداش) وقامت الوحدة التي ألغت إلى الأبد المكانة السياسية للعظم فإن التجانس بين حزب الله والجنرال عون لا جدوى منه، ربما لأن حالة عقم لا ينفع فيها الزرع السياسي للأنابيب.
لكن على الرغم من ذلك فإن الجنرال عون يأمل كما حزب الله ونظام الرئيس بشار الأسد بما نفترض أنه الطلقة الأخيرة وهي أن يقرر الأخير في لحظة خاطفة من التخلي أن يحذو حذو الرئيس القوتلي في الخمسينات فيحط الرحال فجأة في طهران ويطلب من مرشد ثورتها تحقيق وحدة اندماجية بين إيران وسوريا.
وبهذه الوحدة يتاح لإيران إرسال ألوف من القوات وألوف من «الحرس الثوري» وألوف الصواريخ وألوف المدافع وألوف ألوف صناديق الذخيرة وكل ذلك بالتنسيق مع روسيا التي تتولى قطع أسطولها نقل هذه المساندة إلى سوريا البشارية.
ومثل هذه المساندة حدثت في الستينات عندما حاول عبد الناصر تعويض ضربة انفصال سوريا عن مصر بمساندة الثورة في اليمن فانتهى الأمر إلى أن الوجود العسكري المصري في اليمن انتهى حالة إنهاك للجيش المصري بدليل أن قدرات هذا الجيش خلال حرب 5 يونيو 1967 كانت دون المستوى بكثير.
وقد نجد من يقول ولكن أي وحدة اندماجية يمكن حدوثها ما دام ليس هناك امتداد للأرض بين إيران وسوريا.
ولكن هل عندما تمت الوحدة بين مصر وسوريا في الخمسينات تمت بين دولتين متجاورتين. الجوار الوحيد كانت مياه المتوسط حيث الإسكندرية في مصر واللاذقية وطرطوس في سوريا. وأما عدا ذلك فالأجواء هي الرابط بينهما.
ويبقى أن ما يعزز هذا الافتراض من جانبي كمتابع لأحوال الحاضر ربطا بأحوال الماضي أن الدول الكبرى وتحديدا الولايات المتحدة وحليفاتها لا تحسم الأمر وتترك الوطن السوري الجريح ينزف دما ويزداد خرابا وتتسع رقعة قوافل اللجوء والنزوح والتيه.
ولذا فإنها ربما لن تردع الرئيس بشار إن هو طرق الباب الإيراني طالبا الوحدة الاندماجية بين البلدين وبحيث يكون المذهب هو الجامع بين إيران ذات النظام بالمذهب الشيعي وسوريا البشارية العلوية.. وإلا فما معنى أن تعتبر إيران أن هذه ا«سوريا البشارية» خط أحمر وما معنى ما قيل جسا للنبض أو مجرد توجه أن سوريا هي المحافظة الخامسة والثلاثون لإيران وأنها «أكثر أهمية من الأحواز» وأنها كما هو المخطط الإيراني، جارة المحافظة السادسة والثلاثين أي لبنان والسابعة والثلاثين أي اليمن والثامنة والثلاثين أي العراق والأربعين أي البحرين.
هل يا ترى سيحدث هذا الذي أوردناه ويمكن تصنيفه بأنها الطلقة الأخيرة في المسألة السورية وأنها طلقة ربما تركها كوصية الرئيس حافظ الأسد لابنه الرئيس بشَّار ولخصها بالقول افتراضا: في نهاية المطاف إن الشعب السوري الذي لم ينتفض علي سينتفض عليك.
وفي هذه الحال يمم وجهك شطر الثورة الإيرانية فأنت أهم ورقة لحلمهم الإمبراطوري شرط بقاء لبنان لك ولهم. والله أعلم بما في النوايا الإيرانية الأسدية.