طوبى لكم

تاريخ النشر: 18/06/15 | 8:44

طوبى لكم، أفخر وأعتزّ بكم وبشعاركم ” النظافة من الإيمان ”
أعجبني وأثلج صدري رؤية مجموعة من أهل قريتي الحبيبة ” زلفة “، من شبابها، وفتيانها، وهم يتطوعون لتنظيف مدخل القرية، وبعض شوارعها وحاراتها، ويدهنون، ويثبتون ألوان تخطيط الشارع، والاشارات المرورية المرسومة عليه. كلهم يشارك ويعمل كخلية نحل.
ولا يساورني أدنى شكّ، بأنّ هذه الفعاليّة الرّاقية ستعمّ كلّ شوارع وحارات القرية، بفضل همّة الشّباب الطيّب.
أعجبني العمل…!
وأنا على يقين، أنّ الوازع هو قيمة الانتماء، وحبّ الخير والعطاء، والتّعاون والمشاركة.
والعمل بحديث رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم):
” النّظافةُ مِنَ الإيمانِ ”
فنحن بهذا نحفظ ونقيم سُنّة من السُّنن، بالحفاظ على النّظافة.
وكذلك العمل بالحديث الشّريف:
الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا اله الا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق.
يا لهذه المكانة السامية في ديننا الحنيف لموضوع النّظافة…!
وما أجمل أن نأتمر بأمر رسولنا الكريم وأن نحافظ على النّظافة كسنّة من سننه.
وما أجمل أن تكون النّظافة مظهراً من مظاهر الجمال والرُّقيّ والتّقدم والحضارة. فالبيت النّظيف، والبلد النّظيف، يعكس صورة جميلة، واضحة وراقية، لأهله، وسكانه، ولمستواهم الفكري، والسلوكي، والاجتماعي.
النظافة سلوك فردي، وجماعي، يعود خيره على الفرد والمجتمع. فنظافة الفرد الخاصة تكون في جسمه وملبسه ومأكله ومشربه، وتعود عليه، على مظهره الخارجي، وعلى جسمه، وصحته بالفائدة العظيمة، وهكذا تعود أيضاً على المجتمع بأسره إن حافظ عليها وجعلها نهج حياة.
ولا أظن اننا بحاجة إلى طول شرح وتفسير حول ظاهرة النظافة الشخصية ومردودها الايجابي على صحة الافراد والمجتمعات ولا تقلّ عنها النّظافة العامّة، في البيت، والشّارع، والمدرسة، والجامع، وكل مؤسّسة، أو مكان يجتمع فيه الناس. وبذلك نساعد على نظافة البيئة، وجمال منظرها، وعلى صحّة وسلامة المجتمع بأسره، لأنّ النّظافة لا تعطي فرصة لتواجد أو تكاثر الحشرات والقوارض على انواعها. بينما بعدم الحفاظ على النّظافة، نوفّر بيئة ملائمة لوجود وتكاثر معظم انواع البكتيريا والجراثيم، علماً بأنّها المسبّب الرئيسي لمختلف أنواع الأمراض. ونحن نعلم أن ” المؤمن القويّ خيرٌ منَ المُؤمن الضّعيف ” والقوّة والضّعف هنا تحتمل اكثر من تفسير، فيمكن أن يكون قوياً بقوة إيمانه، أو ضعيفاً بضعف إيمانه أيضاً، وليس فقط جسميّاً. فلنكُن أقوياء بإيماننا وبصحتنا الجسديّة.
امّا الّذي لفت نظري الى هذا العمل، فضلاً عن انه عمل خير ويعود بالفائدة على جميع أهل القرية، أنه اتى بتوقيت جميل ومميّز، وهو مع هلال الشّهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، شهر الإيمان والتقوى، والخير والعطاء، والتّراحُم، والتّسامح، والتّآخي، والمحبة في الله.
فمن هنا، طاف في وجداني معنىً آخر للحديث المذكور، يجعله أكثر جمالاً وعمقاً، وأكثر تقريباً للإنسان من الله ورسوله، وهو النّظافة المعنويّة:
النظافة القلبية، والنفسية، والعقلية. لا سيّما في هذا الشّهر الفضيل، راجية الله أن تبقى هذه النّظافة في قلوب الجميع على مدى الشّهور والايّام.
وهكذا تكون النّظافة التي ننادي بها، أيضاً هي النظافة القلبية من سائر أمراض القلب، كالحقد، والضّغينة، والكراهيّة، والحسد، والأنانيّة، والقسوة، والثّأر، والشّرك بالله، ورسوله، وسائر الانبياء والرُّسل. والتّشكيك برسالاتهم. فهي النّظافة من كلّ شعور سلبيّ يخالج القلوب مهما كان نوعه وتوجّهه.
أما النّظافة النّفسيّة، فهي النّظافة من الأمر بالسّوء، وهو أحطّ درجات النّفس، أيّ سوء، وكلّ سوء، ممّا نعرفه، ونحدّده من خلال تعاليم ديننا الحنيف، أو من خلال عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا، وحضارتنا العربيّة الأصيلة والعريقة. فإن معظم الأخلاقيات التي حثّ عليها الإسلام كانت موجودة ومتّبعة في المجتمع والبيئة العربيّة، كالأمانة، وإكرام الضّيف، والكرم عامّة، وحسن الجوار، وإجارة المستجير، وغضّ الطّرف (وبالذّات عن الجارة) حيث يقول فارس الجاهلية، الرّجل الشّهم عنترة بن شدّاد:
وَأغُضُّ طَرْفي إنْ بَدَتْ لي جارَتي حَتّى يُواري جارَتي مَأْواها
إنّي امْرُؤٌ سَمْحُ الْخَليقَةِ ماجِدٌ لا أُتْبِعُ النَّفْسَ الّلجوجَ هَواها
فالمجتمع العربيّ مجتمع أصيل، اختار الله منه خاتم انبيائه، ووهبه أعظم رسالاته، لأنّها الرّسالة الخالدة للنّاس كافّة.
ولذا تكون نظافة النّفس هي النّظافة من السّوء الذي تأمر به تلك النّفس الأمارة، وهو ما علينا أن نحافظ على نظافة أنفسنا منه، وهو كل عمل شرّ يؤذي الشّخص نفسه به، أو يؤذي الآخرين. وهكذا فهو بالتّالي يؤذي المجتمع، إذ يبدأ بالأفراد وينتهي بالمجتمع بأسره.
ولا يخفى علينا ما هو أمر النّفس بالسّوء، فهو يبدأ بالميل، ميل النّفس لكلّ ما هو مضرّ لها أولاً، كشرب الخمر والمُسْكرات على انواعها، وأعمال العنف، والمعاصي ككلّ علاقة غير شرعية، والقتل، وهتك الأعراض، وقذف المحصنات… والسّرقة، وغيرها الكثير.
أمّا نظافة العقل أو الفكر، فهي النّظافة من جميع الأفكار السّلبية المسمومة، الّتي يفكّر بها الإنسان. سواءً كان ضررها على المستوى الشّخصي الفردي، أو على مستوى الآخر، والجماعة، فإن العقل السليم يعترضها، ويوقفها عن التّنفيذ، بل يمحوها من أجندة العمل.
فالعقل السّليم لا يسمح بأيّ تخطيط، لأيّ قول، أو عمل أو سلوك سلبيّ. وهكذا تسهم نظافة العقل والتفكير ببناء مجتمع متراحم، ومتكافل، ومتسامح ومُتحابّ في الله.
وهنا لنا وقفة مع هذا الحديث القصير، الذي يبدو للوهلة الاولى بسيطاً، ولكنّه يحمل بين حروفه كلّ الشريعة الاسلاميّة السّمحة، من أبسط وأصغر المبادئ، الى أرقاها وأعظمها. فإن حافظنا على النظافة، بكل أنواعها، وألوانها، ودرجاتها، ومحطّاتهاالمذكورة، كانت سبيلنا الواثق إلى مرضاة الله ورسوله. ومن ثمّ إلى النّهاية المرجوّة، وهي الحياة الأبديّة النّظيفة من كلّ الوساوس والأدران. الّتي تتحدّث عنها الآية الكريمة:
” لا يَسْمَعونَ فيها لَغْواً وَلا تَأْثيماً إلّا قِيلاً سَلاماً ”
(25- الواقعة)
اللهم اجعلها نظافة للقلوب، ونظافة للنفوس والعقول، كما كانت نظافة للقرية والبيئة.
وبارك الله فيكم أيها الشّباب، وبارك جهودكم، ووفّقكم إلى ما يحبّ ويرضى وأنعم عليكم بالصّحة والعافية، وقدّركم دائماً على عمل الخير، وأدامكم الله قرة أعين لوالديكم ولكل من يحبونكم، جزاكم الله خيراً، وكثّر من أمثالكم.
استمروا على طريق النظافة في المسارين، المحسوس والمعنوي، وعين الله تكلؤكم وترعاكم.
أخيراً لابد لي أن أوجّه كلمة شكر وامتنان لمن بادروا ونظّموا، فإن هذا إن دلّ فإنّما يدلّ على نفس طيّبة ورائقة يسعدها الخير والعطاء، وتزدان رؤاها بالأمانة والانتماء. وكذلك لمن عملوا ونفّذوا وأتقنوا. عافاكم الله ورعاكم جميعا. والله وليّ التّوفيق.
صغيرةٌ أنتِ

وجنيتِ فيه من المحصولِ أحلاهُ الى ابن عامرِ زلفــتِ شامخــــةً
لمجــــدهِ وخيـــرهِ عيـناكِ ترعاهُ كنتِ على مرِّ السنينِ حارســــةً
أأميرةٌ والحسنُ في عينيكِ سكناهُ جلستِ على هامِ الرواسي تُرى
لاحَ الســـلامُ كــــان القلبُ مأواهُ زلفة يا خـــــــــيرَ البـــــلادِ اذا
وفي رُبــاك ســـكونُ النّفسِ نلقاهُ ففي هوائــــــِـكِ أنفاسُ الرضى
وتـــرابـــُـكِ أغـــلــى ما مــلكناهُ زيتـــــــونُك واللــوزاتُ رائعةٌ
مـَــثـَــلُ العــفافِ كم كنَّا ضربناهُ أهـــــلــــوكِ نــــعمَ الأهلُ إنَّهمُ
الله فــــي هــــذه الارضِ الــقـــاهُ زلـــــفــــة بوركتِ يا فِردَوسَنا
نـــلــــقــاكِ فيـــهِ وفيكِ من شذيَّاهُ هذا الخزامـــى مفتونٌ بنرجسهِ
ونـبــضُ الـحــبِ فـيـكِ ما أُحَيْلاهُ صـغيرةٌ أنتِ مثلُ القلبِ نعشقهُ

كلّ عام وأهلي – أهل بلدي الطّيبين – بألف خير، يرفلون بأثواب الطّاعة وينعمون بنعمة الرّحمة والغفران.
رمضان كريم ونظيف.

بقلم المربية: نبيهة راشد جبارين

0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة