النائب الدكتور باسل غطاس (التجمع) يلقي خطابه الأول في الكنيست
تاريخ النشر: 06/03/13 | 10:14ألقى النائب الدكتور باسل غطاس (التجمع) ، امس الثلاثاء ، الخطاب الأول له في الكنيست ، حيث استهل خطابه بما يلي: "حضرة الرئيس، أعضاء الكنيست المحترمين، الضيوف الكرام، أقف أمامكم ويراودني سؤال كبير حول ماهية ومعنى أن تكون نائبا عربيا في برلمان دولة تعرف نفسها على أنها دولة اليهود بمعنى أنها تقصي في واقع الأمر مواطنيها العرب من اللعبة السياسية الحقيقية. هل هناك ثمة أسباب جيدة تبرر لي تركي لأعمالي وانشغالاتي السابقة وخوض غمار العملية الديموقراطية والتي شارك فيها أكثر من 60% من أصحاب حق الاقتراع العرب؟ ، في كل مرة أدخل فيها من أبواب الكنيست يدخل معي مئات الاف المهجرين وأبناءهم وأحفادهم الذين تحولوا إلى لاجئين في وطنهم وهم يشكلون ربع المواطنين العرب في البلاد. أرى أمام عيني يوميا على وجه الخصوص لاجئي إقرث, كفر عنان وفراضة الذين نشأت معهم في قريتي الرامة التي لجأوا اليها عام 1948. أرى آلاماهم ومعاناتهم وشعورهم بالظلم والمرارة ، هذا الشعور الذي لم ينطفئ أبدا وانما يتعاظم من جيل إلى جيل، هذا الشعور الذي لا مثيل له من حيث القسوة ، معاناة الناس التي ترى يوميا أراضيها وأطلال بيوتها ولا تستطيع العودة إليها وتراقب الغرباء الذين أتوا واستولوا عليها وشيدوا فيها بيوتهم وأقاموا عائلاتهم، وأحيانا بلغت القسوة ما لم يتحمله بشر حيث اضطر بعض المهجرين للعمل عند هؤلاء المستوطنين من أجل لقمة العيش، لم تنفع هؤلاء مواطنتهم وحتى قرارات محكمة العدل العليا بإعادة بعضهم ، ظلت حبرا على ورق".
وتابع د. غطاس في خطابه: "في كل مرة يرافقني إلى هذا المكان عشرات الأسرى الأمنيين الذين يقضون في السجون الاسرائيلية عشرات السنين ، ذلك أن اتفاقية السلام ورياحه قد تغاضت عنهم وخلفتهم في السجن يدفعون ثمن مواطنتهم الاسرائيلية وتظل قضية إطلاق سراحهم بعد قضائهم عشرات السنين في السجون الاسرائيلية بدون حل ، وقد أعلن الأسير ماهر يونس أكبر الأسرى سنا الاضراب المفتوح عن الطعام بهدف اعادة وضع قضية الأسرى على جدول الأعمال الجماهيري والرسمي. من الدقيقة الأولى لبدء عملي تحولت قضية اسرى الحرية المضربين عن الطعام وفي مقدمتهم سامر عيساوي إلى شغلنا الشاغل".
واضاف قائلا: "يدخل معي سوية مئات الآف الأطفال العرب من عائلات تعيش تحت خط الفقر وهي تبلغ نصف العائلات العربية. وتدريجيا تفقد هذه العائلات الأمل في الخروج من حالة الفقر لأنه يزداد ثقلا وعمقا. والتأمين الوطني الذي من المفروض أن يحارب الفقر عمليا يعمق الفوارق بين العرب واليهود حيث بعد تحويل مخصصات التأمين الوطني تزداد نسبة العرب بين العائلات الفقيرة من 27% إلى 39%".
وجاء في الخطاب: "يعيشون معي في كل دقيقة آلاف اصحاب الأراضي والبيوت المهددة بالهدم والمصادرة في النقب حسب خطة برافر وآلاف أصحاب البيوت غير المرخصة وغير المرتبطة بشبكة الكهرباء والذين يدفع كل منهم عشرات آلاف الشواقل غرامات التي تفرضها المحاكم إضافة الى أوامر الهدم وكان يفضل هؤلاء أن يبنوا بيوتهم طبقا للقانون وأن يدفعوا رسوم الرخص للبناء ومصاريف التخطيط. لقد زرت أخد هؤلاء ، الأسبوع الماضي ، سعيد سواعد من حي أم السحالي بالقرب من شفاعمرو. بدأ سعيد يهدم البيت الذي بناه بشق النفس حتى أكمله من كل شيء، بدأ يهدمه بيديه وكل ما كان مطلوب لحل قضية حي أم السحالي قرار وزير الداخلية بضمه إلى شفاعمرو والقضية مطروحة للحل من عام 1998. هل في هذا المكان قدر من الانسانية لفهم درجة الألم والغضب لدى إنسان يهدم بيته بيديه ويدفع ثمن حلمه ببناء بيت وإنشاء عائلة وهو يشاهد أمام عينيه على مسافة عشرات الأمتار فيلات جيرانه اليهود في بلدة عدي".
وتابع النائب الدكتور غطاس ، قائلا: "يدخل معي إلى هنا ويتابعون عملي ألاف الأكاديميين العرب العاطلين عن العمل أو العاملين في غير مجال تخصصهم. بعض هؤلاء يحمل اللقب الثالث وأنهى سنة أو أكثر في العمل في ما بعد الدكتوراة في الخارج ويعودون ليجدوا أبواب الجامعات الاسرائيلية مقفلة أمامهم."
واردف النائب د. غطاس في خطابه: "أشعر بتواجد خاص وحميمي لمئات المبادرين العرب الشباب الحالمين بالبدء بمشاريعهم الخاصة والمناقسة كمتساويين في الثورة التكنولوجية العالمية وينتظرون الفرصة التي يحرمون منها بسبب انتمائهم القومي مما يصعب عليهم شق الطريق".
كما وجاء في الخطاب: "لكل هؤلاء ماذا أستطيع أن أقدم كبرلماني عربي عمل جاهدا لكي يقنع جمهوره العربي بأخذ مواطنته بجدية والمشاركة بالتصويت؟ . لقد واصلنا الليل بالنهار أنا ورفاقي وزملائي لكي نحارب حالة العزوف عن التصويت نتيجة قناعة آخذة بالازدياد أن الانتخابات الاسرائيلية هي لعبة ليست لنا ولا نؤثر فيها. حاربنا حالة اليأس والاستسلام والاحباط لدى المواطن العربي لدرجة الاقصاء والتهميش الذاتي ونجحنا إلى حد بعيد في هذا حيث ارتفعت نسبة التصويت بين العرب قليلا. وقد وصلنا إلى هنا كممثلين شرعيين لشعبنا ولمنتخبينا لنكتشف أن الديموقراطية هنا هي ديموقراطية فقط لجزء من المواطنين, وقد فشل قائد ثاني أكبر كتلة برلمانية يائير لبيد في امتحانه الأول حيث أقصى العرب خارج امكانية تشكيل جسم مانع ، أما رئيس الحكومة المكلف فبالنسبة له نحن خارج أي احتمال ولو تكتيكي لدعم الإئتلاف للضغط على شركاه في التفاوض, نعم أيها السيدات والسادة هذه الديموقراطية هي ديموقراطية اختيارية تعمل لصالح فقط جزء من المواطنين".
واضاف د. غطاس في خطابه: "نحن طبعا جئنا إلى هنا حتى نمثل شعبنا وحقوقه وقضاياه وحتى نتصدى للتمييز والاقصاء التي يواجهها العربي في كل خطوة, جئنا نتصدى للعنصرية بشكل عام وللتشريعات العنصرية بشكل خاص. سنعمل من أجل مصالح المواطنين العرب من أجل زيادة الاستثمار في التعليم والاقتصاد والبنى التحتية، سنستغل الامكانات المتاحة في العمل البرلماني من أجل تطوير مصالح شعبنا في جزء من فعالياتنا مثل محاربة الفقر أو الدفاع عن البيئة، سنعمل بطبيعة الحال للصالح العام وليس لصالح جمهورنا فقط. أعد من هنا شعبنا بأننا سنكون فعالين جدا ومهنيين جدا ومتميزين جدا في اداء رسالتنا في خدمته".
واستطرد النائب د . غطاس قائلا: "أيها السيدات والسادة، استمعت إلى خطابات أعضاء الكنيست والوزراء في الأسابيع الماضية وقد دهشت من حالة العمى السياسي المطبق الذي اصيبت به المنظومة السياسية الاسرائيلية. ما هذا العمى السياسي ؟ وكيف يدفن شعب بأكمله رأسه بالرمل ؟. باعتقادي هذا الوضع هو نتيجة منطقية للثقافة السائدة نتيجة علاقات القوة في المنطقة أو بالأصح نتيجة حالة من نشوة القوة الفائقة التي هي نتيجة لفهم وتفسير مخطوء لموازين القوى في المنطقة. لقد وصف ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق هذه الحالة تماما وشرح السياق السياسي , التاريخي والثقافي للعلاقة بين الاستشراق, اللاسامية والكولنيالية وبين أننا لا يمكننا الفصل بين المجتمع والثقافة وأنه يتعين علينا دراستهما معا".
وتابع النائب د. غطاس: "هل يعقل أن تكون الانتخابات في دولة تحتل شعبا آخر منذ 64 عاما وتخوض حرب قبل شهرين مع قطاع غزة يقضي أكثر من مليون شخص فيها أياما في الملاجئ حول قضايا المساواة في الأعباء والعدل الاجتماعي فكأنه لا يوجد احتلال ولا استيطان ولا عنصرية متفشية (فقط الاسبوع الماضي خمسة اعتداءات عنصرية على عرب). نتانياهو يسوق لشعبه فكرة أنه بالامكان إدارة الصراع ولا حاجة إلى حله وأنه فنان في إدارة الصراعات. بينما تقوم القوى التي تعرض نفسها كبديل عنه بالتركيز على مواضيع مرتبطة بالحالة الاسرائيلية الداخلية مثل التساوي بتحمل الأعباء اي تجنيد اليهود المتدينين وفرض الخدمة المدنية على العرب, أو عن موضوع العدل الاجتماعي ودعم الطبقة الوسطى، مشهد عجيب غريب من مسرحيات كافكا بامتياز. حتى يشعياهو ليبوفيتش عجز عن التنبؤ بما سيؤول اليه الحال، فقد توقع أن يسبب الاحتلال كل الموبقات وأنه سينبت العنصرية والفاشية وهذا ما حصل, إلا أنه لم يتوقع أن يحدث هذا كله وأن يقنع كل ذلك بحالة من التجاهل business as usual وبظهور نجوم في الظلام كمنقذين للشعب" .
وجاء ايضا في الخطاب: "هذه الحالة من العمى السياسي تستشري عندما يصل ذلك لموضوع الأقلية الفلسطينية في إسرائيل, وقد عكست الكنيست الثامنة عشرة هذه الحالة من خلال التشريعات العنصرية غير المسبوقة ضد العرب. من ناحية ثانية فان الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين العرب في تدهور مستمر وذلك بتناقض كامل حتى مع تصريحات الحكومات الاسرائيلية وتعهداتها لمنظمة التنمية الدولية ال OECD وكذلك عكس توصيات لجنة أور التي تبنتها الحكومة الاسرائيلية.
إن قضايانا أيها السيدات والسادة ليست قضايا عدل اجتماعي ومن يعتقد ذلك عليه أن يزيل الستار من أمام عينيه وأن يتيقن أننا أمام موبقات احتلال ومصادرة أرض واقصاء وتمييز قومي وهذه القضايا التي بحاجة إلى حل ولا يمكن خلط الأمور ومزجها في شكشوكة جيو-سياسية وتاريخية واحدة. لا يمكن تورية هذه القضية المركزية بشعارات العدل الاجتماعي والدفاع عن الطبقة الوسطى. وبعد هذا كله يتجرأون لطرح قضية التساوي بالأعباء معنا ؟؟ ، إن الاعباء التي يتحملها أي شاب عربي منذ لحظة ولادته وحتى جيل 18 عاما هي شديدة الوطأة وسيسره تقاسمها مع آخرين حتى ولو بشكل غير متساو".
واردف النائب د . غطاس ، قائلا: "الحقيقة الواقعية أقوى من من كل شيء وستبقى على السطح, الانتفاضة القادمة وهي قادمة لا محالة لن تكون هنا انما في العالم الذي سيصل إلى وضع لا يقبل فيه أن تبقى إسرائيل دولة محتلة ومسيطرة على شعب آخر ولن يكتفي بمقاطعة المستوطنات وانما سيبدأ بعقاب إسرائيل دولة تضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط وتدوس حقوق الانسان, سيأتي اليوم الذي يحسب فيه كل إسرائيلي وخاصة رجال الأعمال ألف حساب عندما يسافرون للخارج, الاسرائيلي سيتحول إلى (شخص غير مرغوب فيه) حتى في الولايات المتحدة الأمريكية, عندها سيجد الاسرائيليون أن (خارج البلاد) يبتعد وماذا سيفعلون بالبلاد إذا لم يعد هناك (خارج البلاد) كما قال الجشاش هحيفير في مقطوعته الفكاهية الشهيرة. فقط عندها لربما يستفيق الاسرائيليون من حالة النشوة ويدركون أن للقوة حدود وعوائق. كثيرون يعتقدون أن المقاطعة والعقوبات الدولية هي الطريقة الوحيدة غير العنيفة التي ستجبر إسرائيل على التراجع وإنهاء الاحتلال وإجراء سلام يؤمن للفلسطينيين عدلا نسبيا وتصحيحيا. هناك بالطبع من يعتقد أن هذا أصبح مستحيلا وأن المشروع الاستيطاني الصهيوني الممنتشر مثل الورم الخبيث على الأرض يمنع أي امكانية لانشاء دولة أخرى بين النهر والبحر مما يعني استمرار الاحتلال والفصل العنصري إلى سنوات طويلة يعرف كل من يجلس هنا إلى أين سيؤدي".
واضاف النائب د. غطاس قائلا: "أمثل هنا حزب التجمع الوطني الديموقراطي الذي كنت من مؤسسيه عام 1995 وحزبنا هو الوحيد الذي يملك برنامجا ديموقراطيا لضمان المساواة المدنية في دولة كل مواطنيها والحقوق القومية الجماعية للأقلية الفلسطينية في إسرائيل."
واختتم د.غطاس خطابه ، قائلا: "أختتم بالشكر لكل الرفاق والأصدقاء والمؤازرين والداعمين ولأبناء شعبي كافة وأعدهم بالتواصل والعمل من أجلهم ليل نهار كما ، وأخص بالذكر عائلتي التي دعمتني وآزرتني طيلة حياتي المرحوم الوالد الاستاذ غطاس معلم التاريخ الأسطوري الذي اشتهر بدقته وحبه للحقيقة والمعلومة وبعطائه الفريد والمميز ولوالدتي التي منحتنا بحرا من المحبة والقيم سأحمل ذكراهما معي للأبد. كما وأشكر باقي أفراد العائلة وخاصة زوجتي الشاعرة المبدعة سوسن مويس غطاس وابنتي سهيلة التي تنهي حاليا دراسة القانون وعلم النفس في جامعة حيفا ، لهم جميعا شكري العميق وامتناني وشعوري الدائم بفضلهم".