ما أجمل القديم!
تاريخ النشر: 24/06/15 | 9:09فيما مضى، كان كل شيء يُشترى يكون في موضع عناية ورعاية، ويتم استخدامه إلى آخر حدود الاستخدام، وكانت الأشياء والسلع تـُشترى ليحافظ عليها، وكأن شعار ذلك الزمان “ما أجمل القديم”!
أما اليوم، فقد أصبح التأكيد على الاستهلاك وليس على الحفظ، وأصبحت الأشياء تشتري كي تـُرمى فأياً كان الشيء الذي يُشترى، فإن الشخص سرعان ما يمل منه ويصبح توّاقاً للتخلص من القديم وشراء آخر طراز وموديل، وكأن شعار هذا الزمان “ما أجمل الجديد”!
النهم الاستهلاكي، وهوس التسوق، وإدمان الإنفاق، والإسراف والتبذير، كلها مصطلحات تدل على ظاهرة انتشرت بين الناس أفراداً وأسراً ومجتمعات ودولاً، ظاهرة اخترقت حواجز العرف والعادة، ودمرت قواعد العقل والقيم، ظاهرة فريدة في نوعها، ظاهرة تنخر في جسد الأمة، وتهدم كيانها باستمرار من قديم الزمن.
إن الشراء النزوي أو التلقائي كما اصطلح عليه، يعني شراء سلع لم تكن في ذهن المشتري قبل دخوله المتجر أو السوق، وقد أصبح هذا النوع من الشراء عادة استهلاكية وظاهرة سلوكية نتيجة لحدوثها باستمرار، خاصة بعد انتشار المتاجر وما يعرف بالسوبر ماركت والمجمعات التجارية التي تعرض السلع بشكل جيد وجذاب.
وحسب بعض الدراسات والإحصاءات، فإن هناك أكثر من 60% من قراراتنا قرارات نزوية!
ويأتي رمضان ليكون فرصة لترشيد الاستهلاك، فاختصار وجبات الطعام اليومية من ثلاث وجبات إلى وجبتين اثنتين فرصة طيبة لخفض مستوى الاستهلاك، وهي فرصة مواتية لاقتصاداتنا خصوصاً ونحن أمة مستهلكة، أشارت كل الإحصاءات إلى أن أقطارنا كافة تستهلك أكثر من إنتاجها وتستورد أكثر من تصديرها، وما هذا الاستهلاك الزائد دائماً والاستيراد الزائد غالباً إلا عاملان اقتصاديان خطيران تشقى بويلاتهما الموازنات العامة وموازين المدفوعات.
إن الإنفاق البذخي في رمضان أمر لا يمكن أن يتسق مع وضعية مجتمعنا، الذي هو مجتمع يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة حيث يتطلب ذلك المحافظة على كل جهد وكل إمكانية من الهدر، وما نصنعه في رمضان هو بكل تأكيد هدر لإمكانات مادية، وهدر لقيم سامية، وهدر لسلوك منزلة القناعة.
إنّ هذه الحالة من شراهة الاستهلاك المتنامية فينا تدل على مدى التخلف السلوكي الذي يعيشه مجتمعنا، وأننا في حاجة إلى ضرورة إعادة النظر في قيمنا الاستهلاكية، وذلك بتعديلها لتصبح قيماً إنتاجية، أو قيماً استهلاكياً رشيدة.
ومن ثمَّ، كان للاستهلاك أبعاد خطيرة كثيرة تهدد حياتنا الاقتصادية، فهل يكون شهر رمضان فرصة ومجالاً لامتلاك إرادة التصدي لحالة الشراهة التي تنتابنا في هذا الشهر الكريم؟
قيصر إغبارية – محرر مجلة إعمار