سطّر يا قلم … "نعم نغرّد رغم كل شيء"
تاريخ النشر: 15/03/13 | 0:22في ظل الأوضاع الراهنة ، تصاعد ظواهر العنف في مجتمعنا ، تردي الأوضاع الإقتصادية ، العودة الى القبلية والفئوية … يبقى للمسرح كلمة ، وللفن كلمة ، وللفنان كلمة . فالفنان ضمير الشعب وقلبه النابض ، هو المرآة التي تعكس صورتنا كما هي ، دون اجراء عمليات تجميل ، دون تشويه الحقيقة ، لهذا أحب الناس الفنانين ، واحتضنوهم ، لصدقهم وعفويتهم وطيبتهم .
الفنان مخلوق جميل في مجتمعنا ، كالبلبل الذي يغرد على غصن شجرة أو على نافذة بيت ، فيطربنا بصوته العذب ، ويشعرنا بجمال الحياة التي وهبنا إياها الله عزّ وجل ، ومن جهة أخرى ينسينا متاعب الدنيا وهمومها. ففي ظل هذه الظروف بالذات نقف لنغرد ، وسنبقى نغرد ، ما دام هنالك أناس يعشقون الحياة ، ويتعطشون للكلمة ، وينتظرون بشغف العروض الفنية المسرحية .
نعم نغرد .. رغم القتل والدمار ، نغرد رغم القذيفة التي استهدفت سيارة الفنان السوري ياسين بقوش فأودت بحياته ، ليرحل عنا بصمت ، دون إعداد برامج خاصة عنه ، دون أن يشارك زملاؤه الفنانين بتشييع جثمانه . قتل هذا الفنان الذي اشتهر من خلال شخصيته الكوميدية المحبوبة في المسلسلات مع الفنانين دريد لحام ونهاد قلعي مثل (صح النوم وملح وسكر) إضافة إلى بعض الأفلام السينمائية. قتلوا هذا البلبل ، هذا الفنان الذي أضحكنا وأدخل البسمة الى قلوبنا.
ولماذا إختار البلبل أن يغرد في سوريا بالذات ؟! ذلك البلد الجريح ، الذي ينزف دماً وألماً ودموع . أقول هذا عن رحيل الفنان السوري ياسين بقوش، حتى لا يحدث لذكراه كما حصل لممثل كان يودع زميله الممثل الذي كان يحتضر ، فقال له : يعزّ عليّ فراقك يا صديقي .
قال له صديقه بتفاؤل : ولكني سأبقى معك كل الوقت .
أجابه ، ولكن كيف ، وأنت ستنتقل الى عالم آخر ، وعندها لن أراك مطلقاً .
قال له : لا بأس ، فكلما طارت القبعة عن رأسك ، إعلم أني الى جانبك وأراقبك .
وهكذا حصل . فكلما هبت نسمة ريح ، وطارت القبعة ، أخذ الممثل يحدث صديقه الذي يعلم هو فقط بوجوده .
وهكذا صار تقليداً ، أن يلبس الممثل القبعة لكي تطير ، وصار تقليداً أن يقوم الممثل بالحديث الجانبي لصديقه الذي يعلم هو فقط بوجوده .
وحتى لا يبقى الممثل يتحدث مع صديقه الذي يعلم هو فقط بوجوده ، يجب قلب الموازين رأساً على عقب ، حيث نجعل المسرح والثقافة والفن في مركز الحدث .
كم كنت أتمنى أن يشارك في تشييع جثمان الفنان الراحل ياسين بقوش مجموعة من الفنانين والأدباء ، كيف لا وياسين بقوش يعتبر علماً من أعلام فن الدراما السورية ، كيف لا وقد رحل عنا في ظروف قاهرة، حيث يقتل السوري أخاه السوري ، وفي عصر يباح قتل الفنانين والمبدعين باسم الثورة . بما الظروف ، ربما الخوف ، ربما الأجواء المأساوية والرعب القاتل ، حالت دون مشاركة الفنانين في الجنازة ، ولكن كلي ثقة أن هذه الغيمة لا بد وأنها عابرة ، مهما طال القتل، ومهما طال العشق للدم والانتقام والثأر، وليكن مقتل الفنان الراحل ياسين بقوش الصرخة التي ستوقف حمام الدم ، هذا العرس الدموي البائس .