أحزابنا وحركاتنا تفتتح مواسم من اللعب على الهامش
تاريخ النشر: 15/03/13 | 8:44لا شك أن دور الأحزاب والحركات السياسية, الدينية والإجتماعية على إختلاف رؤاها المتنوعة لها أهمية كبيرة في نشر الوعي, تبصير الشارع, صقل الرأي العام وتجييش الجماهير للتصدي للأخطار التي تواجهها داخلياً وخارجياً, فللأحزاب والحركات دور أساسي في قيادة الجماهير والسير بها قدماً بإتجاه تحقيق الغايات والآمال واحدة تلو الاخرى. هذا دورها, وواجب هذه الأحزاب والحركات أن تحمل هموم الجماهير, أن تحنو على جراحه وكسوره وتساعده على النهوض, الوقوف على قدميه ثم الوثوب لتحقيق الهدف.
يا له من دور نبيل يمكن أن تقوم به هذه الأحزاب, وليس حصراً عليها فقط, فهناك حاجة أيضاً لتَجَنُد المثقفين, أصحاب الرأي ورجال الدين, كل من موقعه وقدرة تأثيره. فالحياة يا إخواني ما هي إلا تحديات مستمرة على الصعيد الشخصي, الجماعي وعلى مستوى الأمم بشكل عام. فالشعوب لا تنفك تصارع وتواجه أحداثاً مصيرية من فترة إلى اخرى من الدهر, فالأمر ليس طارئاً جديداً وليس عابراً سَيَمُر ولن نواجه من بعده التحديات, لا, بل على العكس, فحيثما إختارت الشعوب جانب المواجهة والتحدي وعدم الخنوع, اللين أو الإنكسار فإنها ستكون مرشحة لمزيد من الصدمات والتحديات, وعلى قيادة الأمة أن ترشدها كيف تخوض هذه التحديات, كيف تواجهها وكيف تخرج منها منتصرة, أشد عوداً وأقوى بأساً.
هذا هو لُب الموضوع بإختصار,هنا يقع دور الأحزاب, الحركات ومراكز القيادة في الأمة وعلى هذه الأطراف تعول الجماهير وعليها أيضاً تلقى المسؤولية.
إن كل ما ذكرته سابقاً هو النظرية, إنه ما يتوقعه عامة الناس والجماهير من قياداته, ولكن, إذا نظرنا إلى أرض الواقع فيبدو أن حالنا يختلف كثيراً عما يفترض به أن يكون, وأقول هذا وينتابني شعور بالأسى والأسف.
للأسف, لأن قيادات شعبنا (وهنا أنا أقصد قيادات شعبنا في كل "فلسطين التاريخية", الوطنية والإسلامية على حد سواء, وليس فقط في الداخل الفلسطيني) إختارت, في ظل أحداث تاريخية ومصيرية تحدث للأمة في هذه المرحلة, إختارت هذه القيادات أن تلعب على الهامش, وهي لعبة مبتكرة لم يعهدها العالم من قبل, تعتبر اليوم اللعبة المفضلة لدى قياداتنا عند التطرق للثورة السورية, المسألة العراقية, اللبنانية والإيرانية.
لذا, نحن كشعب وجماهير إذا سُألنا عن مواقف أحزابنا أو أحد القيادات المحسوبة على شعبنا ما هو موقفه من أزمة ما, الثورة السورية مثلاً (أو المسألة اللبنانية, أو العراقية أو المسألة الإيرانية…), فسنجد أن المجيب سيحتار ويقول لك بأنه حقاً لا يعرف الإجابة, وهناك حالات أصعب وأخطر تجد فيه رأي هذا القيادي يقبل التأويل على جميع الحالات والإتجاهات, على جميع الجبهات, للسلب والإيجاب, للتأكيد والنفي وللأمام والخلف في نفس الوقت.
"حالفني سؤ الحظ" أن أقضي الدقائق الطويلة وأحياناً الساعات أستمع لخطاب مسؤول حزبي أو حركي وهو يصرح, يؤشر بإصبعه, ويغير تعابير وجهه مرة تعابير بالغضب ومرة بالرضا, ثم يقرأ الفاتحة على من "سقط", "قتل", "إستشهد" ويسترسل بالبكاء على دماء الأطفال التي سفكت في شارع كذا, وفي حي كذا, ولكن, للصراحة أقول لكم, بعد أن أنهى ونزل عن المنصة أخذت أقلب في كلامه لأفهم ما قاله بالتحديد, فلم أجد شيئاً واضحاً, صريحاً وقاطعاً, فهززت رأسي للأعلى وللأسفل وقلت لنفسي: "اه.. نعم.. هذا لاعب تعزيز إضافي إنضم لفريق اللاعبين على الهامش".
مشكلة اللاعبين على الهامش أنهم لا يدركون أنهم غير مهمون في مجريات "اللعبة" التي تتم بالتوازي على أرض الملعب, لا يدركون أنها هناك تدور المعركة الحقيقية, لا يدركون أن حضور الجماهير وتدافعهم, صياحهم, تشجيعهم ودعمهم موجه للاعبين الحقيقيين في "الملعب" وليس للاعبين على الهامش كما يتوهم البعض. لم يدركوا بعد الحقيقة بأن اللعب على الهامش هو أمر ممل, لا يهم أحداً ولا يأتي بنتيجة.
قد يظن البعض أن اللعب على الهامش (عدم إتخاذ موقف واضح, لا إلى هذا ولا إلى ذاك) هي إستراتيجية تهدف للحفاظ على "خطوط الرجعة" ولكي يضمنوا بالنهاية إنضمامهم للطرف الرابح بعد أن تحسم النتيجة وليحتفلوا مع الفريق الفائز, ولكن, أخطأوا في التقدير مرة اخرى, فيا أعزائي القادة وأصحاب المنابر, رفقاً بالجماهيري التي خرجت ورائكم لتفهم الوضع ولتتنور ولتنجلي الحيرة والبلبلة التي تعتريها منذ أن قام محمد البو عزيزي رحمه الله بإشعال عود الثقاب الأخير بحياته, إذا بها قد عادت أدراجها تحمل المزيد من الحيرة. إذا كنتم أصحاب مصالح فقولوا لنا بصراحة نحن مصلحتنا مع هذا الطرف, أما إذا كنتم أصحاب عقيدة فقولوا للجماهير أن رابط العقيدة يحتم علينا الوقوف مع هذا الجانب, وأما إذا لم تحددوا مصالحكم بعد, أو لم تنجحوا في إستنباط في أي طرف تكمن العقيدة فنطلب منكم الجلوس جانباً والتأمل حتى تجدوا ضالتكم, وأن تعيرونا حالياً هدؤكم وأن توفروا على الشعب الحائر مزيداً من الحيرة, وأن لا تهدروا ساعات البث المباشر الثمينة التي تستغلونها لدقائق وساعات طِوال وفي النهاية لا تقولون للجماهير شيئ.
اللعب على الهوامش لن يفيدكم, لأن الجماهير تريد مواقف ولا تريد من يرثي القتلى أو يكتفي بقراءة الفاتحة على أرواح الضحايا. لا زال الوقت سانحاً لمن يريد أن ينضم لمناصرة أحلام الشعوب والمستضعفين, أما من إرتاب وتردد فنقول له أن الشعوب لن تسأل عن مواقفه بعد أن تحسم المسائل, ولن تكون الشعوب بحاجة له ولتصريحاته, ولن يفتقده أحد عندما تحين لحظات النصر وإحتفالاتها.