فقه الأخت المسلمة .. التراويح
تاريخ النشر: 04/07/15 | 12:41الأصل في صلاة التراويح – أو قيام رمضان – أحاديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، ومالك في الموطأ، كما أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي.
ومعنى الصوم أو القيام إيمانًا: تصديقًا بما جاء عن الرسول، ومعنى احتسابًا: أن يُخلِص لله في عمله راجيًا الثواب، و((ما تقدَّم من ذنبه))، هل يَتناول الصغائر والكبائر؟ أم الصغائر فقط؟ قولان.
وعن عائشة – رضي الله عنها – أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى مِن القابلة فكَثُر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يَخرُج إليهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما أصبح قال: ((رأيتُ الذي صنعتُم، فلم يَمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيتُ أن تُفرَض عليكم))؛ أخرجه البخاري ومسلم ومالك والنسائي، وفي رواية بزيادة لفظ: “وذلك في رمضان”.
وفي رواية: كان الناس يُصلون في المسجد في رمضان بالليل أوزاعًا (مجموعات متفرِّقة))، يَكون مع الرجل الشيء من القرآن، فيكون معه النفَر الخمسة أو السبعة أو أقلَّ من ذلك أو أكثر، يُصلُّون بصلاته، قالتْ: فأمرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن أنصب له حصيرًا على باب حُجرَتي، ففعلتُ فخرَج إليه بعد أن صلى عشاء الآخِرة، فاجتمع إليه مَن في المسجد، فصلى بهم وذكرَتِ القصة بمعنى ما تقدَّم، غير أنَّ فيها أنه: “لم يَخرُج إليهم في الليلة الثانية”؛ رواه أحمد، والحصير: مكان محصور بالحَصير أو القُماش كالخيمة.
قال النوويُّ فيما يُستنبَط مِن الحديث:
1- فيه جَواز النافلة جماعةً، ولكن الاختيار فيها الانفِراد إلا نوافِل مخصوصة؛ وهي: العيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح عند الجمهور، خلافًا للهادي القائل: إنها بدعة.
2- فيه جواز النافلة في المسجد، وإن كان البيت أفضل، ولعلَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما فعلها في المسجد لبيان الجواز، أو أنه كان معتكفًا.
3- وفيه جواز الاقتداء بمن لم يَنوِ إمامته بهم، وهذا صحيح على المشهور من مذهبنا – الشافعي – ومذاهب العلماء، ولكن إن نوى الإمام إمامتهم بعد اقتدائهم به حصلتْ فضيلة الجماعة له ولهم، وإن لم يَنوِها حصلتْ لهم فضيلة الجماعة ولا تحصل للإمام – على الأصحِّ – لأنه لم يَنوِها، والأعمال بالنيات، وأما المأمومون فقدْ نَوَوْها.
4- وفي الحديث بيان أنه إذا تعارَضتْ مَصلحَة، وخوف مَفسدَة، أو مصلَحتان اعتُبر أهمُّها؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان رأى الصلاة في المسجد مصلحةً، فلما عارَضه خوف الافتراض عليهم تركَه لعِظَم المفسَدة التي يَخافُها مِن عَجزِهم وتَركِهم للفرْض.
5- وفيه: أن الإمام وكبير القوم إذا فعَل شيئًا خِلاف ما يتوقَّعه أتباعه وكان له فيه عذر، يَذكُره لهم؛ تطييبًا لقُلوبهم، وإصلاحًا لذات البَين؛ لئلا يظنُّوا خلاف هذا، وربما ظنُّوا ظنَّ السوء.
6- ويستدلُّ بالحديث على صلاة التراويح، ووجه الاستدلال: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – فعل الصلاة في المسجد، وصلى خلفه الناس، ولم يُنكِر عليهم، وكان ذلك في رمضان، ولم يترك إلا لخشية الافتراض، فصحَّ الاستدلال به على مشروعية مُطلَق التجمُّع في النوافل في ليالي رمضان.
تسمية قيام رمضان بصلاة التراويح:
وسُمِّيتْ تراويح؛ لأن الصحابة كانوا يَجلِسون للراحة بعد كل أربع ركعات، وهذه التسمية تَعني الصلاة التي يتوسَّطها ترويحة، ثم مع الزمن تطورت كلمة الترويحة للدَّلالة على الأربع ركعات التي يكون بسببها الترويحة؛ وذلك لأنهم كانوا يُطيلون الصلاة وبخاصة قراءة القرآن، فقد يَقرؤون مائتَي آية في الترويحة، حتى إن بعضهم كان يعتمد على العصيِّ من طول القيام، ولا يَنصرفون إلا قُبَيل بزوغ الفجْر، فيَستعجلون الخدم بالطعام مخافَة أن يَطلع عليهم، وكانوا يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قُرئ بها في اثنتي عشرة ركعة يعدُّ ذلك تخفيفًا، وذلك تأسيًا بالرسول في قيامه الليل، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: “ما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يَزيد في رمضان ولا غيره عن إحدى عشرة ركعة؛ يُصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يُصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي ثلاثًا، فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر فقال: ((يا عائشة، إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي))؛ رواه البخاري ومسلم، وعن زيد بن وهب قال: “كان عمر بن الخطاب يروِّحنا في رمضان – يعني: بين الترويحتَين – قدر ما يذهب الرجل من المسجد إلى سلع”؛ أخرجه البيهقي.
هل تُشرَع للنساء:
وصلاة التراويح مشروعة للرجال والنساء، قال عرفجة: كان عليٌّ يأمر بقيام رمضان ويجعل للرجال إمامًا وللنساء إمامًا، فكنتُ أنا إمامَ النساء.
وروي جُبَير بن نفير عن أبي ذرٍّ قال: “صُمْنا مع رسول الله – صلى الله عليه وآلِه وسلم – فلم يصلِّ بنا حتى بَقِيَ سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في الثالثة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهَب شَطر الليل، فقلنا يا رسول الله: لو نفَلْتنا بقيَّة ليلتنا هذه، فقال: ((إنه مَن قام مع الإمام حتى يَنصرِف، كُتب له قيام ليلة))، ثم لم يقمْ بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، فصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوَّفْنا الفلاح”، قلت له: وما الفلاح؟ قال: السحور”؛ رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
وأصل النَّفَل – بفتْح النون والفاء – الغنيمة والهِبَة، والمراد هنا: لو قمتَ بنا طول ليلتنا، ونفَلْتَنا مِن الأجْر الذي يَحصل من ثواب الصلاة جماعة.
وقوله: “فصلى بنا في الثالثة”؛ أي: في ليلةِ ثلاثٍ بقِيَتْ مِن الشهر، وكذا قوله في السادسة، في الخامسة، وفي الحديث من الأحكام:
1- أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يتخوَّلهم بقيام الليل؛ لئلا يثقل عليهم، كما كان ذلك ديدَنه – صلى الله عليه وسلم – في الموعظة، فكان يقوم بهم ليلةً ويَدَعُ القيام أُخرى.
2- وفيه تأكيد مشروعية القيام في الأفراد من ليالي العشْر الآخِرة من رمضان؛ لأنها مظنَّة الظفر] بليلة القدر.
3- وفي قوله: “ودعا أهله ونساءه”: بيان استحبابِ ندْب الأهل إلى فعل الطاعات وإن كانت غير واجبة، وبيان[مشروعية صلاة التراويح للنساء.
4- والحديث يدلُّ على مشروعية صلاة التراويح في رمضان واستحبابها؛ لأن الظاهر منه أنه – صلى الله عليه وسلم – أَمَّهم في تلك الليالي.
وعن جابر قال: جاء أُبيُّ بن كعب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، إنه كان منِّي الليلة شيء، يعني في رمضان، قال: وما ذاك يا أُبي؟ قال: نسوة في داري، قلن: إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك؟ فصلَّيتُ بهنَّ ثماني ركعات وأوترت، فسكتَ الرسول، والسكوت إقرار وسنَّة.
هل تجميع عُمر للناس على التراويح بِدعَة؟
عن عبدالرحمن بن عبدٍ القاري، قال: “خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع مُتفرِّقون، يُصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عُمر: إني أرى لو جمَّعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثَل، ثم عزم فجمَعهم على “أُبيِّ بن كعب”، ثم خرجتُ معه ليلةً أُخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عُمر: “نِعمَت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون”؛ يعني: آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله”؛ رواه البخاري.
قال في الفتح: البدعة أصلها ما أُحدث على غير مثال سابق، وتُطلَق في الشرع على مُقابَلة السنَّة فتكون مَذمومَةً.
والتحقيق أنها إن كانت مما يَندرِج تحت مُستحسَن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما يَندَرِج تحت مُستقبَح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي مِن قسْم المباح، وقد تَنقسِم إلى الأحكام الخمسة؛ الواجب، والحرام، والمندوب، والمكروه، والمباح، ونعني بالبدعة التي تنقسم إلى الأحكام الخمسة ما إذا كانت خارجةً عن نَوع العِبادات، وأما إذا كانت مما يَدخُل في العبادات فلا؛ كما قال الشاطبي.
وقول عُمر: “ونِعمت البِدعة”؛ أي: الأمر البديع الذي ثبَت عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – وتُرك في زمن أبي بكْر، لاشتِغال الناس فيما حصَل بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم- ومِن ثَمَّ فعمل عمر بن الخطاب ليس مِن قَبيل البِدَع التي جاءت في حديث العرباض بن سارية عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإنْ عبدًا حبشيًّا، فإنه مَن يَعِشْ منكم بعدي فسيَرى اختِلافًا كثيرًا، فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء المهديِّين الراشدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحدَثات الأمور؛ فإن كلَّ مُحدَثة بدعة، وكلَّ بِدعَة ضلالة))؛ أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن ماجه.
قرَن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سنة الخلفاء الراشدين بسنَّته، وأمر باتِّباعهم؛ لأنه عَلِمَ أنهم لا يُخطِئُون فيما يَستخرِجونه بالاجتهاد الذي يُجمِع عليه باقي الصحابة بالإقرار أو السكوت عليه، ولأنه عَلِمَ أن بعض سنته لا تثبُت إلا في عَصرِهم، وعلى ذلك فالقول بأن كل اجتهاد وقياس من الخلفاء الراشدين يُخالِف السنَّة الصحيحة ينبغي ألا يُتمسَّك به قول فيه مُغالَطة؛ إذ كيف يأمر – صلى الله عليه وسلم – باتباع ما يخالف سنته؟
وقال الشاطبي “إنَّ ما سنَّهُ ولاةُ الأمر بعد رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – فهو سنَّة، لا بِدعة فيه ألبتة، وإن لم يُعلَم في كتاب الله ولا سنة نبيِّه – صلى الله عليه وسلم – نصٌّ عليه على الخصوص، فقد جاء ما يدلُّ عليه في الجملة، وذلك نصُّ حديث العرباض بن سارية، فقرَن – عليه السلام – كما ترى – سنَّة الخلفاء الراشدين بسنَّته، وإنَّ مِن اتِّباع سنَّته اتباع سنَّتهم، وإن المُحدَثات خلاف ذلك ليست منها في شيء؛ لأنهم – رضي الله عنهم – فيما سنُّوه، إما متَّبِعون لسنَّة نبيِّهم – عليه السلام – نفسها، وإما متَّبِعون لما فَهِموا من سنَّته – صلى الله عليه وسلم – في الجملة، أو في التفصيل، على وجه يَخفى على غيرهم مثْلُه، لا زائدَ على ذلك”.
وقال الشيخ محمد النبوري – صاحب كتاب “معارف السنن شرح سنن الترمذي” -: “إن اجتهاد الخلفاء له ما ليس لغيره من وجوب الاتِّباع؛ لأن ما سنَّه الخلفاء – وإن كان اجتهادًا – فله شأن ليس لاجتهاد الأئمة المُجتَهِدين، وإن تسمية ذلك بِدعةً مُحدثةً – بالمعنى المصطلح عليه – في غايةٍ مِن سوء الأدب، وحطٌّ لهم من منصبهم الجليل، وتجاهُل عن الوحي المَتلوِّ فيهم، بل هدْم لأساس الدين”.
نيَّة صلاة التراويح:
لا تُعتبَر صلاة التراويح إلا بنيَّة صلاة التراويح، أو نية صلاة قيام رمضان عند تكبيرة الإحرام، أو مُقترنة بها حتمًا عند الشافعية، ولا تصح بنيَّة النقل المُطلَق.
ومِن ثمَّ فإن صلاة التهجُّد التي تكون بعد نومٍ، وتصلى مثْنى أو رباع، ويُمكن أن تكون النية نية صلاة نفْل مُطلَق – تلك صلاة أُخرى مِن النوافل علاوةً على صلاة التراويح.
هل يأثَم المسلم بترْك بعض الليالي؟
إن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – ترَك أصحابه، ولم يصلِّ معهم التراويح بعض الليالي تخفيفًا عنهم، ولهذا فلا يُحبِط ترْك ليلة أو ليالٍ بقيَّة ما صلاَّه من التراويح في الليالي الأخرى، حرم ويحرم ثواب ما فاته فقط.
التيسير على المأمومين:
قال ابن قُدامة: قال أحمد: يَقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يُخفِّف عن الناس، ولا يشقُّ عليهم، ولا سيَّما في الليالي القِصار كليالي الصَّيف، وقال القاضي: لا يستحب النُّقصان من ختمة في الشهر ليَسمع الناس جميع القرآن، ولا يَزيد على ختمة كراهية المشقَّة على مَن خلفَه، والتقدير بحال الناس أولى، فإنه لو اتَّفق جماعة يَرضَون بالتطويل كان أفضل، كما قال أبو ذرٍّ: “قُمْنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى خشينا أن يَفوتنا الفلاح”؛ يعني: السحور، وكان القارئ يقرأ بالمائتين.
هل تجوز التراويح في غير جماعة؟
تجوز صلاة التراويح فُرادى أو في جماعة للمُسافر والمقيم؛ يدلُّ على ذلك عمل الصحابة قبل أن يَجمعهم عُمر بن الخطاب على “أبيِّ بن كعْب”، وقال الطحاوي: إن صلاة التراويح جماعة واجب على الكفاية، وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية: الأفضل أن تصلَّى في البيت فُرادَى أو في جماعة بنساء البيت والأُسرَة؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصلاة: صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة))؛ متفق عليه، وقالت العترة: إن التَّجميع فيها بدعة.
وقال الشافعي وجمهور من أصحابه، وأبو حنيفة، وأحمد، وبعض المالكية، وغيرهم: الأفضل صلاتها جماعةً، كما فعله عُمر بن الخطاب والصحابة – رضي الله عنهم – واستمرَّ عمل المسلمين عليه؛ لأنه مِن الشعائر الظاهِرة، فأشبَه صلاة العيد.
ميقات صلاة التراويح وكيفيتها:
تُصلَّى التراويح بعد الفراغ من صلاة العشاء وسنَّتها البعديَّة بوقت قريب أو بعيد، ويستمرُّ الوقت صالحًا لأدائها إلى أن يُريد صلاة الوتر، فلو صلى التراويح وكان قد أوتر، جاز مع الكراهة، إن لم يكن لذلك عذر؛ كأن يكون مُرهَقًا وخشي النوم عن الوتْر، فأوتَر ثمَّ وجد في نفسِه نشاطًا بعد نَومٍ أو أخَذ قِسطًا من الراحة يُمكِّنه مِن أداء التراويح، حتى ولو كان ذلك قُبيل الفجْر؛ لأن وقت التراويح ممتدٌّ إلى الفجْر.
وتُصلَّى بلا أذان، ولا إقامة، ولا قول: “الصلاة جامعة”، أو: صلاة التراويح أثابكم الله، ولم يكن في جميع عُهود السلف رفْع الصوت بين كل ركعتَين ببعض الأذكار أو الصلوات على النبي بطريقة تُشعِر بعدد ما مضى من الركعات وما بقي فهذه من البدع الإضافية التي يَنبغي التخلُّص منها، بدون استخدام أي وسائل عنيفة؛ فإنَّ فعْل ذلك غيرُ مُبطِل للتراويح، ويجب أن يُفهم أن ذلك كله ليس من شعائر وهيئات وسنن التراويح الواردة وفقط، ومن ادَّعى ذلك فقد فسَق وكان مُبتدعًا، ومن رأى أن ذلك من باب تيسير حصْر الركعات كان مقترفًا – فقط – ما هو خلاف الأولى، وحُرِم برَكة الاتِّباع لهدْي الرسول، ولما كان عليه السلف الصالح.
وتُصلَّى ركعتَين ركعتين، فلو صلَّى أربعًا بتسليمةٍ واحدةٍ تصحُّ، لكنَّه خلاف المشروع بخلاف التهجُّد.
عدد الركعات:
قال مالك في “الموطأ” قال يزيد بن رومان: “كان الناس في زمن عمر يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة”، ولكن حديث ابن رومان مُرسَل؛ لأنه لم يُدرِك عهد عمر، ورُوِي في “الموطأ” عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنها إحدى عشرة”، وروى محمد بن نصر عن محمد بن يوسف أنها إحدى وعشرون ركعة.
• وفي “الموطأ” من طريق يزيد بن حصيفة، عن السائب بن يزيد أنها عشرون ركعة، وروى محمد بن نصر من طريق عطاء، قال: أدركتُهم في رمضان يصلُّون عِشرين ركعةً وثلاث ركعات الوتر، وقال علي: قيام رمضان بعشرين ركعة؛ رواه البيهقي.
قال الحافظ “ابن حجر”: والجمع بين هذه الروايات مُمكِن باختلاف الأحوال، بحسب تطويل القراءة وتخفيفها؛ فحيث تطول القراءة تُقلَّل الركعات، وبالعكس، وبه جزم الداودي وغيره، قال: والاختلاف فيما زاد على العشرين راجِع إلى الاختلاف في الوتر، فكأنه تارةً يوتر بواحدة، وتارةً بثلاث.
• وقد روى محمد بن نصر من طريق داود بن قيس قال: أدركتُ الناس في إمارة أبان بن عثمان، وعُمر بن عبدالعزيز – يعني: بالمدينة – يقومون بستٍّ وثلاثين ركعةً ويوتِرون بثلاث.
• وقال مالك: الأمر عِندنا بتسع وثلاثين، وبمكَّة بثلاثٍ وعِشرين، وليس في شيء من ذلك ضيق.
• قال الترمذي: أكثر ما قيل: إنه يُصلِّي إحدى وأربعين ركعةً بركعة الوتر.
• ونقل ابن عبدالبر عن الأسود بن يزيد: أربعين ثم يوتِر بسبع.
• وقيل: التراويح ثمانٍ وثلاثون؛ ذكَره محمد بن نصر عن ابن يونس عن مالك.
قال الحافظ: وهذا يُمكن ردُّه إلى الأول؛ قول الترمذي 41، بانضمام ثلاث الوتر، لكن صرَّح في روايته بأنه يوتِر بواحدة فيكون أربعين إلا واحدة.
قال مالك: وعلى هذا العمل منذ بضْع ومائة سنَة.
وروي عن مالك: ستٌّ وأربعون، وثلاث الوتر، قال في الفتح: وهذا هو المشهور عنه، وقد روى ابن وهب عن العمري عن نافع قال: لم أُدرِك الناس إلا وهم يُصلُّون تسعًا وثلاثين ويوتِرون منها بثلاث.
• وعن زرارة بن أوفى أنه كان يصلي بهم بالبصرة أربعًا وثلاثين ويوتر.
وعن سعيد بن جبير أربعًا وعشرين، وقيل: ست عشرة غير الوتر، هذا حاصل ما ذكره في الفتح من الاختلاف في ذلك.
وانتصر القسطلاني لمذهب الشافعية فقال: وأما قول عائشة: ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يَزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، فحمله أصحابنا على الوتر.
وقال القرطبي – وهو مالكي المذهب -: أشكلتْ روايات عائشة على كثير من أهل العلم حتى نسَب بعضهم حديثها إلى الاضطراب، وهذا “الاضطراب” إنما يتمُّ لو كان الراوي عنها واحدًا، أو أنها أخبَرتْ عن وقت واحد بأقوال مُختلِفة، والصواب أنَّ كل شيء ذكرته من ذلك محمول على أوقات متعدِّدة وأحوال مُختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز.
ولهذا كان من الخطأ أن يقوم صراع حول عدد الركعات؛ فقد دلَّت الأحاديث على أن صلاة الليل – ومنها التراويح – موسَّع فيها، فليس فيها حدٌّ محدود لا تجوز مخالفته، بل ثبت أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يصلِّي من الليل إحدى عشرة ركعة؛ روى هذا البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والنسائي عن ابن عباس مرفوعًا.
وربما صلَّى ثلاث عشرة كما أخرجه عن عائشة كلٌّ من البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عباس، ولما سُئل – صلى الله عليه وسلم – عن صلاة الليل قال: ((صلاة الليل مثْنَى مثنى، فإذا أردتَ أن تَنصرِف فاركع ركعةً توتِر لك ما صلَّيت))؛ أخرجه البخاري، ومسلم، ومالك، والترمذي، والنسائي، من حديث ابن عباس، ولم يُحدِّد ركعات مُعيَّنة، لا في رمضان ولا في غيره بحديث قوليٍّ يَلزمنا اتباعه، ولهذا صلى الصحابة في عهد عمر ثلاثًا وعشرين ركعة، وصلى بعض السلف ما سبق ذكره؛ 21، و20، و36 عدا الوتر، و39 بالمدينة، و41 منها ركعة وتر، و33 ويوتر بسبع، و38، و40 منها ركعة وتر و46 و3 وتر، و39 و3 وتر، و34 عدا الوتر، و24 عدا الوتر، و16 غير الوتر.
ما عليه العمل اليوم:
بعض الناس يَعتمدون على ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس: “كان يصلي في شهر رمضان في غير جماعة عشرين ركعةً والوتر”، زاد سليم الرازي في كتابه “الترغيب”: “ويوتر بثلاث”، ثم عقَّب البيهقي على ما أخرجه قائلاً: تفرَّد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، وهو ضعيف، كما اعتمدوا على حديث يَزيد بن رومان فيما رواه عن عُمر: كان الناس في زمن عمر يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعةً، وهو حديث ضعيف؛ لأن يَزيد بن رومان لم يكن مولودًا في عهد عمر، وما رواه البخاري عن تجميع عُمر للناس على قراءة واحدة ليس فيها ذكْر لعدد الركعات.
وهكذا جميع الروايات التي ذُكرت عن التابعين أو الصحابة أكثر من إحدى عشرة ركعةً أحاديث مُنقطِعة وضعيفة لا تقوَى على مُناهَضة ما في الصحيحين من كونها ثمانية ثم الوتر.
وبعض الناس يُصلُّون التراويح ثماني ركعات، ركعتَين ركعتين صلاةً مُتأنِّيةً أو فيها بعض الطول، ويعتمدون على الصحيح الوارد بذلك؛ فقد أخرج البخاري وغيره عن عائشة: أنها قالت: “ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يَزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعةً”، وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث جابر أنه – صلى الله عليه وسلم – “صلى بهم ثمان ركعات، ثم أوتر”، وهذا هو الوارد الثابت بيَقينٍ كما قال الشوكاني – رحمه الله- وهو أولى إذا صُلِّيتْ بتأنٍّ، وأفضل من صلاة عشرين ركعة في عشرين دقيقةً يُقرأ فيها جزء كامل من القرآن، لا يكاد السامع يميِّز كلمات القارئ في قراءته ما لم يكن حافظًا؛ لأنه ليس لك من صلاتك إلا ما عَقلتَه منها.
وقال الكمال بن الهمام – من الحنفية -: الدليل يقتضي أن تكون السنَّة من العشرين التي يصليها الناس اليوم – هي ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم تركه خشية أن يُكتَب علينا (وهو ثماني ركعات والوتر)، والباقي مُستحبٌّ، وقد ثبَت أن ذلك كان إحدى عشرة ركعةً بالوتر؛ كما في الصحيحَين.
وقال الزرقاني: وذكر ابن حبان أن التراويح كانت أولاً إحدى عشرة ركعةً، وكانوا يُطيلون القراءة فتثقل عليهم، فخفَّفوا القراءة، وزادوا في عدد الركعات، فكانوا يُصلُّون عِشرين ركعةً غير الشفع والوتر بقراءة متوسِّطة، ثم خفَّفوا القراءة وجعلوا الركعات ستًّا وثلاثين غير الشفع والوتر، عند جمهور الفقهاء؛ كالحنفية والشافعية والحنابلة وداود.
والبحث عن مخرَج من أزمات الفرقة بين المسلمين، وفساد أحوالهم أولى بأن يَشغلَنا عن الوقوف عند الخلاف في عدد ركعات التراويح، أراحَنا الله مِن عناء الفُرقَة وعذابها.