هل يضايق؟ (10).. ادعاء وتعالم

تسمع فلانًا وهو يرفع صوته يهرف بما لا يعرف في حضرة من هو أعلم منه في الميدان الذي يخوضه، فهو “يحتل” الجلسة، ويفرض نفسه.
..
أما العارف في هذه الجلسة فلا يجد له منفذًا للقول، أو لإبداء الرأي وهو الخبير الدارس، يصبر صاحبنا ويصابر، وكأنه يعمل بوصية الخليفة عمر:
“تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحِـلم!”
….
ورد في الذكر الحكيم:
“قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”

مع ذلك يجد فلان بمعرفته الجزئية أنه صاحب سطوة مجلسية، فيصول ويجول في أخطاء متلاحقة، فكل جملة تستوجب تحقيقًا أو تدقيقًا، وهيهات!!
المشكلة أنه “نصف مطّـلع”، فقد حفظ شيئًا وغابت عنه أشياء!
والمشكلة أيضًا أننا نجد أمثاله في اللغة وفي الأدب وفي الفلسفة والاجتماع وفي المواضيع المختلفة.
الله وكيلكم! الصوت عال والنبرة واثقة، و”القبضنة” ليست فقط في السلوك الاجتماعي!
صاحبنا هذا أو ذاك يتحدث بمعرفة جزئية، وبدون مراجع أو مصادر، وتعرفون أن نصف العلم أخطر من الجهل، تمامًا كشخص يعرف بعض الميكانيكا مثلاً، ونطلب منه أن يصلح السيارة.
…
في هذا السياق ثمة قول عربي مأثور:
الجاهل يظلم من خالطه،
ويعتدي على من هو دونه،
ويتطاول على من هو فوقه،
ويتكلم بغير تمييز!!
…
سكت المعري ولم يناقش عندما رأى الادعاء والتعالم، فقال:

ولما رأيت الجهل في الناس فاشيًا **** تجاهلت حتى ظُـنَّ أني جاهل
..
من صفات الجاهل المدعي أنه يقرر ويجزم، وكأن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه. في هذا السياق أستذكر قولاً لأرسطو:
“الجاهل يؤكد،
والعالِم يشك،
والعاقل يتروّى”.
وبذلك يرى صولون أيضًا:
“في الوقت الذي يقول العالِم لا أدري، يصر الجاهل على ادعاء العلم”
….
في التراث العربي نجد مقولة لجعفر بن محمد ينضبط عليها ما أرمي إليه هنا:
“من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع،
والمعارضة قبل أن يفهم،
والحكم بما لا يعلم.”
أرأيتم وسمعتم: يحكمون بما لا يعلمون، أو على سبيل التجاوز: بما لا يحسنون من المعرفة، وأنت أيها الدارس لا تجد لك فسحة.
………………….
هل قابلت أيها الدارس أحدًا من هؤلاء المدعين المتعالمين الذين يفرضون أنفسهم في هذا الميدان أو ذاك؟؟!!
أعانك الله!

ب.فاروق مواسي