– ميسي وبعض الأبقار الهائجة
تاريخ النشر: 19/03/13 | 6:55يمتاز محيط كرة القدم الاوروبية بجمالية متناسقة مع محيط تلك المجتمعات ، اذ أن ارتقاء هذه اللعبة لم يأتي نتيجة سد فراغ او كتغطية عن انحطاط حضاري او مدني ، لان تطور أوروبا لم يستثني مجال علمي او ادبي او فني أو كروي ، فهو تطور يقاس بارتفاعات منسوب كل الميادين في مجتمع واحد من شانه ان يستوعب مجمل تلك التطورات ليستغلها في عملية مستمرة نحو التقدم والرفاهية ، ولا عجب في ذلك ان الكرة الاوروبية وان اعتمدت بفنونها وتقنيتها على عمالقة من دول اسيوية ولاتينية وافريقية ما كان لهؤلاء ان يشتهروا لولا ان انخرطت مواهبهم بمجتمعات هي اصلا موهوبة ومتقدمة في كل الميادين بحيث ستبرز من خلالها اي موهبة فذة ان كان على المستوى الرياضي او العلمي او الفني ، لذا فعندما يشاهد الانسان الواعي لعبة كروية اوروبية فانه لا يكتفي بآثار جمالها بل يأخذه ذلك الى النظر من خلف كواليس اللعبة الى النواقص في مجتمعاتنا والتي اكتملت هناك في لعبة تعكس مستوى معيشي ونفس حضاري راقي نسعى باطنيا للوصول اليه ، اذ لا يعقل ان تكتفي دول عالم الثالث بإرسال خيرة لاعبيها في شتى الميادين الى تلك الملاعب دون السعي الى صناعة ملاعب مكتملة بكل أسباب الحضارة الإنسانية ، لان ذلك سيعني ان كل هدف سيسجله أمثال ميسي ليحقق به انتصارا لذاته أولا ثم لفريقه ثم للمدينة ألحاضنة انما سيكون تسجيل تلك الأهداف بمثابة هزائم متتالية تكشف نواقصنا وحوائجنا واختناقنا إلى نفس حضاري ،
ان تفاعل بعض شبابنا بشكله الحالي مع تلك اللعبة انما يدل على صدق مقدمتي للمقال ، فهدف من ميسي من شانه أن يجمل مدينة برشلونه بالفرح ، ولكن هز الشباك من قدم ميسي قد يهز عندنا سكون الليل ، حتى أصبح ميسي كابوسا يؤرق ليالينا ، لان المريض والمعاق والعامل والطفل البرشلوني ينعم بليلة فرحة مع أنغام الكلاسيكو بينما يحرم امثال هؤلاء من الضعفاء داخل مجتمعاتنا بليلة هانئة بعيدة عن الصراخ والمشاجرات الكروية والتنافسات (الأنتمائية) المتعصبة ومن ثم مسيرة السيارات والأبواق التي تزني بهدوء الليل ليلد فجرا حاقدا مضطربا بدواعي الاستياء ، فلا يعقل ان يكون المشجعين العابثين هؤلاء بمستوى قدم ميسي ليزحفوا محتلين ليالينا عنوة ، عليهم النظر الى اعلى من تلك القدم بقليل ، فميسي أسطورة لا تطارد خصوصيات احد ولا تعبث بأجواء حضارية كلفت أوروبا الكثير من المعاناة السابقة والتي سبقت نهضتها ، وإلا لكانوا قد تخلوا عن ميسي وأمثاله لو تصرف كذلك ، فأوروبا ذات تأثير على هؤلاء الاعبين الذين يتبادلون مع اوروبا الخبرات مقابل التحضر والتمدن ، وأولى بجمهور المشجعين في دول العالم الثالث ان يتأثروا هم ايضا بتلك الحضارة الهادئة المبنية على الحقوق الداخلية ، لا ان يستمتع هؤلاء بعذابات صرعى الليل والذين لا يهنئون حين تهنئ المدن والقرى الاورويبية ، نعم فكرة القدم تسير مع العالم كقرية صغيرة وهي لعبة متتالية على مدار السنة ، فهل هناك من صادر لنا السنه كاملة وتحكم في عمر مجتمعاتنا وحاصر ليالينا باسم كرة القدم ؟!
لقد بتنا نخاف توقيت اللعبة ، فاصطنعنا الأعذار بداية ، كما واسينا أنفسنا بالأمل ان يخسر ميسي لعبة وعندما حصل لم يقل منسوب الفوضى للأسف ، وقلنا لعل بهؤلاء الشبان طاقة مكبوتة ، ولكن ومع استمرار العبث ، والانتقال من ظاهرة سلبية لأخرى مثل اطلاق المفرقعات والرصاص ومن ثم انتهاك حرمة اخلاقيات كرة القدم بشكلها العام ، فإننا بتنا نكتشف ان الكبت الحقيقي لهؤلاء الشبان هو الكبت الإنساني وليس اكثر ، يريدوننا ان نحترم (هواياتهم) وكأننا لا نشاهد ولا نستمتع بكرة القدم ، وكأن لنا حقوق كمجتمع صودرت داخل دائرة اهتمامهم ومتعهم ، لذا فأردت أسماعهم ليس فقط معاناة المجتمع من تلك التصرفات بل ان اسمعهم نعتهم ، اذ عندما اعلم بتوقيت اللعبة ارصد لياليهم كمثل الراصد الجوي لاقول الليلة سيهيج قطيع الأبقار بالصراخ والأبواق ، وليت أمثال هؤلاء من المتصدرين لتخمة الفوضى العامة يتمتعون بأوصاف البقر الهندي المقدس ، فقد علمت البقرة الهندية انها مقدسة فسارت بين البيوت والأحياء والأزقة دون هيجان ، وانتم تعلمون ان المجتمع لا يجرؤ على المصادمة مع هيجانكم ، فلما تواصلون الاستفزاز ، فنحن لا نطالبكم بالتفرغ لظاهرة العنصرية في الشارع اليهودي ، ولا نطالبكم بالانخراط في العاطفة الوطنية والإحساس بدموعكم بتلك الدماء النازفة فوقنا فوق هضبة الجولان ، نطالبكم بان تتنحوا عن ليلنا وان تتركونا ننعم بقسط من الهدوء لكي نكتب ونبدع ولكي نضحك ايضا ونبكي ولكي نحاكي الليل ونصف القمر ولكي نكتشف نصفه الاخر ونكتشف نصفكم المماثل في ضوء النهار الذي يحجب مصائبكم ! فدعونا قليلا لعلنا نتقاسم شيئا معكم ، فلعلنا نشاهد معكم لعبة كرة القدم وحركات ميسي الرهيبة ولكننا نكتفي بأقل من فرح المدن الاسبانية لأنه ينقصنا الكثير من اسباب تلك الأفراح الأوروبية الحقيقية .