شهر الافتراس، أم شهر اللقيمات
تاريخ النشر: 05/07/15 | 7:54الصوم صحة، وراحة للجسم وأعضائه، خصوصا الجهاز الهضمي، بعد عمل دام سنة الا شهرا. فكما الآلة تتطلب راحة لبعض الوقت، فكذلك الجسد. فالصوم يضفي آثارا ايجابية على البدن والنفس. فالنفس تتسامى وتعلو فوق الكثير من مغريات الدنيا، وتتعلق بالمولى عز وجل. فالصيام قران ما بين الروح والجسد، وليس الجسد فحسب، وإلا اعتبر اضراباً عن الطعام، او نوعا من النظام الغذائي-الريجيم.
الصوم عبادة، وليس عادة؛ فهو يقوي الاواصر ما بين العبد وربه، ويزيد من الترابط ما بين البشر بعضهم ببعض، خاصة ما بين الفقراء والاغنياء. فالموسر يتذكر معاناة الفقراء الدائمة من قلة الحيلة والعوز، والغني التقي يجد الامر فرصة سانحة ليهبَّ لمساعدة المحتاجين بنفس رضية تبتغي ما عند الله من أجر وفضل. فصوم الجوارح وصوم النفس يسيران يدا بيد، لاجل تحقيق المبتغى من الصوم. فمن قائم آناء الليل وفاعل للخيرات اطراف النهار، ومن آمر بالمعروف وناه عن المنكر، ومن مسدِ نصيحة ما لاحبته واخوانه في الله، الى ممسك لسانه ويده، والقائمة تطول. فهل من فائدة يجنيها البدن اذا ما قلل اكله وشربه في هذا الشهر لفضيل؟
ففي نهار الصوم تركن الاعضاء وتستريح، ولا يقض مضجعها طعام ولا شراب، وانما تتحرر من سكونها عند الافطار، وهذا هو مدار الحديث. فالسنة الشريفة تحض على الرفق بالجسد الادمي، ولا تقذف بداخله كل ما بين ايدينا من الاطعمة، من لحوم وارز وخضر وحلوى ومشروبات منعشة وما الى ذلك دفعة واحدة وحتى التخمة. فإن حدث ذلك، دخل الفرد في شبه بيات شتوي: الاستلقاء وعدم الحركة وتاخير صلاة المغرب، وربما العشاء، وربما لا نافلة بعد ذلك. فانقضاض وافتراس الفرد على المائدة بهذه الطريقة لا يشبهه الا انقضاض الوحوش على فرائسها. فالوحوش بعد امتلاء البطون لا تعبأ بمن يمر امامها
البتة، وبعض الافاعي تغط في سبات طويل وبيات يصل الى اسابيع، على اقل تقدير، حين تفترس فريسة محترمة. اما الصائمُ فالاحرى به ان يتبع الهدي النبوي حتى يتحقق الهدف من الصوم.
فالهدف من الصوم نوعان: روحي وجسدي. فالروحي يتألق وينتعش في حال راحة البدن، أم حين امتلاء البطون وتكدس الاطعمة، فلا راحة تجنى بالقدر المطلوب. فالصوم صحة وراحة بدنية تنعكس اثارها على التعلق الروحي بمدبر الكون. فلنقلل من كميات الطعام ولنتمثل قول الحبيب :” بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فاعلا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه”.
كما حذرنا الحبيب عليه السلام من اتخام الجسد وتحميله فوق ما لا يحتمل من كميات الطعام والشراب، كونها تؤثر سلبا عل اداء الوظائف الجسدية، وبالتالي التأثير سلبا على اداء العبادات والطاعات. فالاعتدال مطلوب، والاقتصاد كذلك، والتبذير مرفوض، وليكن شعارنا قول المولى عز وجل:” وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا” صدق الله العظيم.
فالحمد لله على ما انزل علينا من الذكر، والحمد له على رفقه بعباده، والحمد له على هذا الشهر الفضيل وشهر القرآن. نسأل الله أن يعيده علينا جميعا اعواما عديدة. تقبل الله صيامكم وقيامكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم.
يونس عودة/ الاردن
فذكر أن الذكرى تنفع المؤمنين أحسنت و جزاك الله خيرا
الشكر لمروركم اخي الحبيب ابو سعد