كيفية التعامل مع الأطفال صعبي المراس
تاريخ النشر: 22/04/11 | 10:47بقلم : عدنان العلي الحسن
من الصعب التمييز بين طفل «صعب» بصورة عادية، وآخر «صعب» بصورة خاصة. فمن عادة الأهل وصف الطفل الذي يُلقي بالأشياء أرضاً ويرفض الإذعان للأوامر والمتمرد، بأنه طفل «صعب». لكن الطفل الصعب بصورة خاصة هو الذي يذهب بتصرفاته إلى أبعد من الطفل العادي. فهو أكثر ميلاً إلى الانفجار غضباً، وإلى السلبية والتصرفات الغريبة.
وفي معظم الحالات فإن الطفل الصعب بصورة خاصة، يكون صعباً أيضاً، وهو رضيع. فهو كان يبكي ويقلق أكثر من غيره من الأطفال، وكان صعب المراس عندما كان حديث الولادة، واستمر على ذلك بعدما أصبح طفلاً.
إن معرفة سبب كون طفلك صعباً قد تساعدك كثيراً في التغلب على مشاكلك. كما أن معرفة أن هناك أطفالاً عديدين صعبين مثل طفلك سيخفف من معاناتك أيضاً.
لا يمكن اعتبار السمات التي تميز الأطفال الصعبين على أنها صفات غير طبيعية أو سلبية. فخصائص الطفل التي تدفع بالأهل إلى حد الجنون عندما يكون في عمر السنتين، هي نفسها التي يمكن أن تجعلهم يشعرون بالفخر عندما يصبح في الثانية والعشرين من العمر. فإذا تمت معاملة الطفل بحكمة وصبر، فغالباً ما يصبح ناشطاً جداً، وقادراً على تحمُّل الصعاب، وناجحاً في حياته عندما يصبح شاباً.
أسباب وراثية
أن يكون الطفل ميالاً إلى التمرد، فهذا ليس خطأه، لأنه قد يكون ورث هذا المزاج عن الأهل. فهو لا يستطيع تغيير مزاجه الصعب، ولا الحد من درجة صعوبته. فعندما يتصرف الطفل على سجيته، فهذا لا يدل على أنه سيئ، كما أنه لا يقصد أذية الأهل، وليس من العدل معاقبته أو انتقاده على تصرف لا يملك القدرة للسيطرة عليه، تماماً مثلما لا يمكنك معاقبته على لون عينيه أو على قلة حيلته وذكائه. ومزاج الطفل الموروث ليس خطأ الأم أيضاً، حتى لو كان قد ورث هذه الصفة عنها أو عن أي شخص آخر في العائلة.
إن تقبُّل الطفل بما هو عليه، بدلاً من خوض صراعات دائمة معه لتغييره وجعله يبدو على الصورة التي تحبينها، سيساعدك على تقدير وتغذية طبيعته الموروثة، وعلى جعلها أمراً مفروغاً منه بدلاً من جعلها مسؤولية أحد، كما أنه يساعد الطفل على تقدير ذاته وتقييمها بشكل أفضل.
العيش مع طفل صعب:
إن العيش مع طفل ليس بالأمر السهل. أما العيش مع طفل «صعب» فيمكن أن يكون أحياناً كثيرة يفوق القدرة على الاحتمال. إن الضغط الناجم عن صعوبات العيش مع طفل غير قادر على التركيز أو على الجلوس هادئاً أو على التأقلم مع التغيُّرات، يمكن أن يكون قاتلاً. والأسوأ أنه قد يجعل حتى الأهل الصبورين يشعرون بالعجز وبفقدان الأمل.
وهناك خلاف في الرأي حول من هو الطفل الصعب استثنائياً، ومن هو الصعب حقاً وبشكل دائم. فالتصرف الذي يبدو لبعض الأهل على أنه نموذجي ويمكن السيطرة عليه، يمكن أن يعتبره آخرون صعباً بصورة استثنائية. في كلتا الحالتين، إذا لم يستطع الأهل تحمل تصرف الطفل، عندها لابد من اتخاذ خطوات حيال هذا التصرف.
بعض الأطفال يصبحون صعبين لفترة محدودة، بسبب معاناتهم أثناء المراحل الانتقالية في سن الطفولة، أو بسبب تعرضهم لضغط شديد من الأهل، أو بسبب مرض مزمن يعانيه أحد أفراد العائلة، فينعكس ذلك على الطفل. لكن تصرفهم هذا يكون مؤقتاً، وليس دائماً كما في حالة الوراثة.
اللائحة التالية تقدم لك وصفاً للأنماط الأساسية من الأطفال الصعبين، وعن كيفية التعامل معهم، بطريقة تجعل حياتك وحياة طفلك أكثر سهولة. ومعرفة كيفية التعامل مع هذه الأمزجة الصعبة ستساعد طفلك أيضاً على تطوير السمات الإيجابية عنده بدلاً من السلبية.
– الطفل مفرط النشاط:
لشدة نشاط هذا الطفل، فإنه يجعل الطفل النشيط جداً يبدو وكأنه يعمل على السرعة البطيئة. فهو لا يبقى هادئاً أبداً، ويرفض أن يُربط، سواء في السيارة أم عند جلوسه فوق كرسي عالٍ، أم حتى عندما يكون في عربته. وهو يميل إلى أن يكون «متهوراً» وضاراً، ويفقد السيطرة على نفسه بسرعة. على الرغم من كل ذلك، لو تعلم الطفل مفرط النشاط كيفية تسخير طاقته، لأصبح عندما يكبر قادراً على العمل لساعات طويلة من دون أن يفقد حماسته وقدرته على مواصلة العمل. ومن أفضل وسائل التعامل مع مثل هذه الحالة السماح للطفل باللعب خارج المنزل لوقت كافٍ حتى يحرق أكبر قدر من طاقته. ولكن يجب الإصرار عليه ليلتزم بشروط السلامة حتى لا يؤذي نفسه أثناء الجري خارج المنزل، وأثناء القفز على السرير أو تسلق المقاعد والطاولات داخل المنزل. حاولي وضع حد لهذا التصرف حتى لا يخرج عن نطاق السيطرة. أما إذا شعرت بأن طفلك أصبح عنيفاً عند اللعب، حذّريه للتوقف عن تصرفاته العدوانية، وهدديه بمنعه من اللعب.
– الطفل المتردد أو المحتار:
الأطفال بشكل عام يجسدون النموذج لقلة الاهتمام. أما الطفل المحتار فيبدو أنه لا يكترث لأي شيء أبداً. فهو ينتقل من نشاط إلى نشاط، ولا يحتاج إلى أكثر من ثانية للتردد قبل أن يعود إلى نشاطه الأول. ويبدو الطفل المحتار أنه غير قادر على الإصغاء أو إعارة أي اهتمام للأهل، أو للمدرسات والمربيات، أو حتى لرفاقه، في اللعب. ومثل هذا الطفل يكون في أسوأ حالات التركيز عندما لا يكون فعلياً مهتماً بأي نشاط أو بكل ما يقال. ومع ذلك، هناك إيجابيات عند الطفل المحتار. فقد يصبح، بقليل من التشجيع، شاباً ساحراً، لديه اهتمامات كثيرة وفي كل مجال.
من ناحية التعامل مع هذا الطفل، علينا ألا ننسى أن معظم الأطفال مترددون بطبعهم. لذا، فقد لا يحتاج الطفل المفرط في تردده إلى اهتمام خاص في مرحلة الطفولة. وقد تستطيع الأم توسيع قدرته على التركيز. وذلك، باكتشاف الموضوعات أو الأنشطة التي تثير اهتمامه، مثل الحيوانات والرياضة والسيارات واللعب.. إلخ. وعليها استخدام هذه المعلومة عند اختيار الكتب أو الألعاب أو الأطفال الذين يلعب معهم. وعلى الأم أن تتجنب الموضوعات التي يجدها طفلها مملة، وألا تجبر الطفل المتردد على التركيز على أي شيء لفترة تزيد على قدرته على الاحتمال. كما أن المحافظة على الهدوء يمكن أن تساعد الطفل على التمكن من التركيز لفترة أطول.
أن إصرار الأم على أن يلتقي نظرها نظر طفلها عند الحديث إليه أو عند توجيهه، يُعتبر من الوسائل الجيدة التي تساعد الطفل على التخلي عن تردده ولهوه لفترة كافية، حتى يتمكن من الإصغاء إليها. وحتى تحصل على اهتمامه الكامل، يمكنها أن تقول له مثلاً: «من فضلك اجلس بجانبي أريد أن أتحدث معك». ثم عندما يجلس إلى جانبها، أو في حضنها، عليها مقابلته وجهاً لوجه، والقول له مثلاً: «انظر إليّ وأصغِ إلى ما سأقول».
– الطفل البطيء في التكيف:
يُعتبر هذا الطفل، حتى أكثر من الطفل النموذجي، من أشد الراغبين في الروتين والطقوس واللعب بالأشياء المفضلة لديه، مثل الملابس ولعب معينة. ويجد أن التحول، أو التغيُّر الذي يطرأ عليه في سن الطفولة أمر غير مقلق، وليس بالمزعج جدياً. وما إن يتكيف مع أي تغير فإنه يتمسك بالوضع الجديد بقوة. مثلاً، عندما يحين وقت اللعب خارج المنزل، فهو يثور غضباً رافضاً المغادرة، وقد يثور غضباً عندما يحين وقت العودة إلى المنزل. ويمكن أن يكون هذا الطفل عنيداً ومثابراً وميالاً إلى إطالة مدة غضبه، ويستطيع الانتحاب باستمرار إلى أن يصل إلى الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه. ومن الإيجابيات لدى هذا الطفل أن البطء في التكيف يساعده عادة عندما يكبر مع هذه الميزة النادرة والقيمة، على أن يبرز في العمل الذي يختاره. أما من ناحية التعامل معه، فأفضل وسيلة هي تحضيره، متى كان ذلك ممكناً، للتحولات التي ستحصل، بلفت انتباهه إليها قبل حصولها. مثلاً، على الأم أن تقول له: «بعد الغداء سنذهب إلى الملعب»، ثم أثناء وجوده في الملعب عليها لفت انتباهه بالقول: «يمكنك اللعب على الأرجوحة لآخر مرة لأننا سنعود بعد ذلك إلى المنزل». وقد يستوعب الأطفال! الأكبر سناً الأمر بشكل أفضل. لذا، يمكن للأم أن تطلعه على البرنامج بكامله. ويمكنها أن تقول له مثلاً: «سنذهب إلى الملعب، وعند عودتنا إلى المنزل سنعرّج على السوبر ماركت، لشراء حليب وخبز. بعدها ستستحم وتأكل، ثم تذهب إلى النوم». فقد يساعد هذا الأسلوب الطفل على التكيف مع التغييرات بشكل أفضل. والطريقة الأسهل لدفع الطفل إلى تقبُّل التغيير بسهولة، هي اختيار اللحظة المناسبة لإحداث التغيير. أما إذا لم تستطع الأم تجنب التحولات المفاجئة، فعليها أن تكون صبوراً وداعمة لطفلها في هذه الحالات.
بالنسبة إلى مثل هذا الطفل، فإن التغيُّرات التي قد تطرأ على ما يحيط به أو على ما يمتلكه يمكن أن تسبب له الاضطراب، تماماً مثل القلق الذي يشعر به إذا طرأ تغيير على الروتين. ومع أنه من غير العملي ولا من الحكمة تجنب مثل هذه التغييرات بالكامل، فإن من الواجب تجنب التغييرات غير الضرورية. مثلاً، عند شراء ثياب مقاسها يتلاءم مع حجمه الجديد، حاولي ألا تكون كلها جديدة، من حيث الموديل والألوان، بل احرصي على أن يكون بعضها مشابهاً قدر الإمكان لثيابه القديمة المعتاد عليها. دعي طفلك يأكل الطعام نفسه يومياً إذا كان ذلك هو ما يرغب فيه، أو ما يُشعره بالأمان. ولكن احرصي على التنويع في الطعام، كلما كان ذلك ممكناً، لتوفري له الغذاء الصحي الجيد. وعند إجراء أي تغييرات، وفري لطفلك الوقت الكافي للتكيف مع هذه التغييرات. كلميه مثلاً عن الحذاء الجديد مرات عدة قبل شرائه، ودعيه يتعرف إليه قبل الإصرار على ارتدائه بدلاً من الحذاء القديم. كوني صبوراً لو أظهر طفلك تعلقاً بما هو قديم، أو تردد في استبداله بما هو جديد. قدمي له المساعدة حتى يتمكن من التغلب على تردده أو رفضه.
– الطفل المفرط في انفعاله:
يمكن سماع هذا الطفل قبل رؤيته. ويستطيع كل من يحيط به معرفة متى يكون سعيداً أو تعيساً أو غاضباً أو محبطاً أو تعباً. ومن الإيجابيات التي تميز هذا الطفل، الذي يحب الناس ويهتم لأمرهم، قدرته على تحقيق نجاحات كبيرة في حياته المهنية. أما بالنسبة إلى طريقة التعامل معه، فعلى الأم بدايةً تعليمه التكلم بصوت منخفض في المنزل، وبنبرة أقل حدة خارج المنزل.
الطفل المنطوي على نفسه:
وهو الطفل الذي ينزوي جانباً ويبكي ويلتصق بأمه إذا قابل أشخاصاً جدداً، أو وُجد في أماكن جديدة، أو صادف حالات جديدة، أو قُدم له صنف جديد من الطعام.. إلخ. وقد يثور غاضباً إذا ضُغط عليه من الأم أو أي شخص آخر. ومع ذلك، من الممكن أن يصبح هذا الطفل عندما يكبر قادراً على تحليل الأوضاع بشكل جيد قبل الإقدام على أي شيء. لذا، قد يتخذ قرارات حكيمة عندما يتطلب الأمر. أما عن كيفية التعامل معه، فيمكن استخدام الأسلوب ذاته، كما في حالة الطفل المتردد أو المحتار، إذ يمكن تقديم الطعام نفسه له تقريباً، وشراء ثياب جديدة مشابهة لتلك القديمة، واستعمال لون الدهان نفسه عند تجديد غرفته.. إلخ. ومن الضروري عند شراء سلعة جديدة مشاركته في اختيارها وترك المجال له حتى يألفها قبل استخدامها. كما يجب منحه الوقت الكافي ليتأقلم مع الأوضاع الجديدة. وعند التعامل مع الطفل المنطوي، على الأم أن تكون داعمة ومساندة له، وصبوراً ومتفهمة وضعه. وعليها تحضيره لكل ما هو جديد بالحديث عنه مسبقاً، وعرض صور إذا أمكن، للأشخاص الذين سيقابلهم لأول مرة، أو للأماكن التي سيزورها، فقد يساعد ذلك على تقليل الفرص أمام الطفل للابتعاد والانزواء جانباً.
– الطفل ذو الإحساس المفرط:
في حين أنه من الصعب إرضاء معظم الأطفال في بعض النواحي، إلاّ أنه من الصعب إرضاء الطفل ذي الإحساس المفرط في كل النواحي. ومثل هؤلاء يكونون حساسين جداً للضوء والصوت والألوان وأنسجة الملابس والطقس والألم والطعام والروائح. فهم ينزعجون من أشياء قد لا يلحظها أشخاص آخرون. ومن حيث الإيجابيات، يستطيع هؤلاء الأطفال الاستفادة من مشاعرهم الحادة في أعمال إبداعية وفنية مختلفة مهمة ومفيدة، وبطرق علمية. أما من حيث التعامل معهم، فيمكن إتباع الأسلوب الذي كان مع الأطفال ذوي المزاج الصعب. فهم حاسمون من ناحية القبول والتفهم. وغالباً ما تفوق ثورات غضبهم الخيال ويبالغون فيها. لذا يجب تجنب كل ما يثير غضب الطفل ويزعجه من مأكل وملبس. ويجب شراء الثياب التي تلائمه ونزع الملصقات عنها وغسلها قبل الاستعمال حتى لا تسبب له الحكة. كما يجب على الأم محاولة تذكُّر الأطعمة التي يحبها وطريقة إعدادها حتى لا يرفضها. أما إذا اشتكى من الحرارة دائماً، فعليها محاولة تجنب الملابس السميكة، وكذلك ضبط مستويات الضوء والصوت في المنزل بما يتلائم مع حساسية الطفل وراحته.
الطفل الذي تصعب برمجته:
من الصعب برمجة وقت نوم وإطعام مثل هذا الطفل وفق روتين معين، خاصة عندما يكون رضيعاً، لأن والديه لا يعرفان أبدا متى سيستيقظ ولا متى سيذهب إلى النوم أو القيلولة، أو متى سيكون جائعاً أو سعيداً. إلاّ أن هذا الطفل لا يعاني غالباً مشاكل في النوم. ومن الإيجابيات التي تميز هذا الطفل قدرته على التعامل مع الأوضاع الصعبة بشكل جيد. وقد يحقق هذا الطفل عندما يكبر، نجاحات كبيرة في أعمال صعبة، يمكن أن تدفع بأشخاص آخرين إلى التنوير، مثل العمل في الإذاعة والتلفزيون، أو في الصحافة، أو الخدمات الصحية.. إلخ. أما من حيث التعامل معه، فيجب عدم الإصرار على تطبيق الجدول الذي تضعه الأم بحذافيره، لكي تسير حياته بسهولة أكبر.
– الطفل غير السعيد:
مثل هذا الطفل لا يضحك كثيراً كما بقية الأطفال الصغار، وقد يبكي ويشتكي أكثر من أنداده. ويمكن أن تكون لديه ميول «خطرة». ومن حيث الإيجابيات، قد لا يحب هذا الطفل الجاد والوقور اللهو مثل الطفل السعيد، ولكن قد يحقق نجاحاً واسعاً في المجال الأكاديمي وفي حقول أخرى في ما بعد في حياته. وأفضل وسيلة للتعامل مع هذا الطفل الجاد والمزاجي، هي تقبُّله كما هو وعدم إلقاء اللوم على أحد بسبب حالته.