لماذا قتل فضيلة البوطي
تاريخ النشر: 30/03/13 | 10:15لماذا قتل البوطي هو سؤال اكثر اهمية من البحث عن قتلة العالم الاسلامي محمد سعيد البوطي، فهناك من يسأل دائما (لماذا) بغية البحث عن الحقيقة ومنهم من يسأل لماذا بغية استحضار اجابة مختلفة، وآخرون لا تعنيهم اداة السؤال (لماذا ) بشئ ، فهم يكتفون بالغبطة لمقتل شيخ جليل ، دون ان يبحثوا عن الادوات السياسية التي ادت لمقتل البوطي وإخوانه من المتعبدين في مسجد!
وقد تضيع الحقيقة بتفاصيل هامشية اذا ما خضنا بكيفية مقتله ومن وراء هذا الاغتيال، لذا فقد اردت ان اركز على ابعاد (اسلامية) يحتمل انها لم تؤدي دورا في اغتيال العلامة ولكنها ذات الابعاد التي شاركت في النزع والاحتضار الاخير للبوطي بفكرها الخانق لدور الاسلام الحقيقي الحضاري، لان مقتله وان لم يفصل الحرب الدائرة لصالح جهة معينة، فانه فصل مفاهيم على مستوى قطاعات من الأمة المتصنعة للإيمان ، وهنا أتساءل عن ماهية الفرح والشماتة بموت هذا العالم من قطاعات لا تفتأ وتذكر الله صبحا وعشيا !
لان قتل البوطي قد بني من وراء مقصده فتنة عظيمة، بمعنى اذا أجاز البعض استباحة دماء عالم عجوز بادعاء انتماءهم للثورة السورية المجيدة، فهذه اشارة لاستباحة الدماء في كل بقعة من بقاع الامة تختلف فيها وجهات النظر والمواقف حول الثورة السورية، فإذا مارسنا هذا الدور فماذا تبقت لنا من ادعاءات ثورية على النظام بأن احدى مساوئه مصادرة حق الناس بالتعبير عن مواقفهم وحريتهم السياسية! ولكي نجيب عن السؤال لماذا قتل البوطي ولما فرح بعض الناس واعتبر الاغتيال انجازا للثورة ، علينا ان نسأل سؤالا مقترنا بقصة مشابهة ولكنها كاشفة عن حجم الجهل في هذه الامة ، فأمريكا وما ادراك ما امريكا ام الاستعمار والظلم العالمي والتي احتلت العراق وعملت على تصفية كل رموز نظام صدام حسين كما وضحت به بيوم مشهود يوم عيد الله حيث تبين حجم خبثها وعدائها الاسطوري للأمة العربية والإسلامية ، ومع ذلك فقد استثنت من تلك القيادة الصحاف وزير الاعلام والناطق الرسمي والمحرض الاول على امريكا وصاحب مصطلح ( العلوج الامريكان) حتى انها لم تسجنه واكتفت بنفيه معززا مكرما لأنها خشيت ان يزداد تاريخها سوادا اذا اقدمت على قتل رجل اعلامي ولو كان صاحب نظرية اعلام حربي او ثوري ، فما بالكم بمن يستبيح دماء شيخ وعلامة اسلامي ويفرح لتقطيع جسده الطاهر اشلاءا لأنه فقط اختلف معه بموقف سياسي! ثم ان الثورة الحقيقية وظيفتها تحرير كل شئ استولى عليه نظام فاق النازية ممارسة اجرامية ، افلا يعتبر البوطي ثروة وطنية وإسلامية وجب العمل عليها بالحكمة لتحريرها من هذا الاستحواذ التاريخي اسوة بباقي الثروات ؟
ثم كيف للمنطق ان يتهضم انشغال علماء الخليج بالوضع السوري في حين ان الخليج احوج ما يكون للثورة ، فإذا كان البوطي قد اختل لحين من الدهر بموقفه السياسي ، فكيف نفسر موقف علماء الخليج ومن لف لفيفهم بموقف تاريخي دهري مستسلما ومنافقا لأنظمة ألخليج وكيف للمنطق ايضا ان يتهضم استباحة وتشريع اغتيال (العالم) البوطي وتكفيره من قبل (الداعية) محمد حسان ، والأمس القريب يشهد بمواقف حسان المهادنة والمداهنة لحسني مبارك ومن بعده المجلس العسكري، وكيف لنا ان نتخيل ان نجوم الدين هؤلاء وهم ينعمون لعقود من السنين في ظل نظام مبارك وفترته التي سحق خلالها كل الفقراء الى اسفل اسفلين ، وكلنا نذكر الاحصائيات التي كانت تقارن قبل الثورة العربية نجوم الدين هؤلاء بمن اكثر منهم ثراءا فاحشا ، كيف لنا ان نتخيل ان محمد سعيد البوطي عاش متقشفا كأقل من عائلة متوسطة في حين كان يفوقهم علما وشهرة ، فهل من يصدق او يشهد بان البوطي قد تلقى اموالا او نعيما مقابل موقفه السياسي والذي بالتأكيد نختلف معه فيه ، والسؤال الاهم ماذا لو قتلت امرئ نتيجة موقفك السياسي وتبين لك بعد حين من الدهر انك كنت مخطئا بهذا الموقف ، فكيف ستصلح الموضوع بعدما كسره الدم؟.
لذا فمن أيد اغتيال البوطي فانه لم يفكرمليا ، فقد تكون رؤيته كعالم أبعد من رؤيتنا وليست بالضرورة تصب في صالح النظام على المدى البعيد ، فلما يصادر البعض الدهر الذي استودعه الله في حياة البوطي ، ولما يغفر لمحمد حسان من تلك الالسن الشامتة ولما يعدم شيخنا بلذة بلعاب الفتنة ، ولما يتخذ البعض دول الخليج كمصدر لمصداقية الثورة في حين ان سوريا وأهلها وثورتها هم اكثر المتضررين من احتيال الخليج بماله ونفطه عليها ، كيف لنا ان نتصور ان المتأمر الكويتي الاول الصباح يجلس متراخيا في مؤتمر (دعما للثورة السورية) كيف لنا ان نتخيل غياب اي صوت من العلماء والدعاة لا يشير للخلل الخليجي في تبعيته المطلقة للغرب ومن خلف كواليس الغرب إسرائيل كيف لنا ان نتصور اجتماع كل تلك الاصوات بتكفير وإهدار دم البوطي بعد مقتله! وكيف لنا ان نستقي العلم الاسلامي المجرد من هؤلاء خصوصا بعد غياب البوطي رحمه الله، فهل رقي الامة الفكري وانتشالها من بؤر الجهل يتطلب من يدغدغ عواطفها فيبكيها ويضحكها ثم يتلاعب بعد ذلك بمواقفها ، فهم يتحدثون عن التقشف ويسلكون دروب الاغنياء ، ويتغنون بادوار الصحابة رغم ان الصحابة دخلوا الاسلام اثرياء وغادروا الدنيا فقراء ، ويتحدثون عن حرمة قتل المسلم في حين يهدرون دماء العلماء ، فما الفرق بينهم والتتار عندما قتلوا علماء العراق وحرقوا المكتبات؟!
لذا دعونا من التنصل من السؤال الاهم لماذا قتل البوطي بإيجاد معضلة من قتل البوطي والتناحر والتملص من المسؤولية الاخلاقية وفق ضياع التفاصيل بحكم بعدها عن واقعنا باستثناء المشهد السوري الداخلي ، لان من قتل البوطي عرف لماذا قتله ، لأنه رأى وقرأ مشهد الامة الباحثة عن التناحر ، وعرف ان الفتنة تبنى وتنجح في ظل المتآسلمين الذين لا يجدون الاسلام الحقيقي في صدورهم فيبحثون عنه في حالات مزاجية من الاثبات والاتهام ، فمخطئ من يظن ان الثورة الحاصلة هي اسلامية فهي عربية تبحث عن دليل ونضج وعندما سيحين الوقت فستقوم الثورة الاسلامية الأممية الأنسانية على امثال هؤلاء من المتآسلمين ، لان الثورة العربية ستكون مقدمة لفرز الواقع والأفكار ولن تكون حينها قوى داخلية بثقلها كما هو اليوم بتمثيلها الليبرالي العلماني ، لان العرب اذا انفتحوا اكثر من تلك القوى المتقدمة بأشياء والمنغلقة على اشياء فستكون حينها قد نضجت بمفاهيم انسانية تليق بعجلة التاريخ وعجلة قرين التاريخ الا وهو الاسلام ، فالتاريخ لا يحتمل ادوات الهدم والردم واللعن حتى اصبحت كلمة (شبيح وبلطجي) مصطلحا متبنيا عند هؤلاء رغم انها ادوات عملية مبتكرة ديكتاتوريا، فيقذفون بها الاخرين باسم الدعوة والحكمة والجدال الحسن! لذا فمن قتل البوطي هو نظام البعث والذي سيتضح مع الوقت انه منسجم مع الغرب والخليج كلعبة سياسية عالمية ابعد واعلى من سقف الناس بغية محاصرة الثورة العربية الشاملة بأيديولوجيات وصراعات لا مخرج منها اللهم سوى بإيجاد مشروع عربي اسوة مع المشروع الايراني والتركي وبذلك ستتم الوحدة على خطوط سياسية وليست خطوط ايديولوجية مبنية على التعاطف الظاهري والخبث الباطني وإنكار الاخر مهما اختلفنا معه، والى ذلك الحين فكلوا واشربوا وتعطشوا لدماء العلماء فانتم تمثلون نظام البطش السوري عمليا وتحتذون حذوه، فهو يشرع القتل وانتم تشرعون الانتقام، ولن تسألوا ابدا لماذا ، لانكم لا تهتمون اصلا بأي اجابة وفقط ما قدمتم للثورة السورية غير كلام في كلام ، فان لم تستطيعوا تقديم اي شئ بحكم واقعكم فلما لا تستغلون الواقع لتحاصروا فتنة الكلام ؟ السنا مسؤولين عن مكنونات الفؤاد وما جرح اللسان .
اليست الثورة السورية المنتصرة حتما بمجمل تضحياتها والشعب السوري هم المتضررون الوحيدون من اغتيال البوطي وما لحقه من شماتة وهيجان ؟