لم نتوقع هذا من حكم مرسي ولا من ثوار ليبيا الجديدة
تاريخ النشر: 31/03/13 | 12:50من الاسباب الرئيسية لانفجار الثورات الشعبية العربية انتهاك الانظمة القمعية لحقوق الانسان وغياب القضاء العادل المستقل وحكم القانون، وما يحزننا ان نرى حكومات وصلت الى سدة الحكم كثمرة لهذه الثورات، لا تعير الاهتمام المأمول لمبدأ احترام حقوق الانسان، او حكم القانون.
نقول هذا الكلام بمناسبة إقدام الحكومة المصرية على تسليم مسؤولين ليبيين سابقين احدهما سفير سابق في مصر (علي ماريا) وابن عم الديكتاتور الراحل (محمد منصور ابراهيم) الى السلطات الليبية تمهيدا لتسليم العشرات الاخرين مقابل ايداع ملياري دولار في الصندوق الاحتياطي المصري من العملات الصعبة، ومليون برميل من النفط الليبي الخام شهريا لتكريره في المصافي المصرية لسد احتياجات مصر من الديزل.
ندرك جيدا الضغوط التي تتعرض لها الحكومة المصرية، مثلما ندرك ايضا ان الاحتياط المصري من العملة الصعبة انخفض من 36 مليار دولار الى اقل من 14 مليار دولار بعد الثورة، وان مصر تحتاج الى ثمانية مليارات دولار فورا حتى تتمكن من تلبية احتياجاتها الاساسية وكسب ثقة الدائنين. ونذهب الى ما هو ابعد من ذلك ونؤكد ان الاحتياطي الاستراتيجي من القمح المحلي او المستورد انخفض الى اقل من 2.207 مليون طن حتى منتصف اذار (مارس) الحالي، وهو ما يكفي لثلاثة اشهر فقط.
لكن مهما كان الوضع الاقتصادي صعبا فإن هذا لا يعني ان تخضع مصر لابتزاز الدول العربية الغنية، وتتنازل عن تاريخها العريض الذي يمتد لمئات السنين، وتسلم مواطنين عربيين لجآ اليها الى دولة ليس فيها قضاء عادل او غير عادل، وتسيطر عليها الميليشيات، وتمارس التعذيب والقتل ضد خصومها.
السلطات الليبية التي اشترطت تقديم ملياراتها الى نظــــيرتها المصــــرية، مقابل تســليم لاجئين سياسيين ليبــيين، ما كان يجب ان تمــــارس هذا الابــــتزاز وتفـــرض هذه الشروط، مستغلة الظرف الاقتصادي المصري الصعب، ولو كانت حكومة ثورية فعلا وتؤمن بقيم العدالة وتحترم حقوق الانسان، لقدمت المساعدات المالية لمصر دون اي شروط، ودون اي مقابل لإنجاح ثورتها، وتحصينها من الشروط المهينة والمذلة لصندوق النقد الدولي.
' ' '
لا نجادل مطلقا بان بعض المسؤولين الليبيين السابقين ارتكبوا جرائم حرب، ومارسوا التعذيب والقتل وانتهاك حقوق الانسان ضد معارضيهم بطريقة بشعة، ولكننا نجادل في حق هؤلاء في مواجهة محاكمات عادلة، في دولة تحترم سيادة القانون، خاصة من دولة سلمتهم، ووصلت حكومتها الى السلطة تحت شعارات ديمقراطية وانسانية وعدالة اجتماعية، ومن دولة اخرى استلمتهم وصلت حكومتها الى السلطة عبر صناديق الاقتراع، رافعة شعارات العدالة نفسها، ولكن منظمات حقوق الانسان العالمية تتحدث بالوثائق عن ممارستها القمع والارهاب والتعذيب، وترتكب ميليشياتها ابرز مظاهر التطهير العرقي والتمييز العنصري والقبلي (تاورغاء، سرت وبني الوليد).
فالسيد محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني الليبي (البرلمان المؤقت) كان مطلوبا للعدالة المزورة في ليبيا عندما قاد تنظيمه اكثر من محاولة اغتيال للعقيد القذافي، وشكل جيشا لقلب النظام اتخذ من تشاد مقرا، ومع ذلك لم تسلمه او ايا من زملائه الى النظام السابق، بسبب غياب العدالة من قاموس حكمه. تستطيع السلطات المصرية ان تفرض الإقامة الجبرية على هؤلاء، او تحدّ من اي انشطة سياسية ينخرطون فيها ضد النظام الحالي في طرابلس، او تؤجل تسليمهم في حال توفر الوثائق التي تدينهم فعلا، حتى تبني نظيرتها الليبية الحاكمة مؤسسات الدولة، وترسّخ اسس نظام قضائي مستقل، لكن ان تسلمهم الى هذه السلطات التي فشلت في تحقيق الأمن ونزع سلاح الميليشيات، وفرض هيبة الدولة، فهذا امر يثير الاستغراب وخيبة الامل. بالأمس فقط تعرضت فتاتان مسلمتان بريطانيتا الجنسية للاغتصاب في مدينة بنغازي ،حاضنة الشرارة الاولى للثورة الليبية، على يد خمسة اشخاص، وامام والدهما المسلم، وهم جميعا في طريقهم الى قطاع غزة للتضامن مع المحاصرين من ابنائه وكسر هذا الحصار الظالم المفروض عليهم.
اشعر بالعار ان نرى جريمة الاغتصاب هذه وفي وضح النهار، وفي 'ليبيا الثورة' لفتاتين مسلمتين، تركتا بيتهما وكل شيء آخر وعرّضتا حياتهما للخطر من اجل خدمة قضية اسلامية انسانية، والتضامن مع اشقاء مسلمين محاصرين، هل هناك ما هو انبل من ذلك، وهل هذه المكافأة لهما من خمسة رجال يتباهون بانهم ينتمون الى ثورة اسلامية تفجرت من اجل العدالة والامان وتقديم نموذج حكم مختلف واكثر انسانية؟
في اي بلد يحترم نفسه يستقيل وزير الداخلية، وقائد قوات الامن، وينزل المتظاهرون الى الشوارع للمطالبة بذلك، لكن ما هو مستغرب ان نرى نائب رئيس الوزراء يبثّ الخبر وكأن الجريمة وقعت في القطب الجنوبي!
' ' '
الوثائق حول قتل وتعذيب المعتقلين في معتقلات السلطات الليبية الحالية بالآلاف وموجودة في ارشيفات وكمبيوترات منظمات انسانية اجنبية مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، الأمر الذي يجرّم تسليم اي لاجئين سياسيين، وفي هذا التوقيت الى هذه السلطات.
فإذا كانت الحكومة الليبية لم تتسلم حتى الآن المهــــندس ســـيف الاســـلام القذافي الذي تحتجزه ميليشيات الزنتــان في الجبل الغربي في احد معتقلاتها، فكيف يمكن الوثوق في هذه الحكومة، وعدالة اجراءاتها القضائية، ولماذا تكون كتائب الزنتان هذه اكثر صلابة وقوة من الحكومة المصرية التي تمثل اكبر دولة واشرف ثورة في المنطقة العربية؟
الحكومة البريطانية عجزت على مدى اكثر من عشرين عاما عن تسليم الشيخ عمر عثمان (ابو قتادة) الى السلطات الاردنية التي اصدرت حكما غيابيا بإدانته بتهم تتعلق بالارهاب، لانها غير مطمئنة الى مثوله امام قضاء مستقل، وتخشى ان تنتزع منه ادلة لإدانته تحت التعذيب.
خمسة من وزراء الداخلية تعاقبوا على هذا الملف، وفشلوا جميعا في ترحيل رجل يكلف خزينة الدولة مليون جنيه استرليني سنويا كلاجئ سياسي، لان القضاء البريطاني مستقل، ولا تستطيع الدولة التدخل في احكامه، وتسييس قراراته مثلما هو الحال في معظم حكوماتنا غير الرشيدة. الحكومة السعودية في مطلع التسعينات هددت بإلغاء صفقة اسلحة اليمامة (قيمتها 70 مليار دولار في ذلك الوقت) اذا لم تسلم او تبعد نظيرتها البريطانية المعارضين البارزين سعد الفقيه ومحمد المسعري، ولكن هذا التهديد لم يعط مفعوله لان هذين المعارضين لم يرتكبا اي جريمة او خطأ يعاقب عليه القانون اولا، ولان القضاء السعودي غير عادل من وجهة نظر القضاء البريطاني.
كنا نتمنى ان تحذو حكومة مصر الثورة حذو الحكومة البريطانية 'الكافرة' وان تحتكم الى قضاء مصري مستقل، وترتكز الى إرث مصري عريق في ايواء المستجيرين بها، وكثير من هؤلاء كانت ايديهم ملطخة بالدماء، لان مصر اقوى من ان تخضع للابتزاز.
يحزّ في انفسنا ان نرى سلطنة عمان تستضيف زوجة العقيد القذافي وولديه وابنته وتكرم وفادتهم، وتقدم لهم الامن والامان والعيش الكريم، بينما مصر الاخوان المسلمين التي عانت كثيرا من الظلم والاضطهاد والاعتقالات التعسفية تغلق الابواب في وجه هؤلاء وتسلّم غيرهم.