باب الشمس
تاريخ النشر: 01/04/13 | 1:58يحكى انه كان في سالف العصر والأوان قرية جميلة اسمها "باب الشمس" عاش أهل هذه القرية بأمن أمان ووئام .
كان أهل القرية يصحون كل يوم على صياح الديكة ، أجراس الماشية وتغريد الاطيار.
أزقة القرية كانت تعج بأصوات الفلاحين ، والرعاة في غدوهم ورواحهم الى مزارعهم ومراعيهم في العشي والإبكار.
حارات القرية كانت مرسومة بألعاب الاطفال وإبتسامات الكبار والصغار.
اطراف القرية كانت تزنرها طوابين الخبز من الشمال ومن الجهات الاخرى أشجار الصبار .
عين الماء في طرف القرية كان ملتقى العشاق بحجة إطفاء الظمأ وملء الجرار.
غدر الزمان بقرية "باب الشمس" القرية
الهادئة المطمئنة حيث كانت محطة لإسراب الجراد المهاجرة التي حولت المزارع الى ارض قفار.
بعدما كانت بهية يانعة بالنباتات ، الأزهار والأشجار.
وذاق أهل القرية طعم الجوع الذي لم يعرفوه من قبل في كل الأحوال والأقدار.
فهاجر من هاجر وشرد من شرد وبقي من بقي من أهل الدار.
من بين الذي أصر على البقاء "ابو احمد" الفلاح طيب القلب الذي احب الأرض وعز عليه فراق الديار
بقي أبو احمد هو وزوجته "فاطمه"
وابنهما الرضيع "أحمد" يصارعون جرح الدهر والأقدار .
كان أبا احمد يخرج مبكرًا كل يوم ليقطع الحطب ويبيعه لسكان المدينة المجاور ليشتري لعائلته قوت يومهم
في احد الأيام مرض أبو احمد واضطر ليلازم فراشه بقي أبو احمد علئ هذا الحال سبعة أيام فلم يبقَ في البيت ما يسدون به رمق جوعهم .
فطلبت ام احمد من أبا احمد ان يدلها على الطريق الى الغابة التي كان يقطع منها الحطب . في البداية تردد أبا احمد لكن بكاء ابنه الرضيع الذي كان بتضور جوعًا هزم كبرياءه.
فكر برهة وأخذ نفس عميق من سيجارته
لم يدرِ لا هو ولا سيجارته من أخذ نفس الآخر وبصوت مغلف بحشرجة وبحة قال; وماذا مع ابننا احمد?
أني أخاف عليه من الساحرة الشريرة
التي تحوم حول الغابة وتخطف الأولاد
وتؤذي العباد ؟
قالت الزوجة بصوت قوي العزيمة : ما بالك يا رجل ؟ حتى انت تؤمن بهذه الخرافات ! اعهدك رجل شجاع ومؤمن لا تخف ! لا تهكل الهم ، ربنا بسترها معانا ! أنا سآخذه معي.
صمت ابو احمد وأخذ يتأمل الطفل الصغير … هز رأسه وتنهد تنهيدة أشعلت برود الصمت الذي ساد في الغرفة وبنفس واحد لفظ أنفاس سيجارته
وقال بصوت ينزف دمعًا من وراء كآبة سحابة سيجارته الخرساء ربنا… يسهل !
الحمار يعرف الطريق!
في الصباح الباكر حملت ام احمد ابنها على ظهرها كما تحمل الأمهات من شرق آسيا وأفريقيا أبنائهن على ظهورن وانطلقت نحو الغابة وراء الحمار الذي من تكرار رواحه وغدوه من والى الغابة صار يعرف الطريق لوحده .
وصلت ام احمد الى الغابة وأخذت الفأس وبدأت تقطع الحطب بهمة وعزيمة وترتبه بأكوام صغيرة لتعود لتحمله على ظهر الحمار في آخر اليوم .
شعرت ام احمد بعدم راحت ابنها وهو على ظهرها وهي تنحني لكي تقطع الحطب ، فأنزلته من على ظهرها ووضعته على حضنها الى ان استرخى من شدة النعاس ، ففرشت له قطعة قماش في ظل شجرة ووضعته عليها وأخذت منديلها وغطته وطبعت قبلة على جبينه وواصلة عملها بجد واجتهاد لكي لا تتأخر على زوجها الراقد في الفراش.
ابتعدت ام احمد عن المكان الذي يرقد فيه ابنها وفجأة سمعت صوت طائر غريب وسمعت صراخ ابنها احمد ركضت نحوه والفأس بيدها لكن الطائر الغريب سبقها الى ابنها وحمله بين مخالبه وطار محلق في السماء نحو الجبل . صرخت ام احمد صرخة مدوية في الغابة لكن لم يسمعها أحد ركضت تلحق بالطائر الشرير وبابنها
فلذة كبدها لكن الطير حلق الى قمة الجبل وحط الطفل الذي فارق الحياة من شدة بكاءه على امه فوق صخرة وبدأ ينقر في جسده ينزع لحمه بمخالبه ومنقاره تاركًا عظمه .
صعدت الأم الى الجبل تبحث عن اثر لابنها الى ان وصلت الى الصخرة ما أن وقعت عينيها على ما تبقى من ابنها أُغمي عليها وأمضت ليلها مغشيًا عليها صحت من غيبوبتها بحرارة دموع زوجها التي بللت وجهها الذي انشغل باله عليها بعد ما تأخرت فأمضى الليل يبحث عنها في الغابة الى ان وصل إليها .
أفاقت وهي تصرخ ولدي احمد ! ولدي احمد ! آه يا أبو أحمد … آه يا أبو احمد ، هلك أحمد …. هلك احمد ! خطفه الطير أكل لحمه ….وترك عظمه !
بكى وبكت ام احمد لم تسمع السماء والملائكة من قبل حرارة بكاء مثل حرارة بكاءهما عانق أبا احمد زوجته وطبع قبلة حارة على جبين زوجته مواسيًا إياها معزيًا نفسه قائلًا : "عوضنا على الله' لله ما أعطى ولله ما أخذ ، حسبنا الله ونعم الوكيل"
قامت ام احمد يساعدها زوجها تلملم عظام ابنهما ووضعت العظام في حجرها وأخذت تبكي ، وتبكي وتصلي وتدعو الله ان يعوضها عن ابنها وفجأة تحولت العظام الى طائر جميل المنظر اسود الرأس أخضر الجناحين اخضر الصدر أسود الذيل. طار " الطائر الاخضر وحلق. فوق رأسهما. وهو يغرد :
لا تحزن يا أبي
لا تحزني يا أمي
لا تحزن يا وطني
سأعود يومًا سأعود
حتمًا سأعود !
حلق الطير مودعًا في السماء ، عاد أبا احمد وزوجته وعاشا عقود من الزمان وهما ينتظران عودة أحمد ….واحمد لم يعد …….رزقا عوضًا عن احمد بمحمد ومحمود. … وآخرون….. وتوفيا وقبل أن يتوفاهم الله أوصوا أولادهما من بعدهما ان لا يدب اليأس في قلوبهم مهما آل حالهم الى ما آل لأن أحمد حتماً ! حتمًا سيعود أحمد !
وما زال محمد ومحمود و……وآخرون … ينتظرون عودة أحمد ……