مجموعة الأزمات الدولية – حل الصراعات أم تأجيجها؟
تاريخ النشر: 23/07/15 | 11:26أصدرت “مجموعة الأزمات الدولية” في بروكسل مؤخرا تقريرا كان له صدى عالمي كبير حول “الوضع القائم – Status Quo” في المسجد الأقصى، اعتمدت فيه على مقابلات مع شخصيات رسمية لدى الجانب الاسرائيلي والأردني والفلسطيني، وإصدارات مكتوبة، غالبيتها اسرائيلية، حول قضية المسجد الأقصى.
وادعت المجموعة في تقريرها أن موقفها من قضية المسجد الأقصى حيادي يهدف الى طرح حلول للأزمة، ولا ينحاز الى أي طرف من أطراف الصراع. إلا أن افتتاحية التقرير وصفحاته الـ 32 كانت كافية لإسقاط هذا الادعاء، وتبيان موقفها المتماثل كليا مع رؤية الاحتلال الاسرائيلي للمسجد الأقصى.
مجموعة الأزمات التي أطلقت على تقريرها اسم “حالة الوضع القائم في الباحة المقدسة”، والتي تعتبر أنه من حق اليهود إقامة الصلاة في المسجد الأقصى وأن معبدا يهوديا كان قائما مكانه، وتزعم بوجود صلة تاريخية بين اليهود والمسجد الأقصى؛ تهدف من وراء هذا التقرير الى تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، والوصول الى حالة يسمح فيها بصلاة اليهود فيه؛ يرضى عنها المجتمع الدولي.
لذلك، يعتبر هذا التقرير المشوّه والخطير، تبريرا مسبقا لنوايا الاحتلال الاسرائيلي المبيتة في المسجد الأقصى، أمام المجتمع الدولي، وإقصاء المسلمين عنه بشتى الوسائل.
هواجس ومصالح شخصية بدل قدسية
تمهيدا لما يضمره الاحتلال للمسجد الأقصى، يفتتح التقرير فقرته الأولى بتوقعه تصاعد الأحداث في الأيام المقبلة، في ظل الأعياد والمناسبات اليهودية القريبة. في حين يستهل الفقرة الثانية بجملة تعريفية عن المسجد الأقصى، تبدي انحيازا تاما لرواية الاحتلال الاسرائيلي: “الموقع الأكثر قداسة لليهود، والثالث في أهميته بالنسبة للمسلمين”.
وبينما يكرر معدو التقرير ادعاءهم بأنه لا يمكن لليهود التخلي عن أكثر الأماكن قدسية لديهم، يسعى التقرير في المقابل، الى التشكيك، في أكثر من مكان، بارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى، من خلال الإدعاء بأن تخوفاتهم من تغيير الوضع القائم فيه غير منطقية وتنبع من مصالح شخصية فقط، ولا علاقة لها بمكانة المسجد الأقصى الخاصة وقدسيته لدى المسلمين.
كما يعتبر التقرير أنه يحق لليهود الصلاة في المسجد الأقصى، إلا أن “الهواجس غير الواقعية في عقول الفلسطينيين والعرب، وأوهامهم بأن المؤسسة الاسرائيلية تريد هدم المسجد الأقصى، أدت الى عدم تقبلهم ممارسة اليهود هذا الحق”.
تديُّن الصراع العربي الاسرائيلي
يستدل من المفردات المستخدمة في التقرير واقتراحاته لحل الصراع العربي الاسرائيلي، سعي معدّو التقرير الى التسليم بأن الصراع العربي الاسرائيلي هو صراع ديني بحت.
فالتقرير يعتبر أن المسجد الأقصى هو فرصة لدمج العناصر والعوامل الدينية التي تعاظمت قوتها في الصراع العربي الاسرائيلي، وأن الحوار الديني في المجتمعات وما بينها، سيساهم في حل الصراع وإدارة موقع المسجد الأقصى.
ويقترح في هذا المضمار “فكرا جديدا” للإجابة عن التساؤل كيف يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين التوصل الى سلام، ويقول أن ذلك ممكنا عبر انخراط مجموعات كانت مغيبة سابقا عن المباحثات السياسية، كالصهاينة المتدينون. كما يعتقد في ختام افتتاحيته، أنه من الصعب الوصول الى اتفاق أو ترتيب معين بين الطرفين، وخاصة في المسجد الأقصى، من دون دعم القادة الدينيين.
الوضع القائم في المسجد الأقصى: 2000 أم 2014؟
يزعم التقرير أن “الوضع القائم” في المسجد الأقصى الذي كانت بدايته في حزيران 1967 قد وصل الى نهاية الطريق، لذا تقترح “مجموعة الأزمات” في تقريرها سبل حل جديدة للصراع العربي الاسرائيلي، توصلها بالتالي الى تسوية بين الجانبين في المسجد الأقصى.
ففي حين تقترح المجموعة إعادة الوضع القائم لما كان عليه قبل العام 2003 (حين استأنفت حكومة شارون الاقتحامات اليهودية في المسجد الأقصى، بعد انقطاعها خلال سنوات الانتفاضة، دون موافقة أو تنسيق مع الجانب الأردني)، ومنح الأردن مهمة اختيار من يدخل الى المسجد الأقصى؛ علّق التقرير على هذه الخطوة بأنها غير واقعية ولا يمكن تنفيذها في ظل المتغيرات الاجتماعية والسياسية في المؤسسة الاسرائيلية. لذلك فإن المجموعة تقترح أن يبقى الأمر بيد الحكومة الاسرائيلية للتحقق من الأفراد الذين يقومون بأعمال استفزازية، يهود أو مسلمين، ومنعهم من الدخول.
وعن تعريف “الوضع القائم” في المسجد الأقصى لدى الطرفين، يبيّن التقرير أنه خلال الاجتماع في الأردن، نوفمبر الماضي، بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والملك عبد الله ونتنياهو، تعهد الأخير بالحفاظ على الوضع القائم كما كان قبل اندلاع الأحداث في القدس العام الماضي، بينما طالب الملك عبد الله بالعودة الى ما كان عليه الوضع قبل عام 2000.
ويورد التقرير حديث لنتنياهو في هذا الاجتماع: “جبل الهيكل هو الموقع الأكثر قداسة لشعبنا منذ أيام أبانا ابراهيم، وهو الكيلومتر المربع الأكثر حساسية على وجه الارض… لذلك نحن مصممون الى جانب تشبتنا بحقوقنا، بالحفاظ على الوضع القائم لـ”جميع الديانات”، كي ندرأ اندلاع أحداث”.
وفي ادعاء خطير، يورد التقرير لقاءا مع شخصية عربية لا يكشف عن هويتها ويستكفي بوصفه ديبلوماسي له علاقات وثيقة مع عمان بما يخص المسجد الأقصى، ادعى بأنه من الممكن أن تسمح الأردن في مرحلة ما، بصلاة اليهود في المسجد الأقصى، شريطة أن تكون لعمان السيطرة الكاملة على الموقع، كي يظهر ذلك على أنه تم بموافقتها وحسب رغبتها، ولم يتم فرضه من الخارج.
حفريات أوف لاين
بينما يجري الاحتلال الاسرائيلي حفريات كبيرة منذ عشرات السنين أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، تم توثيق العديد منها بالصور والفيديو، يتهم التقرير الشكاوى العربية إزاء حفريات الاحتلال أسفل المسجد الأقصى، بأنها “غير صحيحة بشكل شبه مؤكد ولا تستند لأي إثبات، إنما تنبع من هواجس العرب والفلسطينيين من الوضع السياسي العام وسياسة المؤسسة الاسرائيلية”:
“في الغرف المغلقة، يعترف مندوبو الطرفين الأردني والاسرائيلي بأن الترتيبات الحالية بالنسبة لأعمال البناء والحفريات الأثرية وأعمال الصيانة في الموقع، أنها سليمة، ومع ذلك لن يقول ذلك أي أحد في العلن”.
ولتثبيت هذه الرواية التي تتفق مع ادعاءات الاحتلال، يضيف التقرير تعقيبا لمن يقول أنه موظف سابق في دائرة الأوقاف لم يفصح عن هويته: “لا توجد أي حفريات أسفل الأقصى، هل تظن أنني كنت سأجلس هنا وأتكلم معك لو أنني اعتقدت أن اسرائيل تجري حفريات أسفل الأقصى؟ كنت سأتواجد هناك وأمنعهم بكل وسيلة”.
طروحات مشبوهة
المجموعة التي تصف نفسها أنها أنشئت لحل الأزمات حول العالم، تطرح حلولا لقضية المسجد الأقصى تفضي في نهاية الأمر الى إقصاء حق المسلمين الخالص فيه، وتؤدي الى تفاقم الأزمة والوصول الى صدام حتمي بين أطراف الصراع.
إذ يدّعي التقرير أن تواجد اليهود في المسجد الأقصى، قد تحوّل الى مشكلة بسبب تحديد أعداد المسلمين الذين يريدون دخوله، غافلا عن أن التواجد اليهودي في المسجد الأقصى بحد ذاته مرفوض على جميع المسلمين والعرب. لذلك فهو يقترح السماح لجميع الديانات دخول المسجد الأقصى، الأمر الذي يمهد الطريق، بحسب وصفه، الى تأمين دخول كل فئة على حدة.
كما أنه لا يعترض على إقامة صلاة اليهود في المسجد الأقصى، وإنما ينصح بعدم إجراء أي تغيير في ترتيبات الصلاة قبل الوصول الى اتفاق ما بين الجانب الاسرائيلي والجانب الاردني والفلسطيني.
وفي مقارنة غير سوية بين الاتهامات المتبادلة، يدعو التقرير القيادات الاسرائيلية والعربية الى استنكار الادعاءات في مجتمعاتها حول المسجد الأقصى: “على الاسرائيليين التوقف عن اتهام هيئة الأوقاف الاسلامية بهدمها أثار وموجودات يهودية في المسجد الأقصى، كما على العرب أن يتوقفوا عن الادعاء بأن المؤسسة الاسرائيلية تريد هدم المسجد الأقصى”.
مشاوي في رحاب الاقصى
يحاول التقرير في أكثر من مكان التشكيك بقدسية المسجد الأقصى لدى المسلمين. ولإثبات هذا القول، يرفق تصريحات مجهولة الهوية، كالتي نسبها الى أحدهم واصفا إياه بأنه فلسطيني مسلم دون الإفصاح عن هويته: “عندما دخلت المسجد الأقصى في صغري، كان مسموح لنا الأكل والشراب في باحاته التي لم نتعامل معها كمكان مقدس، سوى مبنى المسجد الأقصى وقبة الصخرة. أما اليوم فقد تمددت القدسية الاسلامية الى كل المنطقة، وأصبح التدخين ممنوعا في جميع أرجائه، بينما كان في السابق مسموحا. أنا أذكر أننا كنا نقوم بالشواء في ساحاته”.
وداعة الاحتلال الاسرائيلي
يدّعي التقرير، أن ارتباط الاسرائيليين بالمسجد الأقصى تعاظم مؤخرا أكثر من أي وقت مضى، لذلك فإنه من الصعب على اليمين واليسار الاسرائيلي تقبّل الوضع الذي تُفرض فيه تقييدات على الشعائر الدينية اليهودية، وخاصة في أكثر الأماكن قداسة لديهم، بحسب تعبيره.
وفي مقارنة خطيرة للغاية بين الاحتلال الاسرائيلي وكيانات احتلال سابقة لمدينة القدس، واعتراف غير مسبوق لمنظمة دولية بشرعية الاحتلال الاسرائيلي في المسجد الأقصى، وفي محاولة لإظهار الاحتلال الاسرائيلي على أنه حمل يضحي من أجل السلام؛ يصف التقرير تعامل المؤسسة الاسرائيلية مع المسجد الأقصى بأنه يتسم بـ”ضبط النفس”:
“غالبية مؤيدي اليمين واليسار، متدينون أو علمانيون، لا يوافقون على كبح الجماح وضبط النفس الذي تبديه الدولة في أكثر الأماكن قدسية لليهود؛ ففي حين دمّر محتلون سابقون لمدينة القدس أماكن مقدسة أو قاموا بتحويلها لديانات أخرى، فإن اسرائيل لا تطبق قوانين المحكمة العليا خاصتها، التي تفرض عليها كصاحبة السيادة على المسجد الأقصى، تطبيق القانون الاسرائيلي عليه”.
نصيحة في الختام
وفي ختام التقرير، تصف “مجموعة الأزمات الدولية” ادعاءات الفلسطينيين إزاء سعي المؤسسة الاسرائيلية لهدم المسجد الأقصى، بأنها متكررة وكاذبة. وتقدم “النصيحة” للفلسطينيين، التي تدّعي أن دوافع سياسية تمنعهم من الاعتراف بوجود معبد يهودي مكان المسجد الأقصى، دون علاقة بقدسيته في نفوسهم: “ومع ذلك، فإنهم يحسنون صنعا إن توقفوا عن إنكار وجود المعبد وينددون بهذه الادعاءات، ويعترفون بصلة اليهود بالمدينة”.